تغريدة بالكردية .. هل ستطمئن الكرد وتقربهم أكثر لدمشق؟
٢٤ يناير ٢٠٢٥
غرّد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على منصة إكس باللغة الكردية، لتكون هذه التدوينة سابقة في المشهد السياسي السوري، فلم يسبق وأن دوَّن مسؤول سوري بلغة أخرى غير اللغة العربية.
كتبَ الشيباني عبر إكس باللغة الكردية: "يضيف الأكراد في سوريا جمالاً وتألقاً لتنوع الشعب السوري، لقد تعرض المجتمع الكردي في سوريا للظلم على يد نظام الأسد، سنعمل سوياً على بناء بلد يشعر فيه الجميع بالمساواة والعدالة".
حملت تغريدة الشيباني تطمينات لأكراد سوريا بأن تواجدهم في البلاد يضفي عليها بريقاً ويضمن الحفاظ على تنوع المجتمع السوري، ولاقت هذه التغريدة تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، وبالرغم من اعتبارها بادرة جميلة إلا أن الكلام لا يغني ولا يسمن من جوع بحسب بعض مستخدمي المنصة الذين تفاعلوا مع التغريدة.
وهو ما أكد عليه مسؤولون أكراد، شددوا على ضرورة ضمان التنوع من خلال إدخال تغييرات على الدستور السوري الجديد تضمن حقوق الأكراد وتعترف بوجودهم وتسمح لهم بالتمثيل البرلماني.
أكدَّ هوشنك حسن، وهو صحفي كردي سوري، ومدير وكالة نورث برس في مقابلة مع DW أن تغريدة الشيباني لاقت ردود فعل إيجابية لدى الشارع الكردي، واعتبرها اعترافاً واضحاً بوجود لغة أخرى في سوريا غير اللغة العربية وهي لغة القومية الثانية في البلاد.
ورداً على الشيباني، غرّدت إلهام أحمد، رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا على صفحتها الرسمية على منصة إكس باللغة الكردية قائلة: "نحترم تصريح السيد أسعد الشيباني بخصوص الكرد. عندما تُثبت حقوق الأكراد في الدستور، سيضفي الأكراد طابعهم الخاص على المجتمع السوري. يمكننا بناء سوريا جديدة، متعددة الألوان، غير مركزية، معاً".
ومن جانبها رحّبت هيئة رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا بتصريح على موقعها الرسمي بخطوة الشيباني التي تعكس رؤية سوريا كدولة متعددة القوميات والأديان، ولكنها أكدت على ضرورة ضمان ذلك في الدستور السوري، وأضافت: "إن احترام حقوق جميع المكونات وضمان مشاركتهم العادلة في صياغة مستقبل البلاد هو الطريق الأمثل لتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق الاستقرار في سوريا ".
الاستقرار الوطني يبدأ من نزع السلاح
لحفظ الأمن والاستقرار في سوريا الجديدة، وإشراك كافة مكونات المجتمع السوري في بناء مستقبل البلاد كان لا بد من الجلوس على طاولة الحوار، ولهذا بدأت مفاوضات الإدارة السورية الجديدة مع كافة الفصائل المسلحة بعد استلام زمام الحكم عقب سقوط نظام الأسد في أوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي.
وكان الهدف هو حلّ جميع الفصائل المسلحة ودمجها تحت مظلّة وزارة الدفاع السورية، إيماناً من الإدارة الجديدة أن الطريق لأمن واستقرار البلاد يبدأ من نزع السلاح من أيدي كافة الفصائل وجعله بيد الدولة وحدها.
فقال أحمد الشرع، قائد الإدارة السورية الجديدة لوكالة فرانس بريس في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2024: "ينبغي أن يكون السلاح بيد الدولة فقط ومن كان مسلحاً ومؤهلاً للدخول في وزارة الدفاع سنرحب به"، وأضاف: "على هذه الشروط والضوابط نفتح حواراً تفاوضياً مع قسد "قوات سوريا الديمقراطية" ونُترَك لحالة الحوار، لربما نجد حلاً مناسباً".
