متظاهرون يصبون جامّ غضبهم على الأحزاب الدينية في جنوب العراق بعد سنين من الفساد والمحسوبية وفشل الحكومات المحلية. البصرة تسخن في شهر تموز وحمى التظاهرات تصل مدن الجنوب، وبغداد هادئة مترقبة قلقة.
إعلان
اضطرابات العراق.. بدأت لتحسين الخدمات فإلى أين تصل؟
01:35
هدوء حذر يخيم على مدينة البصرة تحت درجة حرارة تفوق الخمسين مئوي. "ربما سيسبق عاصفة"، يصف الوضع مراقب يتجول في شوارع المدينة رغم حر تموز/ يوليو. الدوائر الرسمية أبوابها مفتوحة، أو الأصح القول "نصف مفتوحة"، فقد غاب بعض الموظفين عن العمل. ومؤسسات منحت موظفاتها إجازة بسبب الوضع القلق. المدينة في انتظار شيء ما.
فمنذ أيام يخرج متظاهرون إلى شوارع المدينة، يتظاهرون أمام مبنى المحافظة (الحكومة المحلية)، بعضهم قطع الطرقات، آخرون اتجهوا صوب حقل غرب القرنة حيث مقر شركة "لوك أويل" الروسية التي تدير حقل غرب القرنة النفطي، فحرقوا استعلامات الشركة ومقار الحرس.
غضب في الشارع البصري بعد مقتل شاب الأسبوع الماضي ينتمي لعشيرة "بني منصور" من قبل جهات أمنية خلال تظاهرة طالبت بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل. "حمى البصرة انتقلت إلى مدن أخرى" كما يقول الناشط السياسي ليث عبد الرحمن في اتصال هاتفي مع DW عربية.
الوعود التي قدمها رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي الذي توجه من بروكسل إلى البصرة مباشرة لم تفلح من تهدئة الشارع البصري وشارع جنوب العراق. فالتظاهرات لا تحدث إلا في مدن الجنوب، حيث الغالبية الشيعية. الناشط ليث عبد الرحمن يقول إن "التظاهرات عفوية، وإنها خرجت من دون تنظيم مسبق، بل إن الناس تخرج من شمال البصرة حتى جنوبها من دون تنسيق". ويضيف "لا يملك المتظاهرون أي سلاح، أغلبهم بسطاء وحتى ملابسهم رثة، خرجوا للمطالبة بحقوقهم، إنهم أناس مسالمون"، غير أن الجهات الأمنية تقول إن رجال الأمن يتعرضون لإطلاق نار من قبل "مندسين مع متظاهرين"، وهناك اتهامات أن جهات داخلية وأخرى خارجية تحاول الانتفاع من التظاهرات.
البصرة الغنيةفقيرة
للبصرة خصوصيتها، فهي منبع ثروات العراق النفطية، يصفها البعض "ببقرة العراق الحلوب". وفيها أكبر حقول النفط العراقي الذي يمثل المصدر الوحيد تقريبا لصادرات العراق، إذ تجاوز حجم إنتاج البصرة اليومي 3 مليون برميل يومياً، بالإضافة إلى حقول الجنوب الأخرى عند حدود البصرة مع محافظة ميسان. في البصرة موانئ العراق الوحيدة على الخليج، موانئ لاستيراد البضائع وتصدير النفط، وفي شرقها نقطة الشلامجة الحدودية التي تمر من خلالها البضائع المستوردة من إيران، ومع الكويت من مركز صفوان الحدودي الذي تنتقل عبره بضائع مستوردة من الكويت. ورغم توفر كل أسباب الثروة، لا يجني سكان البصرة سوى دخان الحقول النفطية الذي يغطي سماء المدينة أحياناً، ونارها التي تلهب طقسها الساخن أصلا.
في البصرة مشاكل أخرى، منها انقطاع شبه مستمر في التيار الكهربائي خصوصا في أشهر الصيف. ومنها البطالة التي زادت نسبتها بعد توقف مشاريع بناء فيها بسبب "عدم العمل بالموازنة العامة، وكذلك عدم تنفيذ مشروع البترودولار"، أي حصول كل بصري على نسبة من مبيعات النفط، حسبما يقول الناشط السياسي ليث عبد الرحمن، حتى أن كثيرا من الشباب المتعلم وغير المتعلم أصبح من دون عمل. وما زاد من مشاكل البصرة أن مياهها أصبحت أكثر ملوحة، خصوصا بعد تحويل إيران لمجرى نهر الكارون، فصعدت مياه الخليج المالحة إلى شط العرب، "مياه المدينة لا تصلح حتى للغسيل. فما بالك بالشرب". كل هذه المشاكل المتكررة وفشل الحكومة المحلية في إيجاد حلول منذ عقود، دفع الناس إلى الخروج إلى الشارع وحتى حرق مقار الأحزاب الشيعية مثل حزب الدعوة وتيار الحكمة والفضيلة في المدينة. DW عربية طرحت تساؤلا على كاتب صحفي من جنوب العراق، عن سبب عدم استهداف مقرات التيار الصدري، فرفض الإجابة مكتفيا بالقول "إنه يتحفظ على قول أي شيء الآن".
