شهدت محافظة إدلب تبادلاً لإطلاق النار بين القوات السورية والتركية، في تصعيد خطير أوقع قتلى من الطرفين، في وقت تواصل دمشق بدعم روسي انتزاع مناطق خاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الأخرى في شمال غرب سوريا.
إعلان
يحصد التصعيد المستمر لقوات النظام السوري في محافظة إدلب المزيد من الضحايا، إذ أوقعت غارة جوية الاثنين تسعة قتلى مدنيين أثناء نزوحهم، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وأعلنت أنقرة الاثنين مقتل أربعة من جنودها وإصابة تسعة آخرين بجروح في قصف مدفعي شنته قوات النظام ضد قواتها المتمركزة في محافظة إدلب، ما دفعها سريعاً إلى الرد عبر استهداف مواقع الجيش السوري، ودعوتها موسكو الداعمة لدمشق إلى "عدم عرقلة" ردها.
وخلال مؤتمر صحافي في اسطنبول صباحاً، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن "طائراتنا من طراز إف-16 وقطع مدفعيتنا تقوم حالياً بقصف أهداف حددتها أجهزة استخباراتنا"، ما أسفر وفق قوله عن مقتل ما بين 30 و35 عنصراً من قوات النظام السوري، الأمر الذي نفته دمشق. وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أنّ الرد التركي لم يسفر "عن أي إصابة أو ضرر".
إلا أنّ مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن أكّد لوكالة فرانس برس "مقتل 13 جندياً سورياً وإصابة نحو 20 آخرين بجروح في الرد التركي"، الذي استهدف بعشرات الصواريخ مواقع لقوات النظام في جنوب إدلب ومحافظتي اللاذقية وحماة المحاذيتين. ويُعد هذا التصعيد "المواجهة الأخطر" بين الطرفين منذ بدء التدخل العسكري التركي المباشر في سوريا منذ العام 2016، وفق عبد الرحمن.
وأكد أرودغان في تصريحاته أنه "لا يمكننا أن نقف صامتين بينما جنودنا يستشهدون. سنواصل المطالبة بالمحاسبة". وتوجه إلى موسكو بالقول "أريد خصوصاً أن أبلغ السلطات الروسية أن محاورنا هنا ليس أنتم بل النظام (السوري) ولا تحاولوا عرقلة عملنا".
وقال أردوغان إن تركيا ستواصل الرد بعد قصف لقوات الحكومة السورية أدى إلى مقتل أربعة جنود أتراك وإصابة تسعة آخرين في منطقة إدلب بشمال غرب سوريا، حيث عززت القوات التركية وجودها في الأيام القليلة الماضية.
وقال أردوغان إن المؤشرات الأولية تفيد "بتحييد" ما بين 30 و35 سوريا في رد تركيا على ما وصفته الحكومة بأنه قصف مكثف لجنودها. وأضاف أن تركيا أبلغت نظراء روسا بأن "عليهم التنحي جانبا" عن الصراع المتصاعد.
وأوضحت موسكو من جهتها، في بيان عن وزارة الدفاع، أنّ "مجموعة من الجنود الأتراك قاموا بتحركات في (..) إدلب" ليل الأحد إلى الاثنين "من دون إبلاغ روسيا بالأمر ووجدت نفسها تحت نيران القوات الحكومية السورية التي كانت تستهدف الإرهابيين في منطقة سراقب" في ريف إدلب الجنوبي.
وأكدت في الوقت ذاته أنها على "تواصل دائم" مع أنقرة. ووقع التصعيد بعد ساعات من دخول رتل عسكري تركي ضخم، مؤلف من 240 آلية على الأقل، وفق المرصد إلى شمال غرب سوريا، تمركز الجزء الأكبر منه قرب سراقب، المدينة التي كانت قوات النظام تخوض معارك في محيطها.
وقال عبد الرحمن إنّ تمركز جزء من تلك القوات غرب سراقب أدى إلى "قطع الطريق أمام قوات النظام التي كانت تسعى للإلتفاف حول المدينة". وكانت تركيا، التي تنشر 12 نقطة مراقبة في إدلب بموجب اتفاق مع موسكو، حذرت الأسبوع الماضي من أنها سترد على أي تهديد لقواتها بعدما باتت ثلاث من نقاطها محاصرة من قبل قوات النظام. وأرسلت تركيا تعزيزات عسكرية الى شمال سوريا في الأيام الأخيرة واتهمت موسكو بعدم احترام الاتفاقات المبرمة بينهما بشأن إدلب.
ع.ش/ح.ز (أ ف ب، رويترز)
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين