تفتح زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن الباب أمام موجة استثمارات ضخمة تمتد من النفط والغاز إلى الذكاء الاصطناعي والرقائق والمعادن النادرة، وسط تفاوت بين الطموحات المعلنة والتحديات المالية والواقعية.
تعهد محمد بن سلمان بزيادة استثمارات بلاده في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، فهل هو قادر على تحقيق ذلك؟صورة من: Alex Brandon/AP Photo/dpa/picture alliance
إعلان
احتفى مسؤولون سعوديون وأمريكيون بتدشين استثمارات جديدة بمليارات الدولارات، بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن ولقاءاته مع كبار مسؤولي الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب.
وتعهد ولي العهد السعودي، وهو يجلس إلى جوار ترامب في مستهل زيارته، بزيادة استثمارات بلاده في الولايات المتحدة إلى تريليون دولار، مقارنة بـ 600 مليار دولار كان قد تعهد بها خلال زيارة ترامب للسعودية في مايو/أيار الماضي.
أعلنت أرامكو توقيع صفقات أولية مع شركات أمريكية بقيمة تجاوزت 30 مليار دولار.صورة من: John Moore/picture alliance/AP Photo
النفط
قال عملاق النفط السعودي "أرامكو" إنه وقعت 17 صفقة مبدئية مع شركات أمريكية، بقيمة إجمالية محتملة تتجاوز 30 مليار دولار.
وأوضحت أرامكو أن مذكرات التفاهم والاتفاقيات تشمل مذكرة تفاهم مع "ميد أوشن إنرجي" بشأن استثمار محتمل في مشروع "ليك تشارلز" للغاز الطبيعي المسال، إلى جانب صفقة مع "كومنولث" للغاز الطبيعي المسال تتعلق بمشروع تسييل الغاز في ولاية لويزيانا.
وتأتي هذه الاتفاقيات في إطار مساعي أرامكو لتصبح من اللاعبين الرئيسيين في مجال الغاز الطبيعي المسال، لا سيما في الولايات المتحدة.
الذكاء الاصطناعي
قالت شركتا "أدوبي" و"كوالكوم" إنهما تتعاونان مع شركة "هيوماين" للذكاء الاصطناعي، المدعومة من صندوق الثروة السيادية السعودي، لتطوير أدوات لتوليد المحتوى باللغة العربية في الشرق الأوسط.
وتعد هذه الصفقة واحدة من عدة صفقات أُبرمت خلال منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي، المقام بالتزامن مع زيارة ولي العهد إلى واشنطن.
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أنها سمحت بتصدير أشباه موصلات أمريكية متقدمة إلى شركتين في السعودية و الإمارات، هما "جي42" الإماراتية و"هيوماين" السعودية.
وذكرت الوزارة أن الشركتين حصلتا على موافقات لشراء ما يصل إلى 35 ألف شريحة "بلاكويل" من إنتاج "إنفيديا"، بقيمة تقديرية تبلغ نحو مليار دولار، مع إمكانية تفاوت الأسعار.
وتخطط "هيوماين" بالتعاون مع شركة "إكس.إيه.آي" التابعة لإيلون ماسك لتطوير مراكز بيانات مشتركة في السعودية، بما في ذلك منشأة بقدرة 500 ميغاوات.
أعلنت شركة "إم.بي ماتيريالز" اعتزامها إنشاء مصفاة لمعالجة المعادن الأرضية النادرة بالسعودية.صورة من: IMAGO/Wirestock
المعادن النادرة
وأعلنت شركة "إم.بي ماتيريالز" أنها ستؤسس شركة مشتركة لتكرير المعادن النادرة في السعودية، بالتعاون مع وزارة الدفاع الأمريكية وشركة التعدين العربية السعودية (معادن) المملوكة للدولة.
وبموجب الصفقة، ستملك "إم.بي" ووزارة الدفاع الأمريكية، من خلال الشركة المشتركة، حصة تعادل 49%، فيما ستملك "معادن" ما لا يقل عن 51 بالمئة.
