تصاعد القمع في تركيا: اعتقالات جديدة وقيود على الإعلام
٢٧ مارس ٢٠٢٥
تتصاعد التوترات في تركيا مع استمرار الاحتجاجات ضد توقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حيث واجهت السلطات المتظاهرين بالقوة وفرضت قيوداً على الإعلام، ما رفع حدة الانتقادات الدولية وآخرها من الرئيس إيمانويل ماكرون .
تركيا: احتجاجات واسعة بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلوصورة من: Tunahan Turhan/SOPA Images/ZUMA Press/dpa/picture alliance
إعلان
ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الخميس (27 مارس/آذار 2025) بـما وصفها بـ"اعتداءات" على أسس الديموقراطية في تركيا وهي "موضع استنكار". وقال ماكرون في ختام قمّة في باريس جمعت الدول الداعمة لأوكرانيا إن "الطابع المنهجي للملاحقات ضدّ شخصيات المعارضة والمجتمع المدني وانتهاكات حرّية الحصول على معلومات والتجمّع وتوقيف رئيس بلدية إسطنبول واحتجازه، كلّها عوامل تشكّل على نحو واضح جدّا انتهاكات واعتداءات هي موضع استنكار".
إعلان
ملاحقات بحق الإعلام
وكانت هيئة تنظيم ومراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني في تركيا أعلنت اليوم الخميس فرض حظر على بث قناة سوزجو التلفزيونية المعارضة لعشرة أيام، لاتهامها بـ"التحريض على الكراهية والعداء" في تغطيتها للاحتجاجات الحاشدة. وأكدت الهيئة في بيان أنه "تم تعليق بث القناة لعشرة أيام"، مضيفة أنه في حال ثبوت إدانة القناة بارتكاب "انتهاك" آخر بعد انتهاء الحظر، فسيتم سحب ترخيصها. كما أشارت إلى فرض غرامات وتعليق برامج على ثلاث محطات تلفزيونية أخرى تنتقد السلطة.
يأتي القرار في وقت أعلنت فيه هيئة بي بي سي أن تركيا رحّلت صحافياً من فريقها كان يغطي الاحتجاجات بعد أن قالت إنه يشكل "تهديداً للنظام العام". واقتيد مراسل بي بي سي نيوز مارك لوين من فندقه في إسطنبول الأربعاء، في إجراء اعتبرته الرئيسة التنفيذية لبي بي سي نيوز ديبورا تورنيس "حادثاً مقلقاً جداً".
السلطات التركية تحتجز عددا من الصحفيين وتتهم بالتحريض، في الصورة الصحفي إرجومنت أكدنيز في المحكمة صورة من: Canan Coşkun/DW
تجدد القمع
وبينما دعت المعارضة التركية اليوم إلى تصعيد الاحتجاجات في كافة أنحاء البلاد، استخدمت الشرطة التركية رذاذ الفلفل وحبيبات الرصاص البلاستيكية (الخرز) وخراطيم المياه ضد المتظاهرين في العاصمة أنقرة صباح اليوم، مما قد يؤدي إلى تأجيج التوترات مجدداً بعد يومين من الهدوء النسبي في أكبر احتجاجات مناهضة للحكومة تشهدها البلاد منذ أكثر من عقد.
وحاول طلاب متظاهرون في وقت مبكر من صباح اليوم، تنظيم مسيرة واحتشدوا لقراءة بيان بالقرب من بوابات جامعة الشرق الأوسط التقنية، بحسب ما أفادت به قناة "هالك" التلفزيونية المعارضة ووسائل إعلام محلية. ووقعت مواجهة بين الطلاب الذين اختبأوا خلف حاجز من حاويات القمامة، حتى وصلت الشرطة لاعتقالهم.
وشوهد مليح ميريتش، النائب عن حزب الشعب الجمهوري بزعامة إمام أوغلو، مبللاً بالماء وهو يعاني بسبب تعرضه لرذاذ الفلفل. وقال ميريتش في مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي: "كل ما كان يرغب فيه أصدقائي الطلبة هو الإدلاء ببيان صحفي، لكن الشرطة حالت دون ذلك بشدة، وهذه هي النتيجة".
هل ينقلب أردوغان على الديمقراطية؟
26:08
This browser does not support the video element.
استمرار الاعتقالات
وتشهد تركيا أكبر احتجاجات منذ أكثر من عقد اندلعت في 19 آذار/مارس إثر توقيف رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو بتهم الفساد. وفي الاحتجاجات التي تلت توقيفه وامتدت في أنحاء البلاد، أوقف نحو 1900 شخص، من بينهم 11 صحافياً بمن فيهم مصور وكالة فرانس برس ياسين أكغول. وأُطلق سراح معظمهم.
وقالت الحكومة التركية اليوم الخميس إن السلطات ألقت القبض على 260 شخصا في المظاهرات الرافضة لحبس المعارض المنافس المحتمل على الرئاسة أكرم إمام أوغلو. وشهدت تركيا خلال الأسبوع الماضي أكبر موجة احتجاجات وأزمة سياسية منذ أكثر من عقد.
يذكر أنه قبل احتجازه في 19 مارس/آذار الجاري، تم تجريد إمام أوغلو من شهادته الجامعية، وهو ما يعد شرطاً للترشح للرئاسة التركية، وبعد ذلك تم احتجازه وعزله من منصبه كعمدة لإسطنبول.
وقال وزير العدل التركي يلماز تونج اليوم إن قرار إلقاء القبض على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو استند إلى بلاغات جنائية وليس مرتبطاً بتوقيت اختيار حزب الشعب الجمهوري المعارض لإمام أوغلو مرشحاً لانتخابات الرئاسة.
