رغم كل الإيجابيات والإمكانيات اللامحدودة التي تتيحها تقنيات شبكة الإنترنت، والحماس الذي واكب ظهورها وما يزال مستمرا، يتعين الانتباه إلى الأخطار المحدقة بمستخدميها وعدم التقليل من شانها، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة للتصدي لها. ولا تكمن هذه المخاطر في انتشار المواقع التي تروج الصورالإباحية للأطفال فقط ؛ أو تلك التي توضح كيفية صنع القنابل بجميع أصنافها، بل تتعدى ذلك الى مجالات أشمل، مثل الشبكات الاجتماعية التي تعرف انتشارا سريعا وإقبالا منقطع النظير من طرف الشباب وغيرهم. بالإضافة إلى أمور مهمة أخرى من بينها مثلاً خصوصية البيانات الشخصية وحقوق النسخ والتأليف.

ومن أجل مواكبة التطورات التي يشهدها هذا الفضاء وما يترتب عنها من تبعات، قرر البرلمان الألماني إنشاء لجنة بحث خاصة تحت اسم "لجنة البحث المهتمة بشبكة الانترنت والمجتمع الرقمي" تعنى بتقديم حلول للمشاكل المحتملة التي لها علاقة باستعمال شبكة الانترنت. وجاءت مبادرة البرلمان الألماني بعد أن أدرك الأهمية القصوى التي يكتسبها استخدام الإنترنت والمجال الرقمي، والإشكاليات التي ترافق استعمالهما. ومن المتوقع أن تختلف حيثيات الحلول الواجب اقتراحها من طرف لجنة البحث البرلمانية، حسب نوعية الإشكالات المطروحة. ويعود ذلك إلى تنوع قضايا شبكة الإنترنت ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي. وبهذه الخطوة يكون البرلمان الألماني قد غير من نهجه في التعامل مع قضايا شبكة الانترنت، فقد قرر متابعتها ومعالجتها بشكل دائم، وعدم الاكتفاء بالتطرق إليها عندما تكون موضوعا آنيا فقط ، كما هو الحال بالنسبة للنقاش الدائر حاليا على نطاق واسع في ألمانيا حول حجب المواقع الإلكترونية التي تروج للصور الإباحية للأطفال.

ازدياد اهتمام السياسة بشبكة الإنترنيت

"لجنة البحث المهتمة بشبكة الانترنت والمجتمع الرقمي" خرجت إلى الوجود في مارس الماضي، وتضم فريقا مكونا من سبعة عشر نائبا برلمانيا ونفس العدد من الخبراء، وأسندت رئاسة هذه اللجنة إلى النائب البرلماني عن الحزب الديمقراطي المسيحي أكسل فيشر، الذي قال في أول مؤتمر صحفي عقد بعد تأسيسها: "لقد تنبهت السياسة إلى مدى أهمية شبكة الإنترنت والتقنيات الرقمية كمجال ينبغي فتح نقاش بشأنه وأخذ التدابير اللازمة لتنظيمه". حقيقة تنامي دور شبكة الانترنت ليست وليدة اللحظة، وإنما كانت معروفة لدى فئات متعددة من المتتبعين للشأن المعلوماتي والرقمي، ومن بينهم سياسيون دعوا منذ سنوات إلى الاهتمام بشكل رسمي بهذا الميدان واتخاذ الإجراءات اللازمة التي تنظمه، لكن اقتراحاتهم لم تجد حينها آذانا صاغية.

يأمل كثيرون من هذه اللجنة أن تملأ الفراغ الذي كان سائدا قبل إنشائها، خاصة وأنها تضم خبراء من ميادين عدة من بينهم مدونون وخبراء في مجال الاقتصاد والإعلام أيضاً مثل المدون الشاب ماركوس بيكيندال.

