1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تعاون مصري تركي لإنتاج مقاتلة شبحية .. توازن جديد للقوى؟

١ أغسطس ٢٠٢٥

وافقت تركيا على إدخال مصر كمصنع ومطور معها لإنتاج مقاتلة شبحية من الجيل الخامس والتي ينظر إليها البعض على أنها محاولة جادة للخروج من عباءة السلاح الجوي الأمريكي من خلال تحالف استراتيجي يعيد رسم خريطة القوة بالمنطقة.

طائرة مقاتلة تركية من طراز KAAN تجري رحلتها الأولى - أنقرة، تركيا - 21 فبراير 2024
بحسب ما أعلنت وسائل إعلام تركية، فإن القيادة السياسية التركية وافقت على ضم مصر إلى مشروع إنتاج الطائرة الشبحية (كآن – KANN) كمطور ومصنع لها، جنباً إلى جنب مع تركياصورة من: Turkish Defence Industry Agency/Anadolu/picture alliance

بعد سنوات من التوتر الشديد الذي شاب العلاقات بين مصر وتركيا والذي انتهى بالمصافحة التاريخية بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان في قطر، اتخذت العلاقات بين البلدين شكلاً آخر يراه البعض غير مسبوق.

فرغم تزايد حجم التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وتصاعد مستوى العلاقات الدبلوماسية والسياسية بينهما، لكن هناك تعاوناً من نوع آخر لفت انتباه الكثير من المحللين والمهتمين بمنطقة الشرق الأوسط وهو التعاون العسكري.

وعلى مدار عقود، تعاون البلدان في المجال العسكري بأشكال مختلفة لكن هذه هي المرة الأولى التي يتفق فيها الطرفان على رفع هذا التعاون الى مرحلة إنتاج طائرة شبحية بمواصفات عالية التقنية، يطمح الطرفان ليس فقط لأن تنافس في سوق السلاح العالمي وإنما لتحدث نوعاً من التوازن في الشرق الأوسط.

وبحسب ما أعلنت وسائل إعلام تركية قبل أيام، فإن القيادة السياسية التركية وافقت على ضم مصر إلى مشروع إنتاج الطائرة الشبحية (كآن – KANN) كمطور ومصنع لها، جنباً إلى جنب مع تركيا في خطوة تاريخية نحو تعزيز التعاون الدفاعي الإقليمي بين البلدين.

خصائص فريدة

والمقاتلة TAI TF-X Kaan هي من إنتاج شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية (TAI) وستكون أحدث مقاتلات الجيل الخامس التي ستنضم إلى هذا النادي والذي يضم طائرات إف-22 وإف-35 الأمريكية، وطائرة جيه-20 الصينية، وطائرة سو-57 الروسية.

تتميز هذه المقاتلات الحديثة بخصائص فريدة كالقدرة العالية على المناورة، والتقنيات الإلكترونية المتقدمة، والقدرة على الطيران الفائق، والأهم من ذلك، انخفاض قابلية رصدها بواسطة الرادارات، وفق ما ذكر موقع بيزنس انسايدر. والجدير بالذكر أن عدداً من شركات الصناعات الجوية التركية كانت شريكًا من المستوى الثالث في برنامج إنتاج المقاتلة إف-35، ووفرت حوالي 900 مكون للطائرة، ما يعني توافر خبرة ليست بالقليلة أبداً لدى هذه الشركات لتطوير مقاتلة تركية من الجيل الخامس. 

يقول الدكتور طيار أحمد الشريفي الخبير العسكري والاستراتيجي من بغداد إن المقاتلة التركية المصرية الجديدة تم إنتاج النماذج الأولى منها "اعتماداً على الهندسة العكسية، فعندما نلاحظ التصميم، نجد أنها هندسة عكسية من الطائرات الصينية الحديثة وهو المبدأ الذي تتبعه بكين دائماً اعتماداً على التقنية الروسية أو الأمريكية".

يقول الدكتور شريفي إن المقاتلة الجديدة لاتزال قيد الاختبار خصوصاً ما يتعلق برفع كفاءة المحركاتصورة من: Privat

وأضاف خلال اتصال هاتفي مع DW عربية أن المقاتلة "لا تزال قيد الاختبار وأهم ما يتم اختباره حالياً معادلة الوزن والتوازن وهو الأمر الذي يحدد قدرة الطائرة على التحليق بمستوى طيران وبسرعة طيران منخفضة مع الحفاظ على تسارع معدل السقوط Stalling Speed" أي الحد الأدنى للسرعة اللازمة للطائرة لتوليد قوة الرفع، فكلما ناورت الطائرة وصار عليها ضغط جاذبية عالية احتاجت إلى طور عالي من دفع المحرك وفي نفس الوقت شكل معين لزوايا الاجنحة تؤمن لها الإبقاء على معادلة التحليق مضيفاً أن المحركات الحالية للمقاتلة لاتزال قيد التطوير بسبب هذه المسألة".

