تركيا والإمارات.. مصالحة اقتصادية وترحيل الخلافات السياسية؟
٦ سبتمبر ٢٠٢١
بعد سنوات من التنافس الإقليمي والتصريحات العدائية بين تركيا والإمارات بدأت خطوات تقارب وتهدئة بين البلدين. ورغم الخلافات بينهما يتوقع مراقبون بأن يركز البلدان على بناء العلاقات الاقتصادية وترحيل الخلافات السياسية.
إعلان
بعد سنوات من العداء بين القوتين الإقليميتين تركيا والإمارات، وتبادل الاتهامات بالتدخل وممارسة النفوذ خارج حدودهما، بدأ مؤخرا جبل الثلج يتزحزح بين أنقره وأبوظبي، فقد أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالا هاتفيا مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الأسبوع الماضي في أعقاب اتصالات بين مسؤولي المخابرات والحكومة في البلدين.
وناقش أردوغان أيضا، وهو الذي قال قبل عام إن تركيا قد تقطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي بسبب إقامة علاقات مع إسرائيل، الاستثمارات الإماراتية في تركيا مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد.
وقال مسؤول إماراتي إن "الإمارات مهتمة باستكشاف آفاق تعزيز العلاقات"، في إشارة إلى فرص التجارة والاستثمار في مجالات النقل والصحة والطاقة.
وجاءت المحادثات في أعقاب جهود أسبق بذلتها تركيا لتهدئة التوترات مع السعودية ومصر حليفتي الإمارات. لم تثمر هذه الاتصالات عن نتائج تذكر حتى الآن، لكن البعض يرون أن المسار الإماراتي يتحرك بسلاسة وسرعة أكبر. قال دبلوماسي في الخليج إن العملية "تسير بخطى سريعة.. أسرع مما كان يعتقد الكثيرون. لقد قلبوا صفحة الماضي".
ووصف مسؤول تركي كبير الاتصال الهاتفي بين أردوغان والشيخ محمد بن زايد بأنه خطوة بالغة الأهمية باتجاه التغلب على الخلافات التي عكرت صفو العلاقات بينهما، قائلا إن البلدين يمكن أن يتعاونا معا في الشرق الأوسط.
وأضاف المسؤول "ستُتخد أولا خطوات فيما يتعلق بالاقتصاد"، موضحا أن القضايا الأخرى "لم يتم الاتفاق عليها، لكن هناك رغبة (في معالجة) القسم الأكبر من هذه المشاكل".
ويقول مسؤولون أتراك ودبلوماسيون خليجيون إن كلا البلدين أصبحا يدركان أنهما يدفعان ثمنا اقتصاديا للتوترات الجيوسياسية بينهما، ويفاقم الوضع أعباء جائحة كوفيد-19.
ترحيل الخلافات السياسية
لكن الإحساس بهذا الثمن ظاهر بصورة أوضح عند أردوغان في تركيا، التي بلغت نسبة التضخم فيها 19 بالمئة وأدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة واضطرت البنوك الحكومية لبيع 128 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي في العام الماضي لدعم الليرة التي تراجعت قيمتها. وقال مسؤول تركي آخر طلب عدم نشر اسمه "تكلفة توتر العلاقات غير محتملة في المنطقة فيما يتعلق بتركيا والإمارات والسعودية".
وعلى النقيض من السعودية، التي تلتزم بنهج مقاطعة غير رسمية للصادرات التركية، تقول الإمارات إنها لاتزال أكبر شريك تجاري لأنقرة في المنطقة. وضخت صناديق الثروة السيادية لأبوظبي استثمارات ضخمة في الآونة الأخيرة في شركات تركية.
وعلى صعيد السياسة سيكون التغلب على الخلافات أشد صعوبة، نظرا لإصرار مصر وحلفائها الخليجيين على سحب أنقرة لقواتها وللمقاتلين السوريين الذين تدعمهم من ليبيا، وهو مطلب يصفه الدبلوماسيون بأنه ذو أهمية قصوى بالنسبة للقاهرة وحلفائها.
إلا أنه، بعد مرور عقد كامل على "الربيع العربي"، انتهت معظم الثورات وخارت قوى جماعة الإخوان المسلمين، مما يترتب عليه بطبيعة الحال تخفيف اثنين من مصادر التوتر الرئيسية بين أبوظبي وأردوغان، الذي قدم دعما قويا لرموز الإخوان المسلمين ، فيما يناصب حكام الإمارات العداء لهذا الجماعة ويرون تهديدا سياسيا وأمنيا.
وقال غالب دالاي، وهو زميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين، "لم يعد هذا الملف في نفس المكان على سلم الأولويات بالنسبة للسعودية والإمارات". وأضاف "الرغبة في التهدئة موجودة لدى الجانبين وسنرى ما يحدث".
