تعليق: "أحلاهما مر" أو معضلة الانتخابات الرئاسية المصرية
٢٥ مايو ٢٠١٢ بالرغم من أن النتائج النهائية لم تعلن بعد فإن الخاسر الأكبر في أول انتخابات رئاسية حرة في تاريخ مصر بات واضحا: إنهم الشباب والنشطاء الليبراليون الذين تمكنوا، وبشجاعة مثيرة للإعجاب، من خلع حسني مبارك من سدة حكم تمسك به لعقود من الزمن. قبل خمسة عشر شهرا كافح "ثوار الفيسبوك" كما يسمون، من أجل مزيد من العدالة وفي سبيل مجتمع مدني حديث. ثوار كانوا يسعون إلى تغيير جذري للنظام في البلاد. لقد تابع العالم بأسره، وبتعاطف كبير، انتفاضتهم ضد نظام مبارك الاستبدادي، خصوصا الأوروبيون الذين استحضروا، ولو جزئيا، التغييرات الجذرية والتاريخية التي عرفتها أوروبا بعد انهيار جدار برلين.
إلا أن الفوز الكبير الذي حققه الإخوان المسلمون والسلفيون خلال الانتخابات التشريعية في الشتاء الماضي حول هذا الحماس إلى خيبة أمل وبيّن أن للغالبية العظمى من الشعب المصري أولويات أخرى. إن المصريين يتوقون إلى الأمن والاستقرار، كما أنهم في حاجة إلى فرص عمل وآفاق اقتصادية. وسواء أعجبنا ذلك أم لم يعجبنا، فإن الكثيرين منهم يرغبون في دولة يكون فيها للإسلام دور كبير. بيد أن هناك في الوقت نفسه نسبة كبيرة وموازية تقريبا من السكان مستعدة على ما يبدو للقبول بنفوذ سياسي غير ديمقراطي للعسكر أو لـ "فلول" نظام مبارك للحيلولة دون "أسلمة" واسعة للبلاد التي باتت اليوم منقسمة إلى معسكرين.
نتيجة لا تشفي الغليل
إن فوز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لا يستجيب وبشكل واضح لما نرغب فيه نحن الأوروبيين. لكن هذا لا يمنعنا من القول إن الإخوان المسلمين ليسوا إسلاميين متطرفين عديمي الأفق. إنهم متجذرون في المجتمع المصري، كما تمكنوا من كسب الكثير من المصداقية بنشاطهم الاجتماعي خلال عقود من معارضة نظام مبارك. بالطبع يضم الإخوان المسلمون في صفوفهم تيارا متشددا وآخر واقعيا معتدلا، لكن فهمهم للديمقراطية وحرية العقيدة ودور المرأة في المجتمع أمور تدعو للقلق.
في المقابل فإن الدعم الذي يلقاه أحمد شفيق، الذي كان من المقربين لمبارك، يدعو لنفس الدرجة من القلق. صحيح أن شفيق قد يكون ضمانة كي لا تتحول مصر إلى "دولة شريعة"، كما يُقال. إلا أنه ينتمي للحرس القديم ويعتبر من رموز النظام السابق، كما يرى فيه الكثيرون من الليبراليين المصريين رمزا للثورة المضادة. وقد تحسم جولة انتخابات الإعادة في منتصف يونيو/ حزيران الخيار بين الإسلاميين و"فلول" نظام مبارك، ما قد يكون مؤشرا على مزيد من الاستقطاب.
الثوار لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد
ومع ذلك يمكن تسجيل أمر ايجابي: لقد أثبت المصريون بهذه الانتخابات التي جرى جزؤها الأعظم بشكل سلمي، أنهم "ناضجون" للديمقراطية، وهو حق رفضه لهم مبارك على الدوام. الآن يعتمد كل شيء على مدى جدية العملية الإصلاحية التي تعرضت لانتكاسات. ويتعين على المجلس العسكري تسليم السلطة بدلا من تحريك الخيوط من وراء الستار. كما أنه من غير المسموح به إتاحة الفرصة للقوى الإسلامية للحد من حريات تم اكتسابها بشق الأنفس.
إن مصر في حاجة إلى إعلام شجاع وحر وإلى معارضة يقظة حتى من خارج المؤسستين التشريعية والرئاسية. وإذا كان الثوار الأوائل يبدون، في المدى المنظور، بلا تأثير في المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا في مصر، فإن الحاجة إليهم ستظل قائمة في المستقبل.
راينر زوليش
مراجعة: أحمد حسو