تفاقم أزمة الكهرباء في العراق .. غضب شعبي وحلول بديلة كارثية
١٤ أغسطس ٢٠٢٥
غرقت بعض شوارع بغداد ومدن العراق الكبرى في الظلام خلال الأيام الماضية بسبب تعرض بلاد الرافدين لانقطاع شبه كامل للكهرباء؛ إذ لم يبق سوى أضواء السيارات المارة التي تضيء بعض الشوارع.
تزامن هذا مع ارتفاع درجات الحرارة خلال أيام الصيف القائظ حيث تقترب الحرارة من 50 درجة مئوية في بغداد خلال انقطاع الكهرباء.
في ظل الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي، يضطر العراقيون إلى الاعتماد على مولدات الديزل أو تحمل درجات حرارة خانقة.
وفي منشور عفوي على فيسبوك، قال أحد العراقيين: "تحية كبيرة من القلب لأصحاب المولدات، الجنود المجهولين في أوقات انقطاع الكهرباء".
وقال عراقي آخر في منشور آخر: "أهل المولدات لكم منا فائق الشكر والامتنان، ويحفظكم ويحفظ عوائلكم".
ولا يمكن أن تخطئ عين أي زائر للعراق هذه المولدات، فهي تتواجد في كل الأماكن وباتت القاسم المشترك للمنازل والمحال التجارية والمطاعم، وسط تقديرات تشير إلى أن عددها تجاوز عتبة 4.5 مليون في جميع أنحاء البلاد.
الكهرباء.. أزمة مستمرة رغم الثروات
وتعد شبكة الكهرباء في العراق قديمة وتفقد ما بين 40% و50% من الطاقة المنتجة أثناء نقلها.
وتتفاقم الأزمة مع ارتفاع درجات الحرارة في الصيف والزيادة السكانية والاستخدام المتزايد لأجهزة التكييف، وكل ذلك يصعب على شبكة الكهرباء مواكبة الاحتياج، حيث تحتاج البلاد إلى ما بين 50 إلى 55 ألف ميغاواط خلال ساعات الذروة في ذروة الصيف.
ورغم ذلك، لا توفر الشبكة سوى حوالي 27 ألف ميغاواط.
ولا يزال سبب انقطاع التيار الكهربائي خلال الأيام الماضية غير واضح، رغم أن بعض المسؤولين يعزون ذلك بشكل ضمني إلى الطلب الزائد على الكهرباء في جنوب العراق.
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى في بيان: "نظرا لارتفاع درجات الحرارة لأرقام قياسية غير مسبوقة، وتنامي الطلب على الاستهلاك، وبسبب زيادة الأحمال الكهربائية في محافظتي بابل وكربلاء المقدسة التي تشهد زخماً مليونياً من الزائرين، فقد تعرض خطا نقل للطاقة إلى الانفصال، وخسرت الشبكة أكثر من ستة آلاف ميغاواط بشكل مفاجئ وعرضي".
وفي الأيام العادية، لا توفر محطات الطاقة الوطنية عادة سوى ما بين ثماني إلى 12 ساعة من الطاقة يوميا، ولهذا يضطر الكثير من العراقيين إلى شراء مولدات.
وقد استفاض معهد بيكر للسياسات العامة، ومقره جامعة رايس في تكساس، في الحديث كثيرا عن أزمة الكهرباء في تقرير نٌشر في يوليو/تموز الماضي.
وقال التقرير إن "عدم موثوقية الإمدادات من الشبكة الوطنية جعل من المولدات الخاصة جزءا حيويا، وإن كان إشكاليا، من منظومة الكهرباء في البلاد".
وأضاف التقرير أن "كل منزل أو مؤسسة تجارية يمتلك وصلة منفصلة — تُعرف باسم 'الخط' — إلى مولد كهربائي خاص قريب، يزود المنطقة المحيطة بالكهرباء عند انقطاع التيار من الشبكة الوطنية".
ويبيع مالكو المولدات الطاقة للسكان على أساس الاشتراك، بناء على عدد الأمبيرات التي تريدها الأسرة، وليس الكمية الفعلية للطاقة المستخدمة.
أزمة "الخط"
وتختلف الأسعار في جميع أنحاء البلاد، ولكن متوسط سعر الأمبير الواحد يبلغ حوالي 8.40 دولارات (7.21 يورو)، وفقاً لتقرير صدر في يناير/كانون الثاني في مجلة "الطاقات المتجددة".
وعلى وقع ذلك، يتعين على معظم الأسر دفع حوالي 100 دولار (86 يورو) شهريا مقابل الحصول على الكهرباء من المولدات الخاصة.
وأوضح خبراء معهد بيكر أنه يتم توصيل المنزل بالمولد عبر ما يُعرف بـ "قاطع الدائرة الأوتوماتيكي" الذي يوفر الكهرباء على أساس الأمبيرات.
