تصنيف حزب البديل "يمينيا متطرفا" - الأسباب والعواقب!
٣ مايو ٢٠٢٥
صنّف المكتب الاتحادي لحماية الدستور حزب "البديل من أجل ألمانيا" كجهة يمينية متطرفة مؤكدة على مستوى البلاد، وهذا التصنيف كان ينطبق في السابق على ثلاث ولايات في شرق ألمانيا فقط، هي تورتغن، وساكسونيا، وساكسونيا أنهالت.
ومنذ مارس/ آذار عام 2021 كان الحزب يُصنّف على مستوى البلاد كـ "حالة اشتباه بالتطرف اليميني"، مما سمح لجهاز الاستخبارات الداخلية الألماني (المكتب الاتحادي لحماية الدستور) باستخدام وسائل استخباراتية خاصة مثل العملاء السريين، المراقبة، وتحليل المصادر العامة وغير العامة للتأكد من مدى إمكانية تعميم هذا التصنيف على مستوى البلاد وبشكل رسمي.
وبحسب المكتب الاتحادي لحماية الدستور فإن المراقبة التي تمت على مدار سنوات سابقة أكدت أن حزب البديل من أجل ألمانيا يسعى وراء أهداف معادية للدستور الألماني.
"الشعب الألماني كيان عرقي"
تعليقاً على التقييم، صرّح المكتب الاتحادي لحماية الدستور بأن هذا التقييم جاء بسبب الطابع المتطرف للحزب ككل، والذي ينتهك كرامة الإنسان على حدّ تعبيره، ومع ذلك لن يتم نشر التقرير المفصل الذي بُني عليه هذا التصنيف.
وجاء هذا التقييم بعد أن حلل المكتب الاتحادي لحماية الدستور تصريحات الحزب خلال حملة الانتخابات البرلمانية الاتحادية وثلاث انتخابات برلمانية محلية سابقة في شرق البلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار علاقات سياسيي الحزب مع شخصيات ومجموعات يمينية متطرفة، والتي لعبت دوراً محورياً في التحقيق الذي استمر لثلاث سنوات.
وأوضح المكتب الاتحادي أن الفهم السائد داخل الحزب للشعب الألماني هو أنه كيان عرقي، وهو ما لا يتوافق مع النظام الديمقراطي الحر، أي أن حزب البديل من أجل ألمانيا لا يعتبر المواطنين الألمان من أصول مهاجرة – خصوصاً القادمين من دول ذات أغلبية مسلمة – مواطنين ألمان، أو متساوين مع المواطن الألماني الذي ينحدر في الأصل من ألمانيا، كما أن الحزب يصنّف هؤلاء المواطنين الألمان على أساس عرقي.
وهذا التنصيف ليس شكليا أو اسميا فقط، وإنما يترتب عليه تبعات قانونية، من أهمها تخفيض العوائق القانونية أمام مراقبة حزب البديل من أجل ألمانيا من قبل جهاز حماية الدستور.
البديل: تصنيف بدوافع سياسية
اعتبر حزب البديل من أجل ألمانيا أن لهذا التصنيف دوافع سياسية وأنه جزء من معركة الأحزاب، فقال نائب رئيس الحزب شتيفان براندنر لصحيفة "راينيشه بوست إن "هذا القرار الذي اتخذه المكتب الاتحادي لحماية الدستور، والذي يرتبط بالتعليمات، هو هراء كامل من حيث المحتوى، ولا علاقة له بالقانون والنظام، وهو قرار سياسي بحت في معركة أحزاب الكارتل ضد حزب البديل من أجل ألمانيا".
من جانبها ردّت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر من الحزب الاشتراكي الديمقراطي على هذا الاتهام فقالت إن المكتب الاتحادي لحماية الدستور والتابع لوزارة الداخلية، قد تصرف بناء على تعليماتها. وأوضحت الوزيرة المنتهية ولايتها أنه "لم يكن هناك أي تأثير سياسي على التقييم الجديد". وعلى كلٍ فإن هذا التقييم يتوافق مع تقييم فيزر نفسها لحزب البديل من أجل ألمانيا. وقالت فيزر، التي لم يتبق لها سوى أيام قليلة في منصبها قبل تولي الحكومة الاتحادية الجديدة مهامها: "موقفهم القومي ينعكس في تصريحات عنصرية، وخاصة ضد المهاجرين والمسلمين".
ترحيب واسع بالتقرير وانتقاد مبطّن لميرتس
لاقى التقرير الصادر عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور ترحيباً واسعاً من سياسيين عدّة، فقالت السياسية ماري-أغنيس شتراك-تسيمرمان من الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) لوكالة الأنباء الألمانية: "حزب البديل من أجل ألمانيا ليس مجرد حزب احتجاجي، بل هو حركة يمينية متطرفة تريد تدمير نظامنا الأساسي الحر والديمقراطي". وأضافت: "يُحظر التعاون مع حزب البديل من جانب الأحزاب الأخرى".