أما السكان في محيط الحقول النفطية في مناطق "المدّيّنة" و "الشرش" فلهم مطالب إضافية، حيث هاجم متظاهرون مدخل شركة "لوك أويل" النفطية، ومن مطالبهم تعيين أبناءهم في الشركات النفطية العاملة هناك، البعض يطالب حتى بمهنة "منظف"، التي لا تحتاج إلى شهادة علمية، حسب قول ناشطين.
حمى البصرة طالت مدنا أخرى
ما إن تظاهر الناس في البصرة حتى خرج آخرون في النجف وكربلاء والناصرية والسماوة وميسان والديوانية. مدن جنوب العراق الشيعية تتظاهر وتصب جام غضبها على الأحزاب الدينية، خصوصا وأن ولادة حكومة في بغداد متعسرة منذ أشهر ولا أمل حتى الآن في الأفق القريب. نشطاء على مواقع التواصل يحملون الأحزاب مسؤولية الفساد والمحسوبية وسوء الخدمات والسيطرة على مقدرات الدولة منذ 15 عاماً. البعض يرى "أن طبيعة النظام الديمقراطي السياسي يسمح بخلق حلقة الفساد. فلا رابح ولا خاسر في الانتخابات والكل مشترك في الحكومة والجميع معارض"، حسب ناشطين على موقع فيسبوك.
الموقع الذي يمثل متنفسا سياسا واجتماعيا لملايين العراقيين، حيث ينظم ناشطون عملهم عليه قبيل انطلاق التظاهرات، فما كان من السلطات إلا قطع شبكة الأنترنيت يوم السبت الماضي في محاولة منها لمنع تنظيم ودعوات التظاهر، ثم عادت ورفعت الحجب مساء أمس الأحد، في خطوة انتقدها ناشطون. أحد أبرز الناشطين العراقيين على موقع فيسبوك ستيفن نبيل كتب يقول "لا توجد ديمقراطية بدون إعلام وتواصل حي. قطع الاتصالات تصرف خاطئ ويعبر عن هشاشة الديمقراطية العراقية". غير أن الصور التي تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعي عن التظاهرات في مدن الحلة (بابل) والبصرة والسماوة تكشف عن أعداد قليلة من المتظاهرين، وهذا يدفع المراقب إلى السؤال: لماذا تخاف الحكومة العراقية المنتخبة من تظاهرات صغيرة يكفلها الدستور العراقي؟
والتظاهرات لم تخلُ من مظاهر السرقة أو الاعتداء على الأملاك العامة، حسبما يشرح الناشط ليث عبد الرحمن، مشيرا إلى أن البعض يستغل التظاهرات لأغراض غير سياسية. ولا يجزم الناشط السياسي أن التظاهرات في البصرة ستتوقف في حال تنفيذ مطالب المتظاهرين، "لأن حجم المطالب تم رفعه أكثر، فهناك من يطالب بإسقاط النظام، ومنهم من هاجم مقرات الأحزاب، وهناك من عاد للحديث عن المطالبة بإقليم البصرة أو بصلاحيات أكثر، رغم أنهم يعلمون أن هذه المطالب لا تحل إلا من بغداد". ويوضح أن ليس هناك قادة حقيقيون للتظاهرات، رغم محاولة بعض الناشطين لعب دور القيادة.
ناشط من البصرة رفض نشر اسمه قال "إن الجيش والشرطة الاتحادية متواجدة عند النقاط المهمة في البصرة، وأن التظاهرات لن تتوقف".
العراق - قصة النخيل المحارب في "أرض السواد"
طالما افتخر العراقيون بأنّ بلدهم يضم ثلاثين مليون نخلة، رغم عدم وجود إحصاء رسمي بذلك، لكنهم يذكرون من يسمعهم بعبارة "أرض السواد" التي تصف غطاء النخيل الذي يسود العراق. ولكن ماذا حل بالنخل اليوم؟ الجواب في ملف صور التالي.
