مستقبل تركيا الغامض بين الديمقراطية وسلطوية أردوغان
٢٩ مارس ٢٠٢٥
واصلت المعارضة التركية تنظيم تجمّعات في مختلف أنحاء البلاد مع اتّساع نطاق المطالب الشعبية المنددة باعتقال رئيس بلدية اسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو. وخرجت مظاهرات حاشدة في جل محافظات البلاد. وردت السلطات بتوقيف مئات المتظاهرين، فيما حظرت التجمعات في كبريات المدن كإسطنبول وإزمير وأنقرة. ووُجّهت رسميا إلى إمام أوغلو تهم "فساد" نفاها بشدة. وقال في رسالة نقلها محاموه "أنا هنا، أرتدي قميصا أبيض لا يمكنكم تلطيخه. معصمي قوي ولن تتمكّنوا من ليّه. لن أتراجع قيد أنملة. سأنتصر في هذه الحرب". يذكر أن "حزب الشعب الجمهوري" الأتاتوركي الذي يتزعم المعارضة في البلاد، أجرى انتخابات تمهيدية كان إمام أوغلو المرشح الوحيد فيها. وأكّد الحزب مشاركة 15 مليون شخص في التصويت الذي أكّد اختيار إمام أوغلو، الذي بات يهدد عرش أردوغان بفضل شعبيته العارمة والكاريزما التي يتمتع بها.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "أ.بي.سي" الإسبانية (25 مارس / آذار 2025) معلقة "اعتقال أكرم إمام أوغلو، أشهر معارض للرئيسرجب طيب إردوغان، أثار موجة احتجاجات ضد النظام، حيث تم اعتقال آلاف الأشخاص في غضون أيام قليلة. النظام التركي الذي بدأ منذ التسعينيات يتخذ سمات الديمقراطية، لم يتوقف تحت قيادة أإردوغان عن التراجع. في الواقع، كانت السيطرة على القضاء هي النتيجة الرئيسية للانقلاب الذاتي في عام 2016. ومنذ ذلك الحين، حاول الرئيس التركي بناء نظام رئاسي يتيح له إقصاء المعارضة، لكنه ليس بدون أن يواجه مقاومة من جزء كبير من المواطنين الأتراك الذين ظلوا يراهنون على الديمقراطية. أردوغان وجه ضربته لإمام أوغلو تزامنا مع تحقيقه لإنجاز تاريخي يتمثل في دعوة أهم زعيم كردي (أوجلان) لإنهاء الكفاح المسلح. كا يستغل وضعا دوليا يختار فيه (الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب حلفاءه سواء كانوا يحترمون سيادة القانون أم لا ودون تردد".
رغم المخاطر ـ الأتراك يدافعون عن ديموقراطيتهم
أعلنت الداخلية التركية اعتقال المئات من المحتجين، فقد تم إيقاف متظاهرين في بيوتهم. وتستخدم الشرطة الرصاص المطاطي لتفريق المحتجين الذين يخرجون للشارع رغم المخاطر الشخصية الكبيرة، ورغم حظر التجمعات والعنف الذي تمارسه الشرطة. وبهذا الشأن قالت "منظمة العفو الدولية" في بيان "يجب على السلطات التركية وضع حدّ للاستخدام غير الضروري والعشوائي للقوة من جانب قوات الأمن ضد متظاهرين سلميين، والتحقيق في أعمال العنف غير المشروعة التي ترتكبها الشرطة". واستهدفت السلطات أيضا وسائل الإعلام المعارضة في البلاد حيث أعلنت "هيئة تنظيم ومراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني" فرض حظر على بث قناة "سوزجو" التلفزيونية المعارضة لعشرة أيام، لاتهامها بـ"التحريض على الكراهية والعداء" في تغطيتها للاحتجاجات الحاشدة. وفي استطلاع حديث للرأي نُشر (27 مارس) أيدت أغلبية من الناس في تركيا، الاحتجاجات ضد إقالة عمدة إسطنبول. وأفاد معهد الاستطلاعات "كوندا" عبر منصة "إكس" أن 21% من المشاركين في الاستطلاع اعتبروا الاحتجاجات مبررة، بينما وافق 52% على الاحتجاجات طالما أنها لا تهدد النظام العام. في المقابل، عارض 27% الاحتجاجات.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دي تسايت" الألمانية معلقة (26 مارس) "هناك تركيا تتجاوز أردوغان. وهذه تركيا ستظل موجودة حتى لو اختفى الرئيس في يوم من الأيام. هؤلاء الملايين من الأشخاص الذين يقاتلون من أجل حياة حرة، أوروبا ليست فقط مجبرة أخلاقيًا على دعمهم - بل سيكون من غير الحكمة الاستراتيجية تركهم وحدهم الآن. هذا ينطبق بشكل خاص على ألمانيا التي تضم ملايين السكان من أصل تركي. القلق من احتمال نهاية الحرية يتسلل هذه الأيام أيضًا حتى في الأحياء الألمانية".
برلين ترفع صوتها وتنتقد اعتقال أوغلو
انتقدت برلين اعتقال أكرم إمام أوغلو، ووصفت الحكومة الألمانية ذلك بأنه "غير مقبول على الإطلاق". وطالب المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبشترايت، (24 مارس) "بتوضيح الأمر بسرعة وشفافية كاملة". ورأى أن التطورات الأخيرة تعد "إشارة سيئة بالنسبة للديمقراطية في تركيا" وكذلك للمسار اللاحق للعلاقات الألمانية-التركية. وكان تم إبلاغ السفير التركي بموقف الحكومة الألمانية من هذه القضية خلال اجتماع في وزارة الخارجية الألمانية. أما فيما يخص اتخاذ إجراءات محددة مثل وقف صادرات الأسلحة الألمانية إلى تركيا، فلم تتخذ الحكومة الألمانية قرارا بهذا الشأن بعد. وأكد هيبشترايت أن الحكومة تنتظر أولا رد الفعل التركي على مطالب توضيح القضية، مضيفا "عندها قد يكون علينا النظر في تساؤلات أخرى".