وربما كانت شتراك-تسيمرمان تقصد بذلك أيضًا توجيه انتقاد مبطّن إلى المستشار المنتظر فريدريش ميرتس ، من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، وكذلك الزعيم القادم للكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي ينس شبان. بعد أن قبل ميرتس مؤخرا عمداً أصوات حزب البديل في تصويت داخل البرلمان الألماني (البوندستاغ).
كما دعى شبان إلى التعامل مع حزب البديل من أجل ألمانيا في البرلمان مثله مثل أي فصيل معارض آخر، ما يعني أن حزب البديل من أجل ألمانيا يجب أن يحصل على المناصب المعتادة في البرلمان، مثل رؤساء اللجان والتمثيل في هيئة الرئاسة، وهو ما نجحت في منعه باقي الأحزاب في كثير من الأحيان حتى الآن.
حزب البديل في صدارة استطلاعات الرأي
وأعلن حزب البديل من أجل ألمانيا عن اتخاذ إجراء قانوني ضد هذا التنصيف، وقال رئيسا الحزب،أليس فايدل وتينو شروبالا إن "الحزب سيواصل الدفاع عن نفسه قانونياً ضد هذه الافتراءات، التي تعرض الديمقراطية للخطر". كما وصفا قرار المكتب الاتحادي لحماية الدستور بأنه "ضربة قوية للديمقراطية الألمانية".
لكن على أرض الواقع وباستطلاعات الرأي يحتل الحزب مكانة أخرى، ففي الانتخابات الاتحادية التي جرت في 23 فبراير/ شباط الماضي حقق حزب البديل من أجل ألمانيا مكاسب كبيرة وصلت إلى 20.8 بالمئة من أصوات الناخبين، وهو الآن ثاني أقوى كتلة برلمانية بعد الائتلاف المسيحي المكون من حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي وشقيقه حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي (البافاري).
كما أن حزب البديل من أجل ألمانيا هو أقوى حزب معارضة في الحكومة الائتلافية المقبلة بين ائتلاف الاتحاد المسيحي الديمقراطي/الاتحاد المسيحي الاجتماعي، والحزب الاشتراكي الديمقراطي.
أما في استطلاعات الرأي الأخيرة فقد ارتفع الدعم لحزب البديل من أجل ألمانيا بشكل واضح، حتى أن الحزب كان في بعض استطلاعات الرأي على قدم المساواة مع حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أو حتى متقدماً عليه.
شولتس يحذّر من التسرع في حظر الحزب
يرى العديد من السياسيين الذين يرغبون في حظر حزب البديل أن التقرير الصادر عن المكتب الاتحادي لحماية الدستور قد أكّد آراءهم. ومن بين هؤلاء ماركو فاندرفيتس من الحزب المسيحي الديمقراطي، وهو صاحب مبادرة اقتراح جماعي مشترك بين الأحزاب في البرلمان بحظر حزب البديل من أجل ألمانيا. وقد حظي الاقتراح بدعم 120 عضواً في البرلمان، لكنه لم يصل إلى التصويت النهائي في البرلمان. وكان هؤلاء الأعضاء يريدون أن يقدم البوندستاغ القديم طلبا إلى المحكمة الدستورية الاتحادية بحظر الحزب.
لكن هناك منذ فترة طويلة مقاومة لمقترح الحظر. إذ يعتقد العديد من السياسيين والمحامين الدستوريين وعلماء السياسة أن الحظر الناجح لحزب البديل من أجل ألمانيا ليس بالأمر السهل من الناحية القانونية، وسيعطي الحزب دور الضحية الذي قد يعود بالنفع عليه.
والحل الأمثل كان من وجهة نظرهم محاربة الأحزاب السياسية له، عوضاً عن القضاء على الحق في المنافسة السياسية.
كما حذر المستشار الألماني المنتهية ولايته أولاف شولتس قائلاً خلال مؤتمر الكنيسة البروتستانتية في هانوفر: "أعتقد أن هذا أمر لا يمكن التسرع فيه"، وأضاف: "المحكمة الدستورية رفضت جميع طلبات الحظر في السنوات الأخيرة، لذلك، أنا ضد التسرع، ولن أقول إن علينا القيام بذلك فوراً".
وبهذا الصدد أوضحت وزيرة الداخلية نانسي فيزر أن تصنيف حزب البديل من أجل ألمانيا كجهة يمينية متطرفة منفصل تماماً عن اتخاذ أي إجراء لحظره، وقالت: "هناك أسباب دستورية وجيهة تجعل من الصعب حظر حزب سياسي، ومع ذلك لا ينبغي استبعاد ذلك تماماً، ولكن يجب التعامل مع الأمر بحذر شديد".
أعدته للعربية: ميراي الجراح/ تحرير: صلاح شرارة