صورة من: Wisam
نخيل ديالى.. "فوق النخل فوق"
احتفظ نخيل ديالى في أغلب الأماكن برونقه، وبقي باسقاً يانع الخضرة يظلل بساتين الحمضيات التي تميّز هذا الجزء من أرض الرافدين. معارك الحرب العراقية الإيرانية في هذه المنطقة أهلكت بالخصوص بساتين منطقة مندلي، فيما احتفظت البساتين الأخرى البعيدة عن خط التماس بيناعها. الصورة من بساتين منطقة شهربان، حيث حافظ توفر المياه على بساتين النخيل.
صورة من: Muhsin
بساتين النخيل مظلات للحمضيات
يزرع فلاحو ديالى النخيل ليوفر مظلة لأشجار الحمضيات التي تنتشر بكثافة في هذه المنطقة المجاورة للعاصمة بغداد. تضم بساتين الحمضيات أشجار البرتقال، والليمون الحلو، والليمون الحامض، وغريب فروت (السندي بلهجة أهل العراق)، واليوسفي (لالنكي). وهي أشجار تحتاج الحرارة، ولكنها تحتاج الرطوبة أيضاً، ولا تحب مساقط الشمس العمودية عليها، لذا توفر لها بساتين النخيل الظلال، ولا يهتم المزارع هنا بجني النخيل.
صورة من: Muhsin
النجاة من الحروب
منطقة ديالى في العراق من المناطق التي شهدت عمليات قتالية فيها كر وفر مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، حتى أنّ الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي قُتل في بساتين النخيل بمنطقة هبهب من محافظة ديالى متخفياً في كثافة البستان. لكنّ المعارك الموزعة هنا وهناك لم تدمر بساتين النخيل، كما جرى في مناطق أخرى من العراق. الصورة لبستان نخيل في ناحية ضباب، وسط ديالى.
صورة من: Muhsin
اليناعة رغم الإهمال
يحتاج النخل إلى الماء والسقي الصيفي خاصة، لكنّ عمليات إعداد النخلة للإثمار معقدة، وتتطلب رعاية وزيارات متكررة من الفلاحين المختصين بتسلقها وتقليمها وتلقيحها وحفظ اللقاحات ثم جني المحصول مرات عدة. روح النخلة في رأسها كما يقول العراقيون. الصورة لنخيل من منطقة السعدية شمال شرق ديالى، حيث لم يقم الفلاح برعاية النخل وحافظ على بقائها يانعة فحسب.
صورة من: Muhsin
نخيل البصرة المُحارب!
يصدق الوصف على هذا النخيل بالمحارب، لأنّ مصيره تشابك مع الحروب، الحرب العراقية الإيرانية، غزو الكويت وتحريرها، وحرب إسقاط صدام حسين عام 2003. أوسع عمليات تخريب طالت هذه الغابات الشاسعة في سنوات الحرب الثمان مع ايران، حين أمر صدام بحرق وتجريف بساتين النخيل خوفاً من تسلل قوات إيرانية إلى داخلها، وإمعاناً في حرب سكان مناطق الأهوار المتمردين. الصورة على ضفة شط العرب المواجهة لإيران.
صورة من: Wisam
نخيل الأهوار المنسي
أدت عمليات تجفيف الأهوار، في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين إلى تدمير ألوف الهكتارات من غابات النخيل في المنطقة الممتدة من هور الحمار إلى هور الصحين والجبايش اتصالاً بغابات نخيل البصرة. التجفيف جاء لتجريد عشائر الهور المتمردة على سلطة صدام حسين عن محيطها الطبيعي. الصورة لأطراف غابات النخيل الهالكة على نهايات هور الجبايش.
صورة من: Wisam
تدني أسعار التمر
أهمل فلاحو البصرة العناية بنخيلهم لأسباب عدة أخرى لا تتعلق بالحروب، بل تتعلق بتدني أسعار التمور في أسواق العراق، مقارنة بأسعارها في أسواق بلدان الجوار. رعاية النخلة حتى تؤتي جناها، تتطلب عمليات طويلة مستمرة ومكلفة، وفي البصرة يشكو الفلاح من أنّ عائد التمر لا يسد تكاليف زراعته، لذا أهمل الفلاحون بساتين النخل، وبدأ القصب والعلف يزحف عليها. الصورة لنخل منطقة السيبة.