وأضاف المعهد أن "هذا يعني أن القاطع سيفصل الكهرباء كلما تجاوز التيار الحد المتفق عليه، مما يؤدي إلى فصل الكهرباء تماما عن المستهلك".
وقد اعتاد معظم العراقيين على ذلك.
وفي هذا السياق، قالت خديجة العامري، طالبة في كلية الهندسة من جنوب بغداد، إنه "لا يمكن للمولدات أن تشغل الكثير من الأجهزة في آن واحد، فضلا عن زيادة التكلفة".
وقالت فاطمة محمود، وهي معلمة في عامها الخمسين ومن البصرة، إنها تضطر إلى "دفع حوالي 40 يورو شهريا لسداد قيمة الاشتراك الخاص بالمولد. للأسف، إنه يوفر الكهرباء لتشغيل الثلاجة والتلفزيون والمراوح والإضاءة. لا يوجد مكيف هواء".
وخلصت دراسات سابقة حول تجارة المولدات الكهربائية غير الخاضعة للرقابة الحكومية إلى أن العوائل العراقية قد تنفق أكثر من 4 مليارات دولار سنويا.
وترتبط هذه التجارة المربحة بشخصيات سياسية وأخرى تابعة للميليشيات فيما يُطلق عليه "مافيا المولدات".
المولدات.. الخيار الوحيد والمتاح
ويعكس حديث العراقيين حالة السخط الشعبي مع تفاقم أزمة انقطاع الكهرباء بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارةإلى ما يتجاوز عتبة الـ 50 درجة مئوية.
وفي مقابلة مع DW، قال الشاب العراقي البالغ من العمر 35 عاما، مرتضى سعد، إنه بعد عودته من العمل في الظهيرة، تفاجأ بانقطاع الكهرباء عن منزله في البصرة.
وأضاف: "أجبرني انقطاع الكهرباء على مغادرة المنزل بسرعة بحثا عن مكان أهرب إليه"، مشيرا إلى أنه يدفع حوالي 66 يورو شهريا مقابل كهرباء المولدات.
وقال إن الأمر ليس كافيا لتشغيل مكيف الهواء، ما دفعه إلى الذهاب إلى مقهى مجاور كي يتمتع بالتكييف.
وأضاف "قررتُ العودة إلى المنزل منهكا، لأجد الشوارع شبه خالية والمنازل غارقة في الظلام، كما لو كانت البصرةمدينة أشباح. لقد جلستُ في سيارتي، أشغل مكيف الهواء حتى التاسعة مساءً، ثم حاولت البحث عن مقهى أو مطعم آخر، لأكتشف أنها جميعها مكتظة بالعائلات".
وأشار إلى ازدحام وسط البصرة بسبب أن الجميع يبحث عن مكان مكيف للاحتماء من الحرارةالشديدة.
وفي الغالب، تمتلك الفنادق والمطاعم الكبرى مولدات ديزل أكبر حجما من مولدات البنزين التي تعتمد عليها بعض الأسر العراقية.
وقال محمد بشير، الطالب الجامعي ذو الحادي والعشرين ربيعا، إنه "عندما ينقطع التيار الكهربائي، فإنه يبحث عن البنزين لتشغيل مولدنا المنزلي الصغير، لكن حتى العثور على الوقود أصبح صعبا، إذ سارع السكان المذعورون إلى شراء جميع الإمدادات".
وأضاف أنه تمكن في نهاية المطاف من شراء لترين من الوقود، ما يكفي بالكاد لتشغيل مروحة عائلته لفترة قصيرة.
المولدات... ضريبة التلوث
ورغم أن المولدات الخاصة قد تحل أزمة الكهرباء في العراقوربما تنقذ الأرواح، إلا أنها لا تمثل الحل السحري.
ويحذر خبراء من أن هذه المولدات تحمل في طياتها تكلفة ثقيلة على البيئة بسبب انبعاث ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات ومياه الصرف الصحي القذرة والاستهلاك الكبير للمياه، فضلا عن الضوضاء.
وقال تقرير معهد بيكر إن هذه المولدات "تشكل مخاطر جسيمة على الصحة العامة والبيئة بسبب الضوضاء الشديدة وتلوث الهواء".
ويقول الخبراء إن الأمر يشبه حلقة مفرغة؛ فمع تسببها في تلوث البيئة، فإن المولدات تسهم أيضا في تفاقم ظاهرة تغير المناخ، مما يزيد من حاجة العراقيين إليها.
وتحكي الطالبة خديجة العامري عن قصة جارتها التي اضطرت عائلتها إلى الانتقال إلى منزل آخر بسبب وجود مولد كهربائي قرب المنزل السابق.
وقالت: "كانت أسرة جارتي تتألف من أطفال صغار. وكان منزلها يهتز بسبب اهتزازات المولد. الحمد لله، يبعد [المولد] مسافة شارع تقريباً عن منزلنا.. نسمع ضجيجه، لكنه لا يزعجنا في الغالب".
أعده للعربية: محمد فرحان
تحرير: عبده جميل المخلافي