تركيا تعزز قواتها في إدلب بعد فشل دعوات لوقف إطلاق النار
١٢ سبتمبر ٢٠١٨
أرسلت تركيا جنودا ومركبات مدرعة إلى مواقع المراقبة في منطقة إدلب قرب الحدود السورية التركية، وذكر مسؤولون أتراك أن بلادهم سترد على أي هجوم سوري. فيما ذكرت تركيا أنها لا تستطيع أن تستقبل المزيد من اللاجئين السوريين.
إعلان
قالت مصادر تركية ومن المعارضة السورية إن تركيا تعزز مواقعها العسكرية داخل محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في سوريا في مسعى لردع هجوم حكومي تقول إنه قد يؤدي لكارثة إنسانية على حدودها. وحذر الرئيس رجب طيب أردوغان من أن أي هجوم للجيش السوري وحلفائه من الروس والفصائل التي تدعمها إيران على إدلب، التي يسكنها نحو ثلاثة ملايين، سيؤدي لتشريد مئات الآلاف في واحد من آخر معاقل المعارضة في سوريا.
وتستضيف تركيا بالفعل 3.5 مليون سوري، وهو أكبر عدد من اللاجئين في بلد واحد بالعالم، وتقول إنها لا تستطيع استيعاب المزيد من ضحايا الحرب واتهمت الغرب بالتخلي عنها وتركها لتواجه تداعيات سعي الرئيس السوري بشار الأسد لاستعادة السيطرة على الأراضي السورية. وخلال اجتماع في طهران يوم الجمعة الماضية مع رئيسي روسيا وإيران، كان ينظر له على أنه آخر فرصة واقعية لتفادي هجوم شامل في المحافظة التي تسيطر عليها المعارضة، فشل أردوغان في انتزاع تعهد من أكبر داعمين للأسد بوقف إطلاق النار.
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين
صورة من: Reuters
11 صورة1 | 11
تعزيز 12 موقعاً للجيش التركي
لكن وزير دفاعه خلوصي أكار يقول إن تركيا لا تزال عازمة على وقف الضربات الجوية المستمرة منذ أسابيع على إدلب وتأجيل الهجوم البري بينما يحذر مسؤولون من أن تركيا سترد إذا تعرضت قواتها في إدلب للقصف. وأبلغ ثلاثة من مسؤولي الأمن والحكومة التركية رويترز بأنه جرى إرسال جنود ومركبات مدرعة وعتاد إلى الحدود السورية. وذكر مصدر أمني كبير أن الجيش عزز 12 موقعا للمراقبة العسكرية داخل إدلب نفسها. وقال المصدر "لدينا وجود عسكري هناك وإذا تعرض الوجود العسكري لضرر أو هجوم بأي شكل، فسيعتبر ذلك هجوما على تركيا وسيقابل بالرد المطلوب".
وأقيمت مواقع المراقبة في منطقة إدلب العام الماضي بموجب اتفاق مع روسيا وإيران لتصنيف إدلب وأجزاء من المحافظات المجاورة ضمن "مناطق خفض التصعيد". ومنذ ذلك الحين، استعاد الجيش السوري وحلفاؤه ثلاث مناطق مماثلة، على الحدود الجنوبية لسوريا مع الأردن، إلى الشرق وإلى الشمال من دمشق.
وقال قيادي كبير في المعارضة السورية إن تركيا أرسلت عشرات المركبات المدرعة والدبابات بالإضافة إلى مئات من أفراد القوات الخاصة إلى إدلب وهي خطوة قال إنها مؤشر على أن إدلب لن تلقى مصير المناطق الأخرى التي كانت خاضعة للمعارضة.
وقال مصطفى سيجري إن هناك تعزيزات كبيرة للقوات التركية داخل سوريا وإن مواقع المراقبة هذه أصبحت في الواقع قواعد عسكرية دائمة. ولا يعلق الجيش التركي على تحركات القوات، لكن لقطات لتلفزيون رويترز أظهرت قوافل عسكرية متجهة إلى المنطقة الحدودية في الأسبوع الماضي. وقالت مصادر من المعارضة لرويترز إن تركيا زادت أيضا الإمدادات لقوات المعارضة في إدلب في الأيام القليلة الماضية بما في ذلك الذخيرة والصواريخ.
رفض استقبال المزيد من اللاجئين
على الرغم من أنها فتحت أبوابها أمام السوريين الهاربين من القتال في السنوات الأولى من الصراع، فقد قامت تركيا منذ ذلك الحين ببناء جدار على طول حدودها البالغ طولها 900 كيلومتر مع سوريا. وتقول إنها لا تستطيع أن تستقبل المزيد من اللاجئين، ويقول مسؤولو الإغاثة والأمن في تركيا إنه في حال نشب صراع في إدلب، فسيسعون لتوفير المأوى للنازحين داخل سوريا بدلا من استضافتهم على الأراضي التركية.
وقال المسؤول الأمني "لن يتم قبول لاجئين في تركيا لأن التجارب السابقة أظهرت أنه مع مثل هذه الموجات من المهاجرين، تزيد إمكانية دخول المتطرفين والإرهابيين إلى تركيا". وأضاف "سنبقي اللاجئين في سوريا من أجل سلامة تركيا والدول الأوروبية". وقال مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا قبل أسبوعين إن هناك ما يقدر بنحو 10 آلاف مقاتل في إدلب صنفتهم الأمم المتحدة إرهابيين.
وهناك أيضا عشرات الآلاف من مقاتلي المعارضة من فصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا بالإضافة إلى ملايين المدنيين، وكثير منهم نازحون بالفعل من أجزاء أخرى من سوريا. وقالت تركيا منذ أشهر إن المتشددين المسلحين الذين يسيطرون على عدة بلدات رئيسية في إدلب يجب أن يُستهدفوا على وجه التحديد لتفادي العواقب الإنسانية للحرب العشوائية.
مخيمات قريبة من حدود إدلب
ويلجأ آلاف السوريين بالفعل إلى مخيمات قريبة من حدود إدلب، ويعتمدون على قربهم من تركيا لحمايتهم من الضربات الجوية السورية أو الروسية. وقال المصدر الأمني إن تركيا تعد مزيدا من المخيمات، لكنه قال إن المناقشات لا تزال مستمرة بشأن حجم عملية المساعدات داخل سوريا. وقال إبراهيم كالين، المتحدث باسم أردوغان، إن تدفق اللاجئين عبر الحدود التركية سيكون له تداعيات دولية.
وتوصلت أنقرة إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي منذ عامين لوقف تدفق المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط إلى أوروبا، بعد أن تسبب التدفق في حدوث أزمة سياسية داخل التكتل. وقال كالين بعد اجتماع لمجلس الوزراء أمس الثلاثاء "المجتمع الدولي يحتاج أيضا لتحمل المسؤولية... أي موجة هجرة أخرى إلى تركيا في وقت نستضيف فيه بالفعل ملايين اللاجئين ستسبب مضاعفات أخرى". وأضاف "سينتشر ذلك من هنا إلى أوروبا وبلدان أخرى."