تغيرات المناخ تنذر بنشوب صراعات على المياه في بيرو
٢٨ فبراير ٢٠١١تظهر تبعات ظاهرة الاحتباس الحراري بشكل خاص على الأنهار الجليدية الحساسة في دولة بيرو. ونظرا إلى أن ثلثي الكتل الجليدية المدارية على الأرض موجودة هناك، فيمكن ملاحظة التغير المناخي تحت ظروف مثالية تقريبا. ووفقا لتقارير حكومية فقد خسرت بيرو منذ عام 1970 ما يربو عن 22 في المائة من الكتل الجليدية الموجودة فيها. كما أن الأنهار الجليدية تذوب بسرعة متزايدة، وهو أمر يحمل معه عواقب مأساوية.
ولذلك تعتبر الدراسات الدولية بيرو كإحدى أكثر الدول تضررا من ظاهرة الاحتباس الحراري، وهو ما أكدته أيضا دراسات دولية عديدة، فضلا عن النتائج التي توصل إليها المؤشر البريطاني لرصد الدول الأكثر حساسية وتضررا من ظاهرة الاحتباس الحراري. إن ثلثي سكان بيرو البالغ تعدادهم حوالي 30 مليون نسمة، يعيشون في المنطقة الساحلية القاحلة، يعتمدون اعتمادا كاملا على روافد الأنهار الجليدية في الإنديز، للحصول إمدادات المياه والكهرباء.
وهذا ينطبق أيضا على قطاعي الزراعة والتعدين، وقد بدأت أولى الصراعات على المياه تظهر في هذين القطاعين. وستزداد حدة الصراعات حول المياه، مع ارتفاع درجات الحرارة تدريجيا. وكما يقول مايكل لينغنتال، مدير مكتب مؤسسة كونراد اديناور في ليما عاصمة بيرو، فإن "هناك بالفعل عدد قليل جدا من الأحواض لتجميع المياه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن المياه تقل، كلما حدث ذوبان الأنهار الجليدية بشكل أسرع وأقوى."
تحذير من كارثة وطنية
ويبدو أن هذه الحكومة في بيرو تعي مدى خطورة الوضع، فقد حذر خبير لشؤون المناخ في وزارة الخارجية من وقوع كارثة وطنية، إذا لم تحل مشكلة المياه في السنوات الخمس المقبلة. ولمعالجة الأزمة، تسعى الحكومة ببناء عدد من السدود، وهي تهدف من وراء ذلك إلى تحقيق هدف ثان، ألا وهو تعزيز توليد الكهرباء من الطاقة المائية. إن بيرو تسد 60 في المائة من احتياجاتها من الكهرباء، عن طريق توليدها من الطاقة المائية. ووفقا لصحيفة "تايمز" التي تصدر في بيرو، فإن ليما طلبت مساعدات من الولايات المتحدة من بلدان أخرى ، فهي بحاجة إلى 350 مليون دولار أمريكي سنويا، لتنفيذ خططها في هذا الصدد، بجانب خطط إضافية لإنشاء محطات لتحلية مياه البحر.
لكن المراقبين يرون بأن على بيرو بذل جهود أكبر، لاسيما فيما يتعلق بأسعار المياه، فهي منخفضة للغاية، وهذا يغري بالإسراف في استخدامها، بحسب مايكل لينغنتال. كما أن هناك حاجة ماسة لإنشاء محطات لمعالجة المياه وتنقيتها، فالعديد من الأنهار ملوثة بالنفايات الناجمة عن قطاعي الزراعة والصناعات التعدينية. هنا تبرز مشكلة ما يعرف بالقطاع غير الرسمي، إذ إن هناك شركات تمارس على نطاق واسع عددا من الأنشطة الاقتصادية مثل التعدين بدون ترخيص. ونسبة لغياب الضوابط والرقابة، فإن هذه الشركات تتخلص من النفايات الصناعية بإلقائها في الأنهار، وهذا يؤدي بالطبع إلى تلويثها كما يقول لينغنتال.
تأثير حماية المناخ على النمو الاقتصادي
إن حماية المناخ هي ضرورة اقتصادية في بيرو. وبحسب تقديرات البنك المركزي، فإن بيرو ستفقد بحلول عام 2025، أكثر من أربعة في المائة من الناتج الاقتصادي السنوي، إذا لم تفعل شيئا لمكافحة التغير المناخي. ولتحقيق هذا الهدف، كما جاء قي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، فإن بيرو بحاجة إلى مبلغ يصل إلى 453 مليون دولار حتى عام 2030. وهي بحاجة إلى مبلغ إضافي يتراوح بين 190 و450 مليون دولار، لمواجهة الآثار المترتبة حتى الآن على ارتفاع حرارة الأرض.
وعلى الرغم من أن بيرو تشهد ازدهارا اقتصاديا في الوقت الحالي، ورغم أن الناتج المحلي الإجمالي قد زاد بنسبة ثمانية في المائة تقريبا، إلا أن هذا البلد مضطر إلى الاعتماد على المانحين الدوليين للتعامل مع ظاهرة التغير المناخي وتبعاتها.
ولا تقتصر الاستثمارات الحكومية على مبادرات تأمين إمدادات المياه، فهي تعمل على توزيع نصف مليون موقد فعال، بهدف تقليل الاعتماد على الحطب كوقود، وبالتالي الحد من القطع الجائر للغابات.
إن حماية الغابات تمثل بدورها إحدى التحديات التي تواجه بيرو، فهي فقدت بالفعل 15 مليون هكتار من غاباتها، ويتم سنويا قطع 15 ألف هكتار إضافي من الغابات. لذا فإن الحكومة نفذت في عام 2008 أكبر برنامج من نوعه في أمريكا الجنوبية لإعادة تشجير الغابات. وفي مارس من عام 2010 أعلن الرئيس آلان غارسيا اختتام العمل في ذلك البرنامج، إذ تحقق الهدف المتمثل في زرع 100 مليون شجرة، وهو ما جاء حصيلة لعمل نصف مليون مواطن على غرس الأشجار على مدى عامين.
انتقادات لنقص حماية الغابات المطيرة
تغطي الغابات المطير ثلثي مساحة بيرو، لكن السبل المتبعة هناك لحماية هذا الغطاء الطبيعي الحيوي تتعرض لانتقادات واسعة. إذ انتقدت مؤسسة كونراد آديناور الألمانية في تقرير لها، تفويض مركز حكومي لمدة طويلة لحماية الغابات. لقد كان هذا المركز يمنح في نفس الوقت حقوق استخدام الأراضي للمزارعين، في حال إثباتهم قيامهم بقطع أشجار الغابات في منطقة ما وممارسة النشاط الزراعي لمدة سنتين. لكن هذا الأمر تغير منذ نحو سنة، فقد عُهدت مسؤولية حماية الغابات إلى الحكومات المحلية التي لم يصدر بعد تقرير بشأن أدائها في هذا المجال.
ولربما جاءت انتخابات الرئاسة المقبلة والتي ستجرى في العاشر من أبريل، برئيس جديد قادر على حل هذه التناقضات وتطبيق سياسة مناخية أكثر فعالية. ويبدي مايكل لينغنتال تفاؤلا حذرا، فالرئيس السابق اليخاندرو توليدو، الذي يتمتع حاليا بأفضل الفرص في الفوز بمنصب الرئاسة، يعي أبعاد قضية المناخ، كما يضيف لينغنتال، "فالمشكلات معروفة، والإرادة متوفرة، هناك حاجة فقط لوضع سياسة مناخية فعالة على وجه السرعة. ولكن هذا يستغرق وقتا، ألم تحتاج ألمانيا بدورها إلى وقت، حتى أصبحت السياسة البيئية، مثار اهتمام جدي؟"
تورستن شيفر/ نهلة طاهر
مراجعة: طارق أنكاي