زيارات مصرية متتابعة

اتُّخِذ هذا القرار بالاشتراك في إنتاج المقاتلة (كآن) بعد زيارة ميدانية قام بها خبراء من القوات الجوية المصرية واطلعوا على النموذج الأولي للطائرة ومرافق الإنتاج في تركيا. ومن المنتظر أن يوقع الطرفان مذكرة تفاهم بحلول نهاية عام 2025، وفق ما جاء في تقرير حديث نشره موقع تاكتيكال ريبورت.

وكانت تفاصيل الاتفاقيات العسكرية بين مصر وتركيا قد بدأت تتكشف في أعقاب الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركيا، والتي كان من بينها المقاتلة (كآن) التركية المطورة محليًا ونظام الدفاع الجوي القبة الحديدية Steel Dome. وأفادت التقارير أن السيسي تابع عن كثب، خلال زيارته لأنقرة، مشروع الطائرة ونظام القبة الحديدية الدفاعي.

تبع ذلك زيارة رئيس الأركان العامة المصري إلى أنقرة وهي الزيارة التي علقت عليها مصادر رسمية تركية بوزارة الدفاع بالقول إنها تعكس "بداية عهد جديد في تطوير العلاقات العسكرية والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية"، وأن المسؤول العسكري المصري البارز "زار بعض شركات الصناعات الدفاعية بناءً على طلبه" وفق ما ذكرت وسائل إعلام تركية.

تكشفت تفاصيل الاتفاقيات العسكرية بين مصر وتركيا في أعقاب الزيارة الرسمية الأخيرة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تركياصورة من: Turkish Presidency/Murat Cetinmuhurdar/Anadolu/picture alliance

الخروج من العباءة الأمريكية 

حاولت دول عدة في الشرق الأوسط الحصول على مقاتلات متطورة من الجيل الخامس، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، عدا إسرائيل وحدها التي تحصل بشكل مستمر على أحدث ما تنتجه الولايات المتحدة من مقاتلات، التزاماً من واشنطن بضمان التفوق الجوي الإسرائيلي. ولم يقف الأمر عند الرفض الأمريكي الشديد لإمداد دول أخرى في المنطقة بالمقاتلات المتطورة، بل وصل الأمر إلى التهديد بالعقوبات أحياناً.

فالإمارات التي تعد أقرب حلفاء الولايات المتحدة في الخليج والتي وقّعت اتفاقية مع واشنطن لشراء مقاتلات "إف-35" لم تحصل إلى اليوم عليها، وهو ما عزته مصادر إسرائيلية إلى مخاوف أمريكية تتعلق بالتفوق العسكري الإسرائيلي بالمنطقة وعلاقة الإمارات بالصين بحسب ما نقلت صحيفة هآرتس الإسرائيلية.

الأمر نفسه حدث مع تركيا حيث أكدت إسرائيل رفضها أن تسلم الولايات المتحدة مقاتلات "إف-35" لأنقرة كما رفضت الولايات المتحدة الأمر بسبب شراء تركيا لمنظومة الدفاع الروسية اس - 400، ما جعل إسرائيل هي الوحيدة في المنطقة التي لديها هذه المقاتلات المتطورة وفق ما نقل موقع "سي ان بي سي.، إضافة إلى ما تراه إسرائيل تصاعداً في لهجة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاهها مؤخراً بسبب الحرب في غزة بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

رفضت الولايات المتحدة تسليم تركيا مقاتلات F-35 بسبب شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الروسية اس - 400صورة من: picture-alliance/dpa/A. Pavlishak

ويقول خبراء إن استبعاد تركيا من برنامج شراء مقاتلات "إف-35" أجبر الأتراك على البدء في تطوير كآن Kaan كمقاتلة متكاملة من الجيل الخامس. وبدأت تركيا في عام 2021 بإنتاج أجزاء مختلفة من المقاتلة وفي عام 2023، كُشف النقاب عن الطائرة رسميًا، وبعدها أجرت المقاتلة رحلتها التجريبية الأولى، والتي أعقبتها رحلة تجريبية ثانية في عام 2024. 

في هذا الإطار يقول الدكتور علي بكير الاستاذ بجامعة قطر والباحث الزائر بالمركز الأطلنطي إن هناك قيوداً أمريكية كبيرة على حصول دول المنطقة على اف-35، "وحتى إن حصلت هذه الدول عليها ستكون أقل من ناحية الجودة ومن ناحية التقنيات المزودة بها عن تلك التي حصلت عليها إسرائيل لذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية والإمارات، تبحث عن خيارات أخرى، وفي هذا السياق طبعاً، تأتي المقاتلة التركية في مقدمة الخيارات المتاحة للجانب الخليجي خصوصاً وأنها ستوضع قيد العمل خلال سنوات قليلة، ربما بحلول عام 2028، وبالتالي فالفارق بين إنتاجها ووضعها في الخدمة قريب جداً، مقارنة بالمقاتلات الأخرى المتاحة ".   