وفي وقت سابق كانت قد توصلت الإدارة الجديدة إلى اتفاق مع جميع الفصائل المسلحة باستثناء قسد المدعومة من الولايات المتحدة والتي تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرق البلاد.
ومن جانبها أبدت قسد استعدادها للتفاوض مع الإدارة الجديدة لبناء دولة تضمن حقوق الأكراد وتلبي مطالبهم، وهو ما يجري بالفعل، ومع ذلك أكد مظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديموقراطية لوكالة فرانس بريس التوصل لاتفاق مع السلطة الجديدة في دمشق على رفض "أي مشاريع انقسام" تهدد وحدة البلاد. وفي تصريحات صحفية أخرى أبدى عبدي استعداد "قسد" للاندماج في الجيش السوري بشرط اندماجها كتكتّل عسكري وليس كأفراد.
المفاوضات إلى أين؟
وعن مسار المفاوضات أكد مرهف أبو قصرة، وزير الدفاع السوري لوكالة فرانس بريس يوم الأربعاء 22 يناير/ كانون الثاني بأن المفاوضات مع القوات الكردية مستمرة، ولكنه أبدى الاستعداد لاستخدام القوة إن لزم الأمر، وعن نتائج المفاوضات قال أبو قصرة: "الرؤية غير واضحة في التفاوض مع قسد حتى اليوم".
في حين يرى حسن أن أجواء المفاوضات تبدو إيجابية، والنتيجة الأولى التي تم التوصل لها هو عدم حدوث صدام عسكري بين الطرفين، وأضاف في حديثه مع DW:"يجري الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة من الطرفين لبحث المسائل الخلافية والتفاصيل الكثيرة من الناحية الإدارية العسكرية والسياسية".
يؤكد على ذلك الكاتب والمحلل السياسي السوري نور الدين البابا، الذي قال في مقابلة مع DW: "تم عرض مقترح يمكن وصفه بالوطني من قبل قيادة الدولة السورية ممثلة بالسيد أحمد الشرع، و مظلوم عبدي قائد قوات قسد، يتلخص بإلغاء كل القرارات والقوانين التمييزية ضد المكون الكردي، وإعطاء الكرد كل حقوقهم كمواطنين سوريين، والتواصل مع تركيا لإصدار عفو عام عن مقاتلي حزب العمال الكردستاني الأتراك الذين يقاتلون مع قسد، مقابل تسليم السلاح للدولة السورية، وحل قسد".
لكن قسد تحاول التهرب، وكسب المزيد من الوقت، وللآن تُغلِّب الدولة السورية لغة السياسة والحوار، ولكنها لا تستبعد اضطراراها إلى سلك مسارات أخرى على حد تعبير البابا.
ما الذي يعرقل تقدّم المفاوضات؟
استمرار المفاوضات لا يعني أنها تجري على قدمٍ وساق، فتوجد عوائق وعراقيل أمام التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن، وبالرغم من أن فرص التوصل إلى اتفاق كبيرة بحسب نور الدين البابا إلا أن تردد مظلوم عبدي في المضي قدماً بالاتفاق مع الحكومة السورية يشكّل عائقاً كبيراً قد يضيع هذه الفرصة التاريخية، ويضيف البابا: "أرجع مراقبون هذا التردد إلى قوة اللوبي الإيراني داخل قسد، وسطوة المقاتلين الأجانب فيها".
من جانب آخر، يرى حسن أن ما يعكّر صفو المفاوضات هي هجمات الجيش الوطني الموالي لتركيا على منطقة سد تشرين ومناطق أخرى بشمال شرق سوريا، وقال: "لا تزال المعارك مستمرة ضد قوات سورية الديمقراطية على الأراضي السورية حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد، لذلك يطالب المسؤولون الكرد بشمال شرق سورية بوقف شامل لإطلاق النار في سوريا وإطلاق العملية السياسية الشاملة".