ع.ج.م/أ.ح (رويترز)
العلاقة المصرية التركية ـ تجاذبات بين الدفء والقطيعة
عقب سنوات من تأزم العلاقت بين القاهرة وأنقرة أعلنت تركيا عودة الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين "دون شروط". عبر التاريخ الحديت تراوحت العلاقات بين البلدين بالتجاذبات بين الدفء والقطيعة. نقدم أبرز هذه المحطات في صور.
عودة الاتصالات الدبلوماسية
أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو (الجمعة 12 كارس/ آذار)، بدء الاتصالات الدبلوماسية بين بلاده ومصر من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، وعدم طرح البلدين أي شروط مسبقة من أجل ذلك. وأضاف:" لا يوجد أي شرط مسبق سواء من قبل المصريين أو من قبلنا حاليا، لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة".
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/F. Aktas
تجاذبات سياسية وتوترات
العلاقات بين تركيا ومصر شهدت تجاذبات سياسية كبيرة منذ زمن، امتازت بين الدفء وبين الفتور والقطيعة، خاصة بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة وانتقاد أردوغان المتكرر له. بيد أن أحدث الإشارات التصالحية كانت على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في (السادس من أذار/ مارس 2021)، الذي ثمن احترام مصر للجرف القاري التركي مؤكدا أن تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة.
التنقيب على الغاز في البحر المتوسط
سمم تنقيب تركيا عن الغاز في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص العلاقات بين هذه الأطراف، إذ عكست التحركات التركية في البحر المتوسط قلق وغضب أنقرة المتصاعدين من الشعور باستبعادها من تقاسم حقول الغاز في شرق المتوسط، وعمليات التنقيب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Albatross Aerial Photgraphy
تعزيز العلاقات المصرية اليونانية
وفي أغسطس/آب 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم حدودهما البحرية، لكنها حذفت منطقة مثيرة للجدل إلى الجنوب من جزيرة كاستيلوريزو، وهي أبعد موقع يوناني تقول تركيا إنه يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة بحسب ما أفادت وكالة بلومبرغ للأنباء. وعقدت قبرص واليونان ومصر وإسرائيل والأردن وإيطاليا والسلطة الفلسطينية „منتدى غاز شرق المتوسط" دون دعوة تركيا.
صورة من: Costas Baltas/Pool via AP/picture alliance
ليبيا ساحة للصراع بين تركيا ومصر
كانت ليبيا، التي تملك أكبر احتياطي من النفط في أفريقيا، ساحة للصراع التركي المصري. فليبيا التي عاشت انقساما بين سلطتين: حكومة الوفاق الوطني ومقرّها طرابلس، والمشير خليفة حفتر ومقره طبرق، شهدت صراعات عسكرية على الأرض بين الفرقاء دعمتها تركيا ومصر بالإضافة لروسيا والإمارات.
صورة من: picture-alliance/AA/H. Turkia
تحذير من تدخل عسكري مصري مباشر
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد حذّر في(20 حزيران/ يونيو) 2020 من أنّ تقدّم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي تسيطر على طرابلس والمدعومة من تركيا، نحو الشرق سيدفع بلاده إلى التدخّل العسكري المباشر في ليبيا، الأمر الذي اعتبرته تركيا "مغامرة عسكرية خطيرة".
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
أردوغان يرفع اشارة "رابعة"
شهدت العلاقات بين أنقرة والقاهرة توترا كبيرا بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في عام 2013، الأمر الذي واجهته القيادة السياسية التركية بنقد لاذع للغاية. فعقب عزل مرسي، تعمد أردوغان وصف ما حدث بـ"الانقلاب العسكري"، ووجه انتقادات لمن يسانده. كما أن وقوف تركيا لجانب قطر في الخلاف الخليجي ووقوف مصر مع السعودية ساهم في زيادة القطيعة.
صورة من: Stringer/AFP/Getty Images
أردوغان ومرسي ـ علاقات طيبة
وصلت العلاقة الدبلوماسية أوجها مع فوز الرئيس السابق محمد مرسي، في الانتخابات الرئاسية منتصف 2012، حيث شهد البلدان زيارات متبادلة بين مرسي وأردوغان.
صورة من: Reuters
فترة تميزت بالهدوء والاستقرار في العلاقات
تميزت العلاقات بين أنقرة والقاهرة بالهدوء في عصر السادات، وتوطدت خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي زار تركيا عدة مرات والتقى بالرئيس التركي آنذاك سليمان دميرل أكثر من مرة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/B. Foley
توتر في عهد عبد الناصر
في عهد عبد الناصر شهدت العلاقات التركية المصرية توترات كبيرة حيث طرد الرئيس المصري السفير التركي عام 1954، كما أن دعم عبد الناصر لليونان في أزمة جزيرة قبرص وترحيب أنقرة بانفصال سوريا عن مصر عام 1961، ساهم في تغذية التوتر. (إعداد: علاء جمعة).