صحيفة "أوغسبورغه ألغماينه" الألمانية كتبت معلقة (23 مارس) "إن اعتقال عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو أثار في ألمانيا ردود الفعل المعتادة، مثل رد الفعل الباهت من وزارة الخارجية على سبيل المثال. وقال متحدث باسم وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إن اعتقال إمام أوغلو "ضربة قاسية للديمقراطية في تركيا". كان يُنتظر من الحكومة الألمانية، في ظل تصرف السلطات التركية، أكثر من مجرد بيان. لكن للأسف، لن يحدث شيء أكثر من ذلك. هناك مبدأ ثابت في السياسة الخارجية: لا تتدخل الحكومات في شؤون الدول الأخرى. لكن عندما تكون رائحة القضية كريهة بشكل واضح، يجب على الجميع أن يتصرفوا كما لو أنها لا تفوح برائحة الورد. في حالة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فإن التذمر من هذه التصرفات قد اختفى منذ سنوات".
في عهد الترامبية ـ تغليب المصالح على حساب المبادئ؟
انتقد أكرم إمام أوغلو شخصيا قادة الدول الغربية بسبب ما وصفه بصمتهم إزاء اعتقاله. وفي مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية (28 مارس) اتهم أوغلو الولايات المتحدة وأوروبا بإعطاء أولوية للمصالح الجيوسياسية على حساب قيم الديمقراطية. وكتب قائلا "صمتهم يصم الآذان.. وأعربت واشنطن، فحسب، عن مخاوف فيما يتعلق بالاعتقالات والمظاهرات الأخيرة في تركيا. ولم يبد قادة أوروبا استجابة قوية، باستثناءات قليلة". والواقع أن تطورات الداخل التركي تتزامن مع تطورات جيوسياية عالمية تعيد خلط أوراق التحالفات التقليدية. كما أن أردوغان نجح في بناء مكانة وسيط قوي لا يمكن الاستغناء عنه في عدد من الملفات الدولية ليس أقلها ملف الهجرة الحساس بالنسبة للاتحاد الأوروبي. وبوصفه قائد ثاني أكبر جيش في حلف الناتو. من جهته، وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أردوغان، في وقت سابق هذا الأسبوع بأنه "قائد صالح". وقال إمام أوغلو إن عدم وجود إدانة دولية لأردوغان يساعد في ضمان تحول تركيا نحو الاستبداد. وأضاف "لا يمكن للديمقراطية وسيادة القانون والحريات الأساسية أن تستمر وسط الصمت، ولا يمكن التضحية بها من أجل الراحة الدبلوماسية المتخفية (..) والآن تواجه دولة ذات باع طويل في الديمقراطية خطرا حقيقيا في تجاوز نقطة اللاعودة".
وبهذا الصدد علقت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية (25 مارس) "بينما كان أردوغان يعتقل الصحفيين على مر السنين، ويتدخل في القضاء، ويقمع المجتمع المدني، كانت تركيا في أفضل الأحوال تُعتبر دولة غير مستقرة أو شبه ديمقراطية. لكن الانتخابات كانت مهمة، كان على الرئيس أن يروج لإعادة انتخابه. مع الحملة القمعية الأخيرة، أصبحت تركيا تشبه بشكل متزايد روسيا تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتين، وهي دولة شمولية يحكمها شخص واحد، حيث تكون نتائج الانتخابات معروفة مسبقاً. التوقيت الذي اختاره أردوغان يكشف عن دوافعه الحقيقية (..) شعر قادة الدول الاستبدادية حول العالم بالتشجيع من ابتعاد ترامب عن التزام أمريكا بالديمقراطية (..) ربما يأمل أردوغان أن يتلقى قمعه الاستبدادي القليل من الانتقاد من ترامب (..) إذا كان أردوغان قد راهن على ذلك، فيبدو أنه كان على صواب (..) على الرغم من حظر التظاهرات، فقد ازدادت الاحتجاجات في الشوارع، ستكون ردود فعل أردوغان هي التي ستحدد ما إذا كانت تركيا ستنضم إلى صفوف الأنظمة الاستبدادية التي حافظت على سلطتها من خلال القمع العنيف (..). قد تتمكن تركيا من تجنب مصير مماثل، لكن ذلك يتوقف على ما إذا كان أردوغان سيغير مساره".
وذهبت صحيفة "التلغراف" البريطانية (24 مارس) في نفس الاتجاه وكتبت "يمنع الدستور أردوغان من الترشح مرة أخرى في 2028، إلا إذا قام بتعديله - كما فعل بوتين - لتمديد فترة رئاسته، وهو ما يظنه البعض. يُصرّ رجال الرئيس على أن هذه قضية قضائية بحتة خارجة عن سيطرته، ولكن قليلين في تركيا يصدقون ذلك (..) في وقت التوترات العالمية، من المهم أن يكون هناك استقرار في بلد يعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الناتو ويستضيف قواعد نووية أمريكية. لكن تركيا ورئيسها يجب أن يظهرا أنهما لا يزالان إلى جانب شركائهم الديمقراطيين في الناتو، بعدم تبني التكتيكات الروسية للتعامل مع الاحتجاجات المشروعة".
ح.ز