صورة من: Wisam
التمور المستوردة تغزو أسواق "أم النخيل"
بسبب تدني حاصل التمور في البصرة، تدفقت على أسواقها تمور إيرانية وسعودية وخليجية. المستهلك يقول إنّ تمور العراق غير معتنى بتسويقها، تغليفاً وتعليباً وتنظيفاً، وتعرض في الأسواق بشكل بدائي، لذا لا تحظى برضا المشترين. الصورة لتمور إيرانية في أسواق البصرة "أم النخيل" ما يشكل مفارقة محزنة.
صورة من: Wisam
نخيل بغداد خسر الحرب مع الفساد
نخيل العاصمة بغداد تساقط ضحية حروب من نوع آخر، فالعاصمة تتسع منذ عام 2003 بشكل عشوائي غير مسيطر عليه، ويتدفق عليها العراقيون من كل ناحية، حتى بات مُلاك البساتين الأثرياء يقتلون غابات النخيل بسكب النفط في قلب كل نخلة حتى تهلك، لتجريف أراضيها وتحويلها إلى أراضٍ سكنية تباع بملايين الدولارات. الصورة من بساتين نخيل الدورة في قلب بغداد.
صورة من: DW/A. Malaika
بساتين الدورة - كيف تُباع اليوم؟
طبقاً للقانون، فإنَّ أراضي البساتين في عموم العراق مملوكة للدولة، ومؤجرة لمدد تصل إلى 99 عاماً للفلاحين الذين يزرعونها، وتسمى الأراضي الأميرية. لكنّ هذا القانون لم يعد فعالاً بعد عام 2003 حيث ضعفت الدولة. بساتين الدورة الهالكة الظاهرة في الصورة لا يمكن بيع أراضيها رسمياً، لكنّ سعر المتر المباع بشكل غير قانوني هنا يصل اليوم إلى 3 آلاف دولار حسب مكاتب بيع العقارات في العاصمة.
صورة من: DW:A. Malaika
الحرب على النخيل في شرق العاصمة!
شهدت مناطق جنوب وجنوب شرق العاصمة عمليات تجاوز على بساتين النخيل المملوك بعضها للدولة، والمملوك قسم منها لأشخاص. وهكذا يجري قتل النخيل في مناطق، بسماية، جسر ديالى، بوب الشام، والحسينية، وأطراف الراشدية. الصورة في أطراف منطقة محمد السكران، حيث تتلف البساتين لتحويل أراضيها إلى قبور تباع بأسعار باهظة للناس.
صورة من: DW/A. Malaika
تشجير قناة الجيش.. ذهبت الأموال ومات النخيل
منذ عام 2011 أطلقت أمانة العاصمة حملة لتشجير قناة الجيش التي تربط دجلة بنهر ديالى. بلغ طول مشروع التشجير بالنخيل 23.5 كم. أنفقت الأمانة مبلغ 146 مليون دولاراً، وأحالت المشروع إلى شركات متعاقبة فشلت كلها وهربت دون حساب. وحسب الصحافة العراقية، شُتلت أكثر من 20 ألف نخلة على ضفتي القناة، هلكت كلها بسبب عدم سقيها. الصورة لجزء من المشروع بمنطقة الشعب.
صورة من: DW/A. Malaika
نخيل بابل الذي لم يخض حرباً!
بساتين النخيل الشاسعة اليانعة العامرة في منطقة بابل جنوب بغداد وسط العراق، لم تطلها الحروب، ولم تطلها أيدي الفساد والتخريب غالباً. هذه البساتين احتفظت بيناعها وترتبط عادة ببساتين كربلاء وعين تمر. الصورة لبساتين النخيل قرب آثار بابل.
صورة من: DW/Samir
نخيل بابل الباسق
يتوفر الماء في بابل عبر نهري الحلة والفرات، وهكذا فإنّ بساتين النخيل تحصل على حصص مائية منتظمة تحفظ لها يناعها، وتمكنها من الحياة. النخل هنا مثل ديالى يظلل بساتين البرتقال، وبساتين الرمان.
صورة من: DW/Samir
الزحف السكاني
يعزو المختصون في بابل احتفاظ المدينة ببساتينها من النخيل إلى توفر المياه أولاً، وإلى حرص دوائر المحافظة على حماية البساتين. كما كشف مصدر في المحافظة حصريا لـDW عربية عن تخصيص ملايين الدولارات سنوياً، لزراعة التالات الشابة وتكثيرها مختبرياً ميدانياً. الصورة في طرف منطقة سكنية بمدينة الحلة، حيث لم تقاوم تالات النخيل اليافعة والنخلات الباسقة الزحف السكاني.
ملهم الملائكة - العراق