ي.ب / خ. س (أ ف ب، رويترز، د ب أ)
تركيا- الاتحاد الأوروبي.. كيف تحوّلت فكرة الانضمام إلى سراب؟
تاريخ من الشد والجذب بين تركيا والاتحاد الأوروبي. أنقرة وضعت الطلب مبكرا قبل إنشاء الاتحاد لكن كانت هناك ملفات شائكة عرقلت عملية الانضمام حتى بات الأمر مستحيلا تقريبا، على الأقل في فترة رجب طيب أردوغان.
صورة من: Getty Images/C. McGrath
أول اتفاقية مع الجماعة الأوروبية
وقعت تركيا وما كان يعرف بالجماعة الاقتصادية الأوروبية (تكونت حينها من ستة بلدان) اتفاقية اتحاد جمركي عام 1963. وكان من المفروض أن يكون الاتفاق بداية للانضمام الفعلي إلى الجماعة، خاصة مع توقيع بروتوكول إضافي عام 1970 وازدهار التبادل التجاري بين الطرفين، غير أن الحال بقي كما هو عليه، قبل تجميد عضوية تركيا بعد وقوع انقلاب عسكري فيها عام 1980.
صورة من: Alfred Hennig/dpa/picture alliance
جمهورية قبرص التركية تعمّق الخلاف
عادت تركيا لتطلب الانضمام مجددا عام 1987، لكن ظهر جليا وجود معارضة داخلية أوروبية قوية لهذا الانضمام، خاصة بعد انضمام اليونان إلى المجموعة عام 1981، ودخولها في صراع مع تركيا منذ اجتياح هذه الأخيرة لقبرص عام 1975 ثم إعلان أنقرة من جانب واحد قيام جمهورية شمال قبرص التركية عام 1983.
صورة من: Birol Bebek/AFP/Getty Images
الاتحاد يتأسس دون تركيا
تأسس الاتحاد الأوروبي فعليا عام 1992 دون تركيا. استمرت هذه الأخيرة في محاولاتها، واستطاعت إقناع الأوروبيين بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة معها عام 1995، غير أن تفكك الاتحاد السوفياتي ساهم سلبا في استمرار إبعاد تركيا نظرا لكثرة المرشحين الجدد، قبل أن يتم إعلان أن تركيا ولأول مرة مرشحة فعليا للانضمام، وذلك بعد قمة هلسنكي عام 1999.
صورة من: picture-alliance/dpa
عهد أردوغان
وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة في تركيا عام 2003 وكان متحمسا كثيرا للانضمام، غير أن عدة دول أوروبية كالنمسا وألمانيا وفرنسا كانت لها تحفظات كثيرة على عضوية تركيا. المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عارضت فكرة الانضمام واقترحت بدلا منها شراكة مميزة بسبب الخلافات مع تركيا حول حقوق الإنسان وقبرص وسياسة أنقرة الخارجية.
صورة من: imago/Depo Photos
شروط كوبنهاغن
وضع الأوروبيون شرط احترام بنود اتفاقية كوبنهاغن أمام تركيا للانضمام، ومن الشروط تنظيم انتخابات حرة واحترام حقوق الإنسان واحترام الأقليات. ولأجل ذلك أعلنت أنقرة عدة إصلاحات منها إلغاء عقوبة الإعدام. بدأت المفاوضات الفعلية للانضمام عام 2005 في مجموعة من المجالات، غير أن استمرار مشكلة قبرص عجل بوقف المفاوضات، إذ رفضت أنقرة الاعتراف بعضوية قبرص في الاتحاد.
صورة من: Getty Images/AFP/C. Turkel
دولة مسلمة وسط اتحاد مسيحي؟
تشير العديد من التقارير إلى أن الاختلاف الديني بين تركيا وبلدان الاتحاد الأوروبي يشكلّ سبباً غير معلن لرفض الانضمام، فدول الاتحاد هي بلدان مسيحية فيما تركيا هي بلد مسلم. أكثر من ذلك، قلّص أردوغان مظاهر العلمانية وأرجع الدين إلى الحياة العامة. هذا العامل يرتبط بتوجس الأوروبيين من النزعة القومية التركية ومن عدم إمكانية قبول الأتراك بمشاركة هوية مجتمعية مع أوربييين يختلفون عنهم في نمط حياتهم.
صورة من: Reuters/U. Bektas
التفاوض يتعثر مجددا
بدءا من عام 2013 عادت المفاوضات مجددا، خاصة بعد مغادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي كان معارضا بقوة لفكرة الانضمام. لم تغيّر ميركل موقفها لكنها أبدت مرونة واضحة، بيدَ أن تركيا وضعت هي الأخرى شروطها المالية الخاصة لاسيما مع تحملها موجة اللاجئين. وجاء قمع مظاهرات ميدان تقسيم 2013 ليوقف المفاوضات مرة أخرى.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/T. Bozoglu
الصراع مع قادة أوروبيين يتفاقم
لم تجانب المفوضية الأوروبية الواقع عندما قالت عام 2019 إن آمال انضمام تركيا إلى الاتحاد تلاشت، فلا أحد من الطرفين بات متحمسا للفكرة. أخذ أردوغان خطوات وصفها قادة من الاتحاد بأنها "استبدادية" خاصة مع تقارير حقوقية عن تراجع الحريات في البلد. أبعد ملف اللاجئين الطرفين أكثر، ثم جاء النزاع في شرق المتوسط بين تركيا من جهة واليونان وقبرص وفرنسا من جهة ثانية ليعدم تقريبا الفكرة.
صورة من: Adem ALTAN and Ludovic Marin/various sources/AFP