وأوضحت الشركة أن هذه المبادرة تأتي استكمالا لصفقة بمليارات الدولارات أبرمتها مع الحكومة الأمريكية في يوليو/تموز الماضي، لتعزيز إنتاج مغناطيسات المعادن الأرضية النادرة، والمساعدة في تقليل اعتماد العالم على الصينفي المواد المستخدمة لتصنيع الأسلحة والمركبات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية.
إعلان
عمالقة الصناعة الأمريكية
وبعد يوم واحد من الاستقبال الحافل الذي حظي به ولي العهد السعودي في البيت الأبيض، التقى الأمير محمد بن سلمان العديد من كبار المديرين التنفيذيين في الشركات الأمريكية.
وشارك في منتدى الاستثمار الأمريكي السعودي، الذي حضره ترامب ومحمد بن سلمان، رؤساء تنفيذيون من شركات مثل شيفرون، كوالكوم، سيسكو، جنرال دايناميكس، فايزر، إضافة إلى مسؤولين كبار من آي.بي.إم، ألفابت، غوغل، سيلزفورس، أندريسن هورويتز، بوينج، هاليبرتون، أدوبي، أرامكو، ستيت ستريت، وبارسونز كورب.
وفي تقرير لها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن "رسمت مشهدا مألوفا مفاده: زعيم دولة غنية بالنفط يتقرب من الرئيس ترامب وأقطاب الصناعة الأمريكية".
ترامب نفسه
وأشارت رويترز إلى أن ترامب ربما يستفيد شخصيا من توثيق العلاقات التجارية مع السعودية؛ إذ أبرم هو وعدد من المقربين منه صفقات تجارية مع شركاء سعوديين في قطاع العقارات، إضافة إلى استثمارات أخرى.
لكن ترامب سعى إلى النأي بنفسه عن أي تلميح إلى وجود تضارب في المصالح، وقال للصحفيين: "لا علاقة لي بأعمال العائلة... في الواقع، لم يفعلوا شيئا يُذكر مع السعودية".
وعشية لقاء ترامب ومحمد بن سلمان، أعلنت شركة "دار غلوبال" السعودية للتطوير العقاري شراكة جديدة مع مؤسسة ترامب في جزر المالديف.
وترتبط "دار غلوبال" وإمبراطورية ترامب العقارية بشراكات في عدد من المشاريع في سلطنة عُمان والإمارات والسعودية. وفي سبتمبر/أيلول، أعلن الطرفان مشروع تشييد برج بقيمة مليار دولار في مدينة جدةالساحلية غرب المملكة.
ليس بالسهل
ورغم صخب الاستثمارات، ذكرت وكالة "رويترز" أنه سيكون من الصعب على السعودية ضخ استثمارات بقيمة تريليون دولار في الولايات المتحدة، نظرا لإنفاقها الضخم على سلسلة من المشاريع الطموحة في الداخل، بما في ذلك المدن المستقبلية التي تجاوزت الميزانية وتواجه تأخيرات، إضافة إلى الملاعب المقرر أن تستضيف بطولة كأس العالم 2034.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن مصادر في الرياض وول ستريت أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يعاني من نقص السيولة المخصصة لاستثمارات جديدة.
وتعتمد السعودية على الصندوق في الوفاء بالتزاماتها الاستثمارية، مثل تلك التي أعلن عنها المسؤولون السعوديون خلال زيارة محمد بن سلمان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم امتلاك السعودية ثروة نفطية ضخمة، فإن قدرتها على الضخ أصبحت مقيدة بسبب الاتفاقيات الجيوسياسية التي تهدف إلى تقليص المعروض، إضافة إلى انخفاض أسعار النفطبشكل عام.