أضاف بكير أنه بالنسبة للإمارات وخلال التفاوض مع الولايات المتحدة "اشترطت واشنطن وضع قيود كبيرة على استخدام اف-35، كما أن مقاتلات إف-35 التي عُرضت على أبو ظبي كانت أقل تكنولوجيًا من تلك التي حصلت عليها إسرائيل. كما اشترطت الولايات المتحدة أن تتنازل الإمارات عن بعض الصفقات التكنولوجية مع الصين، لكن الإمارات رفضت هذا الأمر، ولذلك، تبحث دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما السعودية والإمارات، عن خيارات أخرى. وفي هذا السياق، تأتي المقاتلة التركية الجديدة".

معادلة قوى جديدة في المنطقة؟

حتى وقت قريب كان ينظر إلى مصر وتركيا وإيران كقوى إقليمية يمكنها إحداث نوع من التوازن مع القوة الإسرائيلية. لكن بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة بدا وكأن احتمال قيام تكتل إقليمي بين هذه الدول قد انخفض بشده، وهو ما يرى خبراء أنه دفع بمصر وتركيا لتعظيم تعاونهما الاستراتيجي بشكل متسارع وبمعدل أسرع مما كان يعتقده البعض، خصوصاً مع القلق الإسرائيلي من النفوذ التركي في المنطقة، "كما أن إسرائيل أعادت صياغة استراتيجياتها ووسعت نطاقها إلى ما هو أبعد من المواجهة مع إيران وقد بشر هذا التحول الاستراتيجي بمرحلة جديدة من المنافسة الجيوسياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط"، بحسب ما ذكر تحليل لموقع ميدل ايست مونيتور.

وفي مقال له على موقع يديعوت أحرونوت قال الكاتب سميدار بيري إن تركيا تسعى لاستبدال الدور العسكري الإيراني في المنطقة، مما يُشكّل تهديدًا استراتيجيًا مُحتملًا قد يُعيد تشكيل الديناميكيات الإقليمية، وأن القلق الإسرائيلي من تصاعد النفوذ التركي في سوريا آخذ في التزايد. وأضاف ان القلق نفسه انتقل لواشنطن بسبب تحركات تركيا السريعة في سوريا والتهديدات التي أطلقها أردوغان ووزير خارجيته هاكان فيدان ضد إسرائيل.

الأمر نفسه نقله موقع إسرائيل هيوم تحت عنوان "تركيا: هل هي التهديد الكبير القادم لإسرائيل؟". ونقل الموقع تحذير "لجنة ناجل" والتي شكلت لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في المنطقة، من أن "مواجهة تركية-إسرائيلية مباشرة" قد تحدث قريباً وأنه "يجب الأخذ في الاعتبار أن دخول الجيش التركي إلى سوريا قد يؤدي إلى إعادة تسليح سوريا بسرعة كبيرة نسبيًا".

مقاتلات تابعة لسلاح الجو التركي تنفذ عرضًا عسكريًا فوق مضيق البوسفور، احتفالًا بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية في إسطنبول يوم 29 أكتوبر 2023.صورة من: Ozan Kose/AFP/Getty Images

ويقول الدكتور طيار أحمد الشريفي الأكاديمي والخبير العسكري والاستراتيجي إنه "إذا تعمق التعاون التركي المصري فلا نستبعد أن دولاً خليجية خاصة السعودية يمكن أن تدخل في هذه المعادلة"، مضيفاً أن "المشكلة ليست فقط في التسليح وانما في النظام الاقليمي الجديد وهل سيقبل مثل هكذا معادلة فيها توافق مصري - تركي ضد التوازنات الأمريكية والإسرائيلية؟".

أما الدكتور علي بكير الاستاذ بجامعة قطر والباحث الزائر بالمركز الأطلنطي فيرى أن "الحصول على المقاتلة التركية المصرية المتقدمة قد يعني "سد الفجوة مع الجانب الإسرائيلي الذي أصبح يتمتع الآن بتفوق ساحق في المنطقة، فباستثناء تركيا، تتفوق إسرائيل على كل دول المنطقة من الناحية العسكرية والتكنولوجية، وهذا يحدث بدعم مباشر والتزام دائم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى، وأيضًا الدول الأوروبية، لا سيما ألمانيا بالدرجة الثانية. وبالتالي، فإن حصول عدد من دول المنطقة على هذه المقاتلة سيسد فجوة كبيرة في التقنيات العسكرية بين الطرفين وهو ما قد يعيد التوازن للمنطقة ويؤدي إلى نوع من الاستقرار" 

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW