تركيا: اتهامات لمؤسسة "ديانت".. سلطة دينية أم قوة اقتصادية؟
٢٨ سبتمبر ٢٠١٩
تجني أعلى سلطة دينية تركية، مؤسسة "ديانت" ملايين الدولارات من أنشطتها التجارية. وآخر مشاريعها التخطيط لهدم مصنع جعة تراثي قديم في البلاد. خطوة أثارت غضب المنتقدين الذين يتساءلون عن طبيعة هذه الأنشطة وعلاقتها بالدين.
إعلان
كان "بومونتي" أول مصنع للجعة بني خلال الفترة العثمانية ويقع في حي سيسلي وسط مدينة إسطنبول. غير أن بناية هذا المصنع ذات القيمة التاريخية، تم تسليمها الآن لمكتب مفتي الحي. وتخطط رئاسة الشؤون الدينية المعروفة باسم "ديانت" لهدم المبنى، لتشييد مسجد ونزل في الموقع، ما أدى لاندلاع جدل، بل ومقاومة قوية ضد المشروع.
وبهذا الشأن أوضح عمدة منطقة سيسلي معمر كيسكين لـDW أن "لمصنع بومونتي للجعة أهمية تراثية، ومشروع البناء الجديد سيدمر سحر منطقتنا، وهذا ليس جيدًا بالنسبة لنا". ومن بين المعارضين للمشروع رئيس غرفة المهندسين والمهندسين المعماريين الأتراك، عاكف بُراك أتلار "لقد تم إهمال المصنع في بومونتي لسنوات، يجب مناقشة إعادة ترميم مصنع الجعة وليس هدمه".
مؤسسة "ديانت القابضة" – ما حجم ثروتها؟
يعتبر الجدل بشأن مبنى مصنع بومونتي التاريخي نموذجا لنشاط الأعمال المتزايد لأعلى سلطة دينية في تركيا. مؤسسة "ديانت" القابضة هي مؤسسة حكومية تشغل أكثر من 107.000 موظف، كما تدير مئات المشاريع في الداخل والخارج. ويحذر المنتقدين صعوبة التمييز المتزايدة بين النشاطين الديني والتجاري للمؤسسة.
وفقًا لبيانات موقعها الرسمي على الإنترنت، فإن ميزانية ديانت تصل لـ825 مليون يورو، مبلغ يتجاوز بكثير ميزانية العديد من الوزارات، فيما يُقدر معهد الإحصاء التركي TÜIK) ) مبلغًا أكبر من ذلك، إذ أكد أن ميزانية ديانت للعام الجاري (2019) تتجاوز الضعف، لتصل حوالي 1.7 مليار يورو.
أما الكاتب التركي عمر سجلم، فيرى أن الأموال التي تحصل عليها "ديانت" أكثر بكثير، إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار مبالغ الحج والعمرة والأضاحي وبعض الاستثمارات السرية. على سبيل المثال، تشارك ديانات في حوالي 450.000 عملية ذبح في جميع أنحاء العالم، حيث يتبرع المواطنون بالمال للسلطات التي تذبح الأضاحي باسم المتبرعين، وبعدها يتم توزيع اللحوم على الفقراء. هذه العملية لوحدها تحقق إيرادات قدرها 52.4 مليون يورو، كما يوضح ساجلام، معتبرا أن "ديانت لا تخضع للمراقبة إلى حد كبير".
هياكل غير شفافة
تقوم مؤسسة "ديانت" على بنية غامضة متشعبة المستويات، وتشرف على أنشطة تربوية، ثقافية وخيرية في ما لا يقل عن 145 دولة. لا سيما فرعها المسمى "تركيا ديانت فاكفي" التي تدير العديد من المتاجر. تأسست عام 1975 كمؤسسة خيرية صغيرة، ثم نمت لتصبح اليوم مؤسسة تملك حوالي 1000 فرع في جميع أنحاء تركيا. أنشطتها مربحة للغاية لأنها أعفيت عام 1977 من جميع الضرائب. بالإضافة إلى ذلك، تمارس من خلال فرعها (كوماس أ.س) في مجال البناء، حيث أنشأت مئات المدارس والمساجد والمستشفيات والفنادق.
العيران التركي وليس الكحول مشروب إردوغان الوطني
03:33
"دولة داخل الدولة"
يقول جميل كيليك وهو عالم دين: "تبدو مؤسسة "ديانت" اليوم كشركة عملاقة، بل الأسوأ من ذلك، كدولة داخل الدولة (..) لا يجوز لها التصرف كقوة اقتصادية". ويطالبها كيليك بأن تتذكر مهمتها الأساسية الأولى: "تأسست ديانت لتقريب مبادئ الدين الإسلامي من الجمهور وتمكينه من فهم قيم العدالة والفضيلة". لكنها اليوم ليست أكثر من جماعة معزولة عن المواطنين. واستطرد موضحا "تأسست ديانت في الأصل لخدمة الفقراء وليس للاغتناء الذاتي، وهو أمر ما يتعارض مع منطق الإسلام".
دوران آرام إكين / بيلوت دانييل / ح.ز
"آيا صوفيا" تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
يبلغ عمر آيا صوفيا بقبتها الضخمة ومآذنها الأربعة ما يقرب من 1500 عام. مهدت المحكمة العليا في تركيا الطريق لإعادة المتحف الكائن في اسطنبول إلى مسجد بعد جدل استمر لفترة طويلة، وتقام اليوم أول صلاة جمعة فيه بحضور أردوغان.
صورة من: picture-alliance/Marius Becker
معلم من معالم العمارة
في عام 532 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني جستنيان، الذي كان يقيم آنذاك في القسطنطينية ببناء كنيسة صخمة "ليس لها مثيل منذ خلق آدم ولا شبيه في قادم الزمن." وشارك في العمل 10 آلاف عامل. وبعد مرور 15 عاما تم افتتاح المبنى. وبقيت تلك الكنيسة على مدار ألف عام أكبر كنيسة في العالم المسيحي.
صورة من: imago/blickwinkel
مكان تتويج حكام بيزنطة
ويقال إن جستنيان استثمر ما يقرب من 150 طناً من الذهب في بناء آيا صوفيا. مع ذلك فقد وجب إجراء تحسينات على المبنى. فالقبة كانت في البداية مسطحة للغاية وانهارت عند وقوع أحد الزلازل. "آيا صوفيا" ومعناها "الحكمة المقدسة" اعتبرت مباشرة كنيسة الدولة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي جرى هنا تتويج جميع حكام بيزنطية تقريباً.
صورة من: Getty Images
التحول من كنيسة إلى مسجد
في عام 1453 سقطت القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي أعلن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. وحل الهلال مكان الصلبان، ودمرت أجراس الكنيسة والمذبح وجرى تفكيك الفسيفساء والجداريات. كما أقيمت أول مئذنة بالمبنى فأعطته مظهراً إسلامياً.
صورة من: public domain
التحول من مسجد إلى متحف
في عام 1934 أمر مؤسس الدولة التركية الحديثة؛ مصطفى كمال أتاتورك بتحويل آيا صوفيا إلى متحف. ومع أعمال الترميم المكلفة لآيا صوفيا كانت هناك نية لعدم الإنحياز لدين معين فتم حينها إظهار لوحات الفسيفساء البيزنطية مرة أخرى. كما كان هناك حرص على عدم تدمير البنايات الإسلامية اللاحقة. وفي 10 يوليو 2020، ألغت محكمة تركية عليا مرسوم عام 1934، مما مهد الطريق لتحويله إلى مسجد.
صورة من: AP
الإسلام والمسيحية على قدم المساواة
التاريخ المضطرب لآيا صوفيا يتضح اليوم للزوار في كل ركن من أركان البناية المعلمة. كتابات مثل "الله" و"محمد" تحيط بأيقونة مريم العذراء مع الطفل يسوع في حجرها. ومن الجدير بالذكر أن النوافذ الأربعين في القبة الكبيرة تسمح بمرور الضوء وتمنع انتشار الشقوق وتدمير القبة. في عام آيا صوفيا 1985 أعلنت اليونسكو المبنى كأحد مواقع التراث الإنساني.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
أيقونات بيزنطية
الفسيفساء الرائعة المعروضة على جدار الرواق الجنوبي لآيا صوفيا تعود للقرن الـ 14 الميلادي. وحتى وإن لم تكن كاملة إلا أن الوجوه المشكلة بالفسيفساء لازالت واضحة جداً للعيان. في المنتصف صورة يسوع كحاكم للعالم، وعن يساره ماريا وعن يمينه يوحنا.
صورة من: STR/AFP/Getty Images
ليس مكانا للعبادة
الصلاة في آيا صوفيا ممنوعة اليوم. وقد التزم بذلك أيضاً البابا بنديكت السادس عشر، عندما زار البازيليكا في عام 2006. وجرت زيارته في ظل إجراءات أمنية مشددة، فقد سبقتها احتجاجات للقوميين ضد زيارة البابا. ومؤخراً، جمع شباب الأناضول الوطني المحافظ 15 مليون توقيع لأجل إعادة المتحف ليكون مسجداً من جديد.
صورة من: Mustafa Ozer/AFP/Getty Images
قيمة رمزية كبيرة
المنطقة المجاورة لآيا صوفيا لا تنقصها البنايات الإسلامية: ففي الجهة المقابلة مباشرة ترتفع مآذن جامع السلطان أحمد، المعروف أيضا باسم "المسجد الأزرق" (يمين). ويدعو القوميون إلى إعادة آيا صوفيا لتكون مسجدا، لأنه يرمز إلى فتح القسطنطينية على يد العثمانيين. وفي نظرهم أنه يجب حماية هذا التراث الإسلامي.
صورة من: picture-alliance/Arco
مطلب المسيحيين الأرثوذكس
برتلماوس الأول بطريرك القسطنطينية؛ الرئيس الشرفي لجميع المسيحيين الأرثوذكس يطالب هو أيضاً بحقوق في آيا صوفيا. ويدعو منذ سنوات، لفتح الكنيسة (البازيليكا) مرة أخرى للقداس المسيحي. ويقول إن آيا صوفيا "بنيت لتكون شاهداً على الإيمان المسيحي" وينبغي أن تكون بمثابة "مكان ورمز للاجتماع والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات"، حسب تعبيره.
صورة من: picture-alliance/dpa
مسجد مرة أخرى
ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا المرسوم الحكومي الذي استمر لعقود والذي حول آيا صوفيا إلى متحف، مما مهد الطريق لتحويل المبنى إلى مسجد مرة أخرى، على الرغم من التحذيرات الدولية والمراجع المسيحية من هذه الخطوة وهو ما تتحفظ عليه الحكومة التركية.
صورة من: picture-alliance/Marius Becker
قرار فوري
وبعد أن وافق مجلس الدولة أعلى محكمة إدارية في تركيا بطلب من عدة جمعيات على إبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 ينص على اعتبار الموقع متحفاً، أعلن الرئيس أردوغان فوراً تحويل كنيسة آيا صوفيا مسجداً.
صورة من: Reuters/M. Sezer
أردوغان يشارك في أول صلاة
ويشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة (24 تموز/ يوليو 2020) بأول صلاة للمسلمين في كنيسة آيا صوفيا السابقة في اسطنبول منذ تحويلها إلى مسجد.