تشويه سمعة اللاجئين - سلاح معارضي اللجوء في أوروبا
١٨ سبتمبر ٢٠١٥بعد أن أحدثت مظاهراتهم جلبة وضوضاء أمام عدد من مراكز إيواء اللاجئين في ألمانيا وغيرها من الدول، وبعد أن أدت الهجمات بالزجاجات الحارقة على تلك المراكز إلى زيادة التعاطف مع اللاجئين، يبدو أن قريحة المنتمين إلى التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا تفتقت عن طريقة جديدة لمجابهة ما يسمونه بـ"خطر أسلمة أوروبا"، في ظل التدفق المستمر لعشرات الآلاف من اللاجئين، خاصة من سوريا.
وتتمثل الطريقة الجديدة في تشويه سمعة عدد من هؤلاء اللاجئين، لاسيما من تم تسليط الضوء عليهم إعلامياً بسبب قصصهم المؤثرة أو بسبب حادث معين تعرضوا له أثناء رحلة اللجوء، مثل المواطن السوري أسامة عبد المحسن الغضب، الذي اشتهر بعد أن تعرض لعرقلة على يد مصورة صحفية مجرية أثناء فراره من الشرطة، أدت إلى سقوطه وابنه بين ذراعيه.
اشتهار قصة أسامة وابنه، وحيازتها على على صدى إعلامي كبير لاسيما بعد الكشف عن أنه كان مدرباً رياضياً معروفاً لكرة القدم في سوريا قبل الحرب، جعل قصة لجوئه أكثر دراماتيكية وعنواناً لمأساة لجوء العقول قبل لجوء البشر في سوريا.
لكن مؤخراً، انتشرت صورة في مواقع التواصل الاجتماعي تصور مقطعاً من حساب أسامة عبد المحسن الغضب على موقع "فيسبوك"، ويظهر في صورة الرئيسية للحساب العلم الأسود المميز لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة المنتمية إليه، التي تقاتل في سوريا.
الصورة، التي نشرتها لأول مرة صفحة تحمل عنوان "الجبهة البرازيلية للتضامن مع سوريا" على "فيسبوك"، والتي يبدو من منشوراتها وصورها أنها تساند النظام السوري، تبين فيما بعد أنها مزورة، وأن حساب المدرب الرياضي السوري اللاجئ يحمل علم الثورة السورية، وليس علم القاعدة.
صور أخرى استخدمتها مجموعات متطرفة، مثل "رابطة الدفاع الإنجليزية"، وهي منظمة يمينية بريطانية معادية للأجانب وللإسلام، تصور رجالاً مفتولي العضلات ورياضيين يرتدون ملابس لا تبدو بالية أو فقيرة، وتقول الرابطة إنهم لاجئون سوريون في طريقهم إلى بريطانيا أو ألمانيا:
ولكن بعد البحث عن هذه الصورة في محرك البحث "غوغل" الخاص بالصور، تبين أن الصورة بالفعل لمهاجرين غير شرعيين، ولكنهم في جزيرة عيد الميلاد التابعة لأستراليا، ولم يتم تحديد جنسياتهم، بحسب التقرير المرفق بالصور.
إلى ذلك، يسوق الكثير من مستخدمي موقع "تويتر" من المعارضين لفكرة استقبال اللاجئين أدلة على أن السواد الأعظم من اللاجئين هم من الذكور، مستغربين غياب النساء والأطفال:
ولكن أحدث إحصائية مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين تشير إلى أن نسبة النساء والأطفال بين اللاجئين الذين يعبرون البحر المتوسط باتجاه أوروبا تقدر بنحو 28 في المائة من إجمالي عدد اللاجئين.
وحول تأثير هذه الصور على الرأي العام، يرى الصحفي المطلع على قضايا الشبكات الاجتماعية، سليمان عبد الله، أن تلك الصور لها "أثر ملموس على المواطنين الأوروبيين المتخوفين من قدوم هذا العدد الكبير من اللاجئين أو المهاجرين إلى بلادهم، ذلك أنها تعزز التصورات والافتراضات الخاطئة لديهم".
ويعتبر عبد الله أن "المشكلة الأساسية فيما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي هي انتشار الصور أو مقاطع الفيديو دون ذكر مصدرها أو تاريخ ومكان التقاطها وانتشارها بشكل كبير في وقت قياسي، ما يجعل أثرها السلبي كبيراً جداً وفرصة تفنيدها أقل".
وبالفعل، فإن الصور هذه انتشرت كالنار في الهشيم، مع وصول أعداد من يتشاطرون هذه الصور والتعليقات إلى الآلاف، وصولاً إلى استخدامها من قبل بعض الساسة المحسوبين على التيارات اليمينية في أوروبا.
وبالإضافة إلى التوصيفات المحرّفة والصور المفبركة، انتشرت صور أخرى تلمح إلى كون بعض اللاجئين في الحقيقة مقاتلين ينتمون إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) يحاولون التسلل إلى أوروبا لتنفيذ هجمات فيها، في إشارة إلى "نظرية مؤامرة" تتداولها مواقع الحركات والتيارات المعادية للمهاجرين، مثل هذه الصورة:
لكن هذه الصورة، التي حظيت بـ"إعجاب" نحو 8600 مستخدم على "فيسبوك" وتمت مشاركتها أكثر من 89 ألف مرة، تبيّن أنها ليست لمقاتل في "داعش"، بل لقيادي في الجيش السوري الحر المعارض يدعى ليث الصالح، والذي كانت وكالة "أسوشيتدبرس" قد نشرت تقريراً عنه قبل عدة سنوات. آنذاك كان الصالح مقاتلاً في حلب، وكان يقود المعارك على عدة جبهات – ضد النظام السوري وضد جبهة النصرة وضد تنظيم "داعش".
وبالرغم من جهود وسائل الإعلام لكشف الحقيقة وراء تلك الصور، إلا أن الصحفي سليمان عبد الله يقول إن هذه تبقى "من الوسائل الفعالة التي يستخدمها الطرف المناهض للاجئين، إذ يعد أثر الصور دائماً أكبر من أثر التعليقات على سبيل المثال، إذ تتم مشاركتها بشكل أكبر وترسخ صورة سلبية في ذهن المتلقي".
وحتى لو تغير المناخ السياسي والمجتمعي في بعض الدول الأوروبية بفعل هذه الصور أو مقاطع الفيديو، فإن سيل اللاجئين لن ينقطع عن قريب، بحسب ما تتوقع المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق اللاجئين ومنظمات الأمم المتحدة. ولذلك، يرى مراقبون أن التيارات والأحزاب السياسية المناهضة لهذه الظاهرة ستتحول تدريجياً إلى الحشد الشعبي والإعلامي من أجل الضغط على الحكومات باتجاه تشديد قوانين اللجوء وتقنين استقبال اللاجئين، مثلما صدر عن وزير الداخلية الألماني مؤخراً فيما يتعلق بتشديد قوانين منح حق اللجوء في ألمانيا وتسهيل إجراءات ترحيل من تُرفض طلبات لجوئهم.