تحرير: عادل الشروعات
الرياض وواشنطن.. عقود من النفط والسلاح والمال مقابل الحماية
قامت العلاقات السعودية الأمريكية منذ تأسيس المملكة على مبدأ المصالح المتبادلة، بيد أن النفط والمال السعوديين كانا محركين أساسيين لهذه العلاقة ومقابل ذلك اعتمدت المملكة على حماية أمريكا، لكن العلاقات شهدت بعض التوترات.
صورة من: picture-alliance/Everett Collection
1931: اعتراف أمريكي بدولة وليدة
الولايات المتحدة تعترف بمملكة الحجاز ونجد، التي أعيد تسميتها إلى المملكة العربية السعودية في العام التالي. وبعد عامين منحت المملكة امتياز التنقيب عن النفط لشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. وحقق فرعها السعودي، الذي أعيد تسميته فيما بعد إلى أرامكو، أول اكتشاف تجاري في عام 1938. ولم تستكمل السعودية شراء 100 بالمئة من أسهم الشركة إلا في 1980.
صورة من: picture alliance/dpa/CPA Media Co. Ltd
1945: لقاء في قناة السويس
الرئيس الأمريكي فرانكلين دي. روزفلت يلتقي مع الملك عبد العزيز على متن السفينة يو.إس.إس كوينسي في قناة السويس، مما مهد الطريق أمام علاقات وثيقة على مدى عقود من الزمن.
صورة من: picture alliance/akg-images
1950 – 1951: من النفط إلى السلاح
أعادت السعودية التفاوض بشأن امتياز أرامكو لتحصل على مزيد من الإيرادات. وبعد عام من ذلك وقعت المملكة مع الولايات المتحدة اتفاقية دفاع متبادل، مما فتح الطريق أمام مبيعات هائلة من الأسلحة الأمريكية.
صورة من: picture alliance/dpa/TASS
1973: حظر نفطي
انضمت السعودية إلى حظر نفطي عربي على الولايات المتحدة ودول أخرى بسبب دعمها لإسرائيل في حرب 1973 مع مصر وسوريا، مما أدى إلى تضاعف أسعار النفط إلى أربع مرات تقريباً. رفع الحظر في 1974.
صورة من: Pierre Manevy/Express/Hulton Archive/Getty Images
1979: تمويل "المجاهدين" الأفغان
بالتعاون مع الولايات المتحدة وباكستان، ساعدت المملكة السعودية في تمويل المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي. وقام العديد من السعوديين، ومن بينهم أسامة بن لادن السعودي المولد، بتمويل المقاتلين الأفغان والانضمام إليهم.
صورة من: AFP/Getty Images
1990: غزو الكويت
بعد أن قام نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بغزو الكويت، استخدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة السعودية نقطة انطلاق لطرد القوات العراقية من الكويت. وشاركت القوات السعوية في العملية. وبعد ذلك غادرت معظم القوات الأمريكية المملكة، لكن الآلاف بقوا هناك.
صورة من: picture-alliance/dpa
1996: تفجير الخبر
أدى انفجار شاحنة مفخخة في مجمع عسكري أمريكي في الخبر إلى مقتل 19 جندياً أمريكياً. أعلن زعيم تنظيم القاعدة إسامة بن لادن "الجهاد" ضد الأمريكيين واصفاً القوات الأمريكية هناك بقوات احتلال.
صورة من: picture-alliance/AFP/EPA
2001: هجمات سبتمبر الإرهابية
قتل نحو ثلاثة آلاف في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول التي نفذها خاطفو طائرات من تنظيم القاعدة. ومن بين 19 خاطفاً، كان هناك 15 سعودياً. ونفت السعودية أي صلة أو معرفة بالهجمات. لم تجد لجنة حكومية أمريكية في 2004 أي دليل على أن السعودية مولت القاعدة بشكل مباشر. وتُرك الأمر مفتوحاً بشأن ما إذا كان مسؤولون سعوديون قد فعلوا ذلك بصورة فردية أم لا.