هجمات جديدة بدأها الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا والذي تأسس عام 2017 ضد الأكراد في الشمال السوري بعد سقوط نظام الأسد، وأفادت تقارير للمرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة أسوشيتد بريس أنه منذ بدء الهجوم قتل العشرات من الجانبين.
وبدورها ردت قسد، حليف واشنطن على هذه الهجمات التي قام بها الجيش الوطني السوري، واستمرت المعارك بينهما لأسابيع، وقالت روكين جمال، المتحدثة باسم وحدة حماية المرأة التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، لوكالة أسوشيتد بريس: "إن مقاتليهم على بعد أكثر من 11 كيلومتراً من مركز مدينة منبج في هجومهم المضاد المستمر".
واتهمت أنقرة بمحاولة إضعاف نفوذهم في المفاوضات مع دمشق مستخدمة الجيش الوطني السوري لهذا الغرض، وأضافت: "سوريا الآن في مرحلة جديدة، والمناقشات جارية بشأن مستقبل البلاد... تحاول تركيا من خلال هجماتها إشغالنا بالمعارك وإبعادنا عن المفاوضات في دمشق".
من جانبها تعتبر تركيا المقربة من الإدارة السورية الجديدة أن قوات سورية الديمقراطية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني PKK الذي يخوض تمرداً مسلحاً ضدها منذ عقود، مما يهدد أمنها واستقرارها.
ويُذكر أن قوات سوريا الديموقراطية هي الجناح المسلح للإدارة الذاتية التي أنشأها الأكراد بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وتشمل سيطرتها الراهنة مناطق غنية بالنفط ومحاذية للحدود مع العراق وتركيا.
ما الذي يحقق طموحات الأكراد في سوريا؟
بالإضافة إلى الجانب العسكري وشرط قسد الانخراط في الجيش السوري الجديد كتكتّل تبرز مطالب سياسية وثقافية وحقوقية للأكراد كأفراد، يؤكدون من خلالها على ضرورة ضمان كافة حقوقهم في الدستور السوري الجديد، خصوصاً بعد التهميش الذي عاشوه على مدى عقود طويلة في ظل حكم الأسد الأب والابن، فيقول حسن لـ DW: "يوجد حوالي 250 ألف كردي محرومين من الجنسية السورية بالرغم من أن هذه الأرض هي أرض آبائهم وأجدادهم".
التمثيل البرلماني في الدولة السورية الجديدة أحد أهم المطالب الكردية، بالإضافة إلى التنمية الاقتصادية في المحافظات الشمالية مثل الرقة، والحسكة، ودير الزور، فقال حسن: "من الضروري السعي أيضاً لتنمية اقتصادية لأن نظام البعث عمل على تهميش هذه المناطق والمحافظات، وكان يطلق عليها اسم "المناطق النائية".
التخوّف من المساس بحقوق الأقليات العرقية والدينية في سوريا بشكل عام وحقوق الأكراد بشكل خاص أمر مشروع ومطروح في ظل التغييرات الجديدة في سوريا، وبهذا الصدد يعتقد نور الدين البابا أن الإدارة السورية الجديدة حريصة على حفظ حقوق كل مكوّنات المجتمع السوري، وإنهاء فوضى السلطة والسلاح المنفلت، وعدم جعل سوريا بؤرة توتر وتهديد للجوار، خاصة الدول التي قد تكون شريكاً استراتيجياً لسوريا في نهضتها وإعادة إعمارها.
يشدّد البابا على ضرورة أخذ السياق التأسيسي والوظيفي لقسد بعين الاعتبار، والذي يعتبره غير وطني، وبالتالي هي خطأ تاريخي يجب تصحيحه، تماماً كحال اضطهاد المكون الكردي من قبل النظام البائد على حدّ تعبيره، ويضيف: "الحكومة السورية الجديدة التي ولدت من رحم الثورة السورية صاحبة شعارات الحرية والكرامة والعدالة أحرص على سوريا بكل مكوناتها على رأسها المكون الكردي من أي جهة ثانية".
ميراي الجراح