ويعد ماركوس الأصغر سنا من بين خبراء اللجنة، ويبلغ من العمر 33 سنة، وقد وجب على ماركوس الاشتغال مع أعضاء في اللجنة ينتمي أغلبهم إلى جيل كان تعامله في الغالب مع وسائل إعلام تقليدية، يرى ماركوس أنها فقدت الكثير من تأثيرها: كالراديو والتلفزيون كما يقول:" بطبيعة الحال أتابع برامج إذاعية وتلفزيونية، ولكن أرى أن هذه الوسائل الإعلامية التي تعتبر مؤثرة قد أهملت نوعا ما في الأعوام العشرة الماضية، ولم تعد تحظى بذلك الاهتمام الذي كان لها من قبل."

شبكة الانترنت مرآة عاكسة للمجتمع

ماركوس وزملاؤه في اللجنة يعقدون بعد فترة قصيرة اجتماع عمل في برلين لتدارس الخطوات التي يجب إتباعها في عمل اللجنة. ويلح لارس كلينغبايل، النائب عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي على طرح موضوع سياسة الشبكة العنكبوتية، باعتبارها جزءاً من السياسة الاجتماعية ولها تأثيرات على جوانب أخرى تخص الحياة العامة. وهذا ما يؤكده النائب المسيحي الديمقراطي ينس كوبن بقوله: "الإنترنت متاح للجميع بدءا من الجدة مرورا بالمدير والمدون وصولا إلى مستعملي الشبكات الاجتماعية المتاحة في الإنترنت" ويضيف مؤكدا: "الإنترنت ليس عالما افتراضيا بل عالم حقيقي، فالأمر لا يتعلق بتجمع من الناس وجد مكانا له في الشبكة العنكبوتية، بل هو مرآة تعكس المجتمع ككل". ومن هذا المنطلق وجب على أعضاء اللجنة المكلفة وضع إطار عام ومعايير جديدة بإمكانها الرفع من فرص استخدام الانترنت بشكل ايجابي، وبحث إمكانية الحاجة إلى تشريعات إضافية تسد الفراغ القانوني الموجود في بعض الجوانب، إضافة إلى متابعة التطورات التي يشهدها المجال المعلوماتي والرقمي ومحاولة احتواء الأخطار الآنية والمستقبلية من أجل حماية مستخدمي الشبكة.

شبكة الانترنت" منتدى تواصلي حر ومؤثر"

في نص رسالة اقتراح لجنة البحث ل "الانترنت والمجتمع الرقمي" المحرًر من طرف أعضاء البرلمان الألماني، تم وصف الانترنت ب "المنتدى التواصلي الحر والمؤثر" الذي يساهم بشكل حاسم في تطوير المجتمع. مما اعتبر إشارة ايجابية و اعترافا ضمنيا من البرلمان الألماني بالدور الهام الذي يلعبه الانترنت على أكثر من مستوى. وفي نفس الوقت دعوة لإشراك الرأي العام وإطلاعه على عمل لجنة التحقيق ل"الانترنت والمجتمع الرقمي"، خصوصا وأن جلساتها ستكون مفتوحة وسيتم بثها عبر تلفزيون اللجنة في موقعها الالكتروني عبر شبكة الانترنت، الذي يتيح فرصة التعريف بعمل اللجنة و تقريبها من المواطن، كما يتيح الموقع لزواره فرصة المشاركة في مناقشة المشروع عبر منتدى الموقع. وفي حديث مع أحد زوار الموقع، عبر كريستيان تريجوكس عن تمنياته بالنجاح للجنة البحث "للانترنت والعالم الرقمي" في مهمتها التي تمتد إلى غاية صيف عام 2012. وانتقد كريستيان عدم إلمام السياسيين باستخدام الانترنت، متهما إياهم ب"الجهل الإلكتروني". ويبقى التحدي الأكبر للجنة التحقيق البرلمانية المهتمة ب"الانترنت والعالم الرقمي" تصحيح هذه الصورة لدى المواطن العادي وإقناعه بأن ممثليه من السياسيين والنواب على دراية بكل ما يتعلق بشبكة الانترنت ومدى أهميتها في الحياة اليومية المعاصرة.

الكاتب: مارسل فورستناو/عادل الشروعات

مراجعة: منى صالح