صورة من: picture alliance/dpa/NIST
2003: غزو العراق
لم تشارك السعودية في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق. وسحبت الولايات المتحدة جميع القوات القتالية المتبقية من المملكة. في هذا العام قتل ثلاثة مفجرين انتحاريين 35 شخصاً على الأقل، بينهم تسعة أمريكيين، في الرياض، وذلك في إطار هجمات ضد أجانب ومنشآت حكومية سعودية.
صورة من: picture-alliance/dpa
2011: الربيع العربي
هزت الاضطرابات العالم العربي بسبب الانتفاضات والاحتجاجات التي سُميت بـ "الربيع العربي". وسرعان ما أبدت السعودية قلقها مما تعتبره تخلي الرئيس باراك أوباما عن الرئيس المصري حسني مبارك حليف الولايات المتحدة.
صورة من: AFP/Getty Images
2013: قلق وشكوى
في حدث نادر أعلن أفراد العائلة المالكة للسعودية عن تذمرهم علناً من سياسات الحليف الأمريكي بعد أن حاولت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تغيير نهجه بلاده إزاء إيران وعدم تدخلها بقوة في الملف السوري الملتهب بخلاف تدخلها في إسقاط النظام بليبيا.
صورة من: Reuters/Jim Bourg
2015: الملف النووي الإيراني
بعد أن توصلت القوى العالمية الكبرى إلى اتفاق مع إيران لتخفيف العقوبات على طهران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، أعلنت الرياض عن خشيتها أن يقوي هذا الاتفاق الغريم الإيراني. وفي هذا العام شنت المملكة حملة عسكرية على الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن بعد أن أبلغت واشنطن قبلها بساعات قليلة فقط. لكن الولايات المتحدة قدمت الدعم العسكري المطلوب.
صورة من: Reuters/C. Barria
2016: فيتو الكونغرس
ألغى الكونغرس حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه أوباما ضد قانون يرفع الحصانة السيادية ويفتح الطريق أمام أقارب ضحايا 11 سبتمبر/ أيلول لمقاضاة السعودية بشأن الهجمات الإرهابية التي أوقعت الآلاف من القتلى والجرحى.
صورة من: picture-alliance/ dpa
2018: انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي
أبدت السعودية ترحيبها بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، أدانت الولايات المتحدة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.
صورة من: picture-alliance/Xinhua/T. Shen
2019: دور محمد بن سلمان
قام مشرعون أمريكيون، مستشهدين بأدلة على دور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قضية خاشقجي ومدفوعين بالغضب من الخسائر بين المدنيين في الغارات الجوية السعودية باليمن، بزيادة جهود منع بيع الأسلحة إلى الرياض. وقالت الرياض إن قتل خاشقجي ارتكبته مجموعة خالفت صلاحيات الأجهزة وتنفي أن يكون للأمير محمد بن سلمان أي دور.
صورة من: Getty Images/W. McNamee
2020: دعم لاتفاقيات إبراهيم
أعلنت السعودية دعمها لاتفاقيات إبراهيم التي أقام بموجبها حلفاؤها الإمارات والبحرين علاقات مع إسرائيل. ولم تصل الرياض إلى حد الاعتراف بإسرائيل نفسها.
صورة من: Alex Wong/Getty Images
2021: سجل حقوق الإنسان
تبنى الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفا أكثر تشددا تجاه سجل السعودية في حقوق الإنسان. وتعهد بايدن أثناء حملته الرئاسية بجعل الرياض "منبوذة" بسبب مقتل خاشقجي. كما أعلن بايدن وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة.
صورة من: Yasin Ozturk/AA/picture alliance
2022: "قيادة شجاعة"
في يونيو/ حزيران الماضي، قال بايدن إن المملكة أظهرت "قيادة شجاعة" من خلال مساندة تمديد الهدنة المدعومة من الأمم المتحدة في اليمن. ومع ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، رحب البيت الأبيض بقرار دول أوبك+ زيادة الإمدادات النفطية.