تكليف الجيش الألماني بمهام داخلية بين الرفض والترحيب
نينا فركهويزر/ خ.س٢ أغسطس ٢٠١٦
يعتزم كل من الجيش الألماني والشرطة الألمانية القيام بتدريبات مشتركة للاستعداد لمواجهة سيناريوهات إرهابية كبيرة. تتعرض هذه الخطوة للانتقاد، إذ يعتقد البعض أن الأمن الداخلي ليس من مهمة الجيش، بل من مهام الشرطة وحدها.
إعلان
ماذا لو تعرضت ألمانيا لهجمات إرهابية شرسة في عدة أماكن وفي نفس الوقت؟ من هي الجهات الحكومية التي يمكن أن تساعد الشرطة في التصدي لهذه الهجمات وحفظ الأمن؟ لهذا الغرض عرضت وزيرة الدفاع الألمانية، أورزولا فون دير لاين، أن يسرع الجيش إلى مؤازرة الشرطة. ويسمح الدستور الألماني بذلك، وحتى وإن كان حفظ الأمن الداخلي، في الواقع، مهمة الشرطة وحدها. لم تجرِ الشرطة والجيش أي تدريبات مشتركة لمواجهة سيناريو عمليات إرهابية. واقتصرت مساهمة الجيش في عمليات داخل البلاد-حتى الآن- على المساعدة في حال حدوث كوارث طبيعية.
تدريبات مشتركة على حالات الطوارئ
بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة التي استهدفت ألمانيا وجارتها فرنسا، يعود سيناريو تعرض ألمانيا لهجمات إرهابية كبيرة إلى الواجهة. ووضعت وزيرة الدفاع وقيادات شرطة عدة ولايات ألمانية خطة للقيام بأول تدريبات مشتركة على مستوى القيادات العليا في الجيش والشرطة. "في حالة الطوارئ يجب أن يكون هناك سلسلة متصلة للإنذار"، تقول وزيرة الدفاع فون دير لاين في مقابلة صحفية. وتضيف أنه من الأفضل الاستعداد للهجمات الإرهابية على أن نسمع بعد حدوث هذه الهجمات أنه لم يجري الاستعداد لمواجهتها.
وترى المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، الأمر بنفس العين: "الآن هو الوقت المناسب للقيام بتدريبات لمواجهة سيناريو هجمات إرهابية كبيرة. ويسمح القانون الدستوري بهذا الأمر، بشرط أن يتم تحت قيادة الشرطة وبمشاركة من الجيش"، حسب ما صرحت به المستشارة في مؤتمر صحفي الأسبوع الفائت.
المساعدة في حال حدوث "كارثة خطيرة للغاية"
ومن المنتظر أن يقرر وزراء داخلية الولايات الألمانية في مؤتمرهم القادم بالضبط محتوى التدريبات ومكانها. وقد أعلنت ثلاثة ولايات ألمانية، وهي سارلاند وسكسونيا أنهالت وبادن فورتمبورغ، عن نيتها المشاركة في هذه التدريبات المشتركة.
وتنظم المادة 35 من "القانون الأساسي" (الدستور الألماني) والمسماة "المساندة القانونية والوظيفية: المساعدة في حالة الكوارث" هذا الأمر. وحسب المادة فإن الشرطة هي من تقرر في حالات الطوارئ المهام التي ستسندها للجيش وتقوم الشرطة بقيادة العمليات أيضاً. واستناداً إلى نفس المادة يمكن للولايات الألمانية وللحكومة الاتحادية في حالة الكوارث الطبيعية أو في حال "كارثة خطيرة للغاية" طلب مساعدة القوات المسلحة الألمانية.
ويستند "الكتاب الأبيض"، الذي يعتبر بمثابة بوصلة الجيش الألماني الحالية في القضايا الأمنية- السياسية، على نفس المادة المذكورة من الدستور الألماني. وورد في الكتاب الأبيض: "الهجمات الإرهابية الكبيرة تندرج في عداد الكوارث الخطيرة للغاية". و"تحت شروط دقيقة للغاية" يمكن أن يأخذ الجيش على عاتقه مهام سيادية، والتي هي في الأصل من مهام الشرطة.
"تصويت لسحب الثقة من الشرطة الألمانية"
من جانبه، كرر الحزب الاشتراكي الديمقراطي معارضته لهذه الخطوة. ويخشى الخبير في