تزايد محاولات الانتحار بين الشباب والمراهقين العرب والألمان
١٢ فبراير ٢٠١٠تزداد ظاهرة الانتحار في ألمانيا بشكل ملحوظ وخاصة بين الأطفال والشباب، وتشير إحصائيات الجمعية الألمانية لمكافحة الانتحار دي.جي.اس إلى أن هناك شخصاً يحاول الانتحار في ألمانيا كل 47 دقيقة، كما أوضحت الجمعية في نهاية عام 2009 أن هناك 10 آلاف شخص يلقون حتفهم سنوياً بعد محاولة انتحار ناجحة.
وفي مدينة كولونيا وحدها يتم يوميا استقبال ثلاث حالات لأطفال أو شباب أقدموا على محاولة الانتحار. ويعتقد البروفسور بيتر ميلشرز، الذي شارك مؤخراً في مؤتمر متخصص في كولونيا حول الدراسات النفسية للأطفال والشباب، أن "العدد الحقيقي لمحاولات الانتحار قد يكون أعلى بكثير من ذلك". وقد ازدادت هذه الظاهرة انتشارا في ألمانيا خلال العقدين الأخيرين بشكل مقلق، فقبل عشرين عاماً، كان عدد محاولات الانتحار بين الأطفال والشباب يتأرجح في مستشفيات هذه المدينة بين ثلاث إلى أربع حالات في الشهر فقط، بينما تسجل الأرقام حالياً خمسين إلى ستين حالة خلال الفترة نفسها.
ويقدر عدد محاولات الانتحار في ألمانيا سنويا بحوالي "مائة ألف حالة وربما أكثر" كما يعتقد البروفيسور إلمار إتسردورفر، رئيس الجمعية الألمانية للوقاية من مخاطر الانتحار، وكما سجلت الجمعية الألمانية لمكافحة الانتحار في سجلاتها لعام 2009.
آلام نفسية لا تلقى العلاج!
ويعزو خبراء علم النفس الألمان سبب إقدام الأطفال والشباب على الانتحار إلى الآلام النفسية التي تتمكن منهم بسبب تعرضهم لضغوط يصعب عليهم التعامل معها نفسيا. فبعض الأطفال يفتقدون مثلا إلى من يتحدث معهم ويواسيهم أو يرعاهم في حالة إصابتهم بالاكتئاب أو بعد التعرض للتحرش أو الاستغلال الجنسي وغير ذلك.
ويشير الخبير النفسي البروفسور كريستوف فيفيتسر إلى عدد من الضغوط التي تلقي بظلالها السلبية على نفسية الأطفال والشباب مثل تجربة الإخفاقات اليومية في المدرسة والعلاقات الأسرية المتفككة أو البحث عن الذات في عالم يتسم بمظاهر الماديات والاستهلاك والنجومية.
ويلاحظ البروفيسور ميلشرز: "ارتفاع عدد الذين يقدمون على الانتحار في أوساط الفتيات التركيات"، وهو يعزو ذلك إلى مشاعر التناقض التي تسيطر عليهن بسبب وجودهن في مجتمع ألماني متفتح، في حين يتعرضن من جهة أخرى إلى ضغوط من طرف الوالدين أو الإخوة.
ارتفاع نسبة الانتحار في العالم العربي أيضاًَ
وهذا التطور المقلق انتقل إلى المحيط العربي أيضاً كما يقول الدكتور أحمد عبد الله، أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق. فرغم غياب البيانات الدقيقة أو الدراسات العلمية عن محاولات الانتحار في البلدان العربية "يمكن ملاحظة ارتفاع عدد حوادث الانتحار المسجلة في الجرائد اليومية أو الأسبوعية"، على حد قول عبد الله.
ويعتقد عبد الله أن أسباب السعي إلى الانتحار بين الأطفال والشباب تختلف في العالم العربي عنها في ثقافات أخرى مثل ألمانيا. فهو يرجع الأسباب الرئيسية للإقدام على الانتحار بين الشباب العرض إلى الظروف المادية الصعبة في كثير من الأحيان والشعور بالفشل وبعدم تحقيق الذات وغيرها من الظروف العاطفية مثل عدم اكتمال قصة حب أو عدم السيطرة على المشاعر. ويضيف الخبير المصري في الدراسات النفسية أن عددا كبيرا من المنتحرين من بين المراهقين والشباب العرب كانوا في "ظروف مادية صعبة أو في ظروف عاطفية أليمة". هذا إضافة إلى وجود أوضاع أخرى مثل تفكك الأسرة أو إحساس الطفل بالإهمال أو الخوف من عقاب الوالدين بسبب الحصول على علامات مدرسية متدنية.
الوقاية خير من العلاج والرعاية أفضل
و يجب التفريق بين الأرقام التي تتحدث عن الانتحار الفعلي أي عندما يقوم الطفل أو المراهق بقتل نفسه، وهي الأرقام التي يمكن رصدها، وبين حالات محاولات الانتحار التي لا تنجح وعدد هؤلاء هو أعلى بكثير، لكنه غير معروف، وعادة ما يسكت عنه. كما يعتبر الخبراء هذه المحاولات صيحات تهديدية أو تحذيرية للأطفال والشباب وقد تكون آخر صيحة لطلب النجدة من الأسرة والمحيط الاجتماعي.
المقدم على الانتحار ينعزل بداية و يتوقف عن الحديث مع محيطه فلا يبوح بما في داخله حتى إلى أقرب الناس إليه. وهنا يجب على الأقارب أن يلعبوا دورهم الاجتماعي المهم والعمل على استقراء ما يروج من صور وكوابيس لدى المعرض إلى خطر الانتحار وبالتالي إلى مساعدته قبل فوات الأوان.
الكاتب: عبد الحي العلمي
مراجعة: سمر كرم