تركيا.. أئمة مساجد تحت "سياط" حزب العدالة والتنمية
١٧ أغسطس ٢٠١٩
يوماً بعد يوم يُحكِم "حزب العدالة والتنمية" في تركيا سيطرته على الدولة والمجتمع بل وحتى على الشؤون الدينية. الأئمة الذين يخرجون عن خط الحزب، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، يواجهون التسريح من العمل. بعضهم تحدث لـDW.
إعلان
في تركيا لا يتعين على الأئمة الالتزام بتعاليم الدين فقط، وإنما أيضا بتعاليم "رئاسة الشؤون الدينية"، المعروفة باسم "ديانات"، التي لها دور هام في تقييم عملهم كذلك. تُصدرُ "ديانات" توجيهات تنظم الصلاة والوعظ والعبادات. ومخالفة تلك التوجيهات تستوجب العقوبة الشديدة، وفي غالب الأحيان التسريح من الخدمة.
ولم ترغب "رئاسة الشؤون الدينية" في الإفصاح عن عدد الأئمة المسرحين من عملهم تحت تلك الحجة، بينما أشار الأئمة الذين تحدثت معهم DW إلى خطورة تلك المشكلة.
الإمام عبدالله (35 عاماً) دخل في خلاف مع مفتي منطقته، بعدما أصدر الأخير فتوى تقول "إنه لا يجوز للمرأة الذهاب للسوبرماركت دون مرافقة أحد ولاة أمرها".
لجان تحقيق تعسفية
بعد معارضته الفتوى تسارعت الأحداث وتم تسريح عبدالله من وظيفته دون سابق إنذار بحجة "مخالفة التوجيهات". "استندت في معارضتي إلى حرية الرأي. كل ما فعلته أني أديت مهمتي في تعليم الناس استخدام عقولهم. كنت أظن أن هناك حرية رأي في هذا البلد"، يشكو عبدالله في حديثه مع DW.
أحمد محسن توزر، المعروف بلقب "إمام الروك" فُصل من الإمامة قبل تسعة أشهر تحت نفس الذريعة "مخالفة التوجيهات". أسس أحمد فرقة لموسيقى الروك. "مباشرة بعد تأسيس الفرقة بعثت رئاسة الشؤون الدينية لجنة تحقيق. كما قاموا بالسؤال عن كافة جوانب حياتي الخاصة. ثم جاءت التهمة: أقام إمام الروك حفلات دون إذن المفتي كسب منها مالاً كثيراً".
وعلى الرغم من أن أحمد محسن توزر قدم كشوفاً لحساباته البنكية، إلا أن ذلك لم يقدم ولم يؤخر. لقد تم تسريحه.
ويقول "إمام الروك" إن مشاكله مع المفتي لم تبدأ من تأسيس الفرقة : "قلت ذات مرة إن مخترع المصباح الكهربائي توماس إديسون سيدخل الجنة. لم يعجب الكلام المفتي لأن المخترع الأمريكي كان مسيحياً". ويشكو أحمد محسن توزر فيقول إن ما وقع معه "عار على الديمقراطية والحرية".
الإمام سيركان، الذي يعيش في مدنية مرسين القريبة من الحدود مع سوريا، فقد عمله بعد 15 عاماً في الخدمة. يقول سيركان إن سكرتيرة مفتي المنطقة شهرت به. وبناء عليه اتهم بإقامة علاقة جنسية معها خارج إطار الزوجية. رفض سيركان طلب لجنة تحقيق بتقديم سجل بمكالماته الهاتفية لآخر ستة أشهر. فتحمل تبعات رفضه؛ إذ جرى فصله من الخدمة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 بحجة "مخالفة التوجيهات".
حزب العمال وحركة غولن
في جنوب شرق الأناضول تم تسريح الإمام س.ت. بعد خدمة دامت ربع قرن. وُجهت له تهمة العضوية بنقابة، تقول السلطات إنها مرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور. تم إيقاف الإمام البالغ من العمر 46 عاماً من الخدمة بمرسوم خاص استنادا إلى حالة الطوارئ. حدث ذلك في عام 2015، بعد احتلال الحزب المحظور عدة قرى في المنطقة ودخوله في مواجهات مع السلطات التركية.
قبل الانتخابات المحلية في 31 آذار/ مارس تلقى الإمام زكريا بيلادا دعوة من "حزب الخير" القومي المحافظ لإمامة الصلاة. المفتي، المقرب من "حزب العدالة والتنمية" أبلغه باستبداله بإمام آخر، بذريعة أنه قام بالدعاء لأجل أناس مقربين من حركة غولن، المتهمة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016. واستند المفتي في قراره إلى مادة قانونية تنص على أنه "لا يجوز لرجال الدين انتقاد أو مدح رأي أو موقف للأحزاب السياسية".
أداة سياسية؟
تعجب زكريا بيلادا من القرار، إذ إن الأئمة، الذين دعوا في الصلاة لفوز مرشح حزب العدالة والتنمية في انتخابات إسطنبول ما زالوا في وظائفهم.
يقول المعارضون الأتراك إن "رئاسة الشؤون الدينية" مسيسة لصالح الإسلاميين المحافظين. في تركيا يشكل ذلك معضلة إذ إن العلمانية (فصل الدين عن الدولة) هي أحد المبادئ الأساسية الستة للجمهورية التركية منذ تأسيسيها عام 1923 على يد كمال أتاتورك. وحتى اليوم ما تزال الغالبية من الأتراك مقتنعين بتلك المبادئ.
بوركو كاركاش/خ.س
مشاكل اندماج السوريين في تركيا ما تزال قائمة
تُعد الإشكالية اللغوية وعدم الحصول على أجور لائقة من بين المصاعب التي يواجهها اللاجئون السوريون في تركيا. ولم يتغير هذا الوضع، رغم مكوث العديد منهم هناك لأعوام كثيرة.
صورة من: DW/D. Cupolo
صبي ينظر باتجاه الشارع من داخل مدرسة في مخيم للاجئين في نصيب2 جنوبي تركيا. وقد عاش العديد من السوريين هناك لأكثر من خمس سنوات، ولكن لديهم صعوبات في الاندماج داخل المجتمع التركي، بسبب الحواجز اللغوية وظروف العمل الصعبة. يقدم هذا المخيم أماكن إقامة جيدة تتوافق مع المعايير الدولية، ولكن السكان مازالو يكافحون من أجل كسر العزلة المجتمعية.
صورة من: DW/D. Cupolo
على ضفاف نهر الفرات أقيم عام 2012 مخيم اللاجئين نصيب 2 والذي يوفر عروضا مجانية في التعليم والرعاية الصحية. وهناك أيضا محلات السوبرماركت للسكان السوريين البالغ عددهم 4500 لاجئا. وعلى خلاف الخيام التقليدية في مخيمات اللاجئين تعيش العائلات هنا في منازل على شكل حاويات، مزودة بحمامات وتدفئة وتكييف.
صورة من: DW/D. Cupolo
وفقا لأرقام وزارة التربية الوطنية التركية فإن 40 بالمائة من الأطفال اللاجئين السوريين في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدرسة. لكن التعليم في مخيم نصيب 2 مجاني ومتوفر للطلاب بجميع المراحل الدراسية باللغة العربية والتركية والانجليزية، غير أن بعض اللاجئين انتقدوا أن تعلم اللغة التركية لا يتوافق مع طموحاتهم للعمل مستقبلا بأجور جيدة.
صورة من: DW/D. Cupolo
بالنسبة للأطفال، فالتعليم الأفضل يكون خارج المخيم، حيث لا يتم تعلم اللغة التركية بداخلها بشكل سريع، وهم يريدون تعلما أسرع من اجل الالتحاق بالصفوف المدرسية التي يتواجد بها طلاب أتراك. كما يعتبر مصطفى عمر الذي يدرس اللغة الإنجليزية وهو في الأصل من مدينة حمص، أن "اللاجئين يشعرون بالأمان داخل المخيم مع مواطنيهم، وهو الأمر الأهم بالنسبة لنا".
صورة من: DW/D. Cupolo
"التفاعل بين الأطفال السوريين والأتراك مهم لتخفيف التوترات الاجتماعية، كما يقول عمر كادكوي، وهو باحث متخصص في مجال التكامل الاقتصادي والاجتماعي للاجئين. ولكنه يلاحظ: "ومع ذلك، فالمدارس الحكومية ومراكز التعليم المؤقتة تعاني من نقص في وجود موظفين مؤهلين لتعليم التركية كلغة ثانية"
صورة من: DW/D. Cupolo
هناك قصص نجاح واضحة. ماهر إسماعيل، 17عاما، درس اللغة التركية لمدة عام واحد ويلاحظ "إنها سهلة التعلم "، ويقول إسماعيل في لقائه مع DW. "أستطيع أن أفهم نسبة 70 في المائة من الكلام بالتركية". وعندما يُنهي المدرسة الثانوية فهو يأمل في دراسة الهندسة بجامعة غازي عنتاب القريبة ، كما ذكر مدير المخيم إبراهيم خليل دمير
صورة من: DW/D. Cupolo
نسبة البطالة مرتفعة بين السوريين، ولكن العديد يعثرون على وظائف متدنية المهارات، خاصة في قطاعات يكون العمل فيها شاقا، في حين ينشأون آخرون شركات خاصة بهم. ستة آلاف من الشركات السورية تم إنشاؤها في تركيا بين 2011 و 2017. نسبة 13 في المائة منها موجودة في غازي عنتاب القريبة. ويسعى العديد من السوريين نقل مهاراتهم المهنية إلى السوق التركية.
صورة من: DW/D. Cupolo
كهرمان مراش، 24 عاما، يقيم في المخيم في زيارة لجديه في يوم عطلة، وهو يعمل 12 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع في محل لبيع الكباب في مدينة قريبة مقابل 1000 ليرة تركية أي ما يوازي 256 يورو، ويقول إنه يود أن يتعلم التركية والذهاب إلى المدرسة إلا أنه ليس له وقت للقيام بذلك.
صورة من: DW/D. Cupolo
الأغلبية الساحقة من سكان المخيم يفكرون في العودة إلى ديارهم في سوريا. محمد حاجي (يسار) يقوم بتعبئة الخضار والفواكه طوال اليوم براتب 35 ليرة تركية، أي ما يوازي 9 يورو. ويقول إنه لا يفكر في الذهاب إلى المدرسة هنا، حيث إنه يود العودة إلى سوريا. ويوافقه زكريا عريض (يمين) من الرقة في هذا الرأي. فهو أيضا ينتظر تحرير مدينته من داعش.
صورة من: DW/D. Cupolo
عيوش أحمد (خارج إطار الصورة) تحمل واحدة من حفيداتها. وتعيش عيوش في نصيب 2 منذ خمس سنوات، وكانت من أوائل السكان في المخيم. فحفيداتها رأين نور الحياة في المخيم. وتقول: "إذا بقينا هنا فإن حفيداتي سوف يصبحن تركيات، أما إذا عدنا إلى سوريا فسوف يبقين سوريات". (دييغو كوبلو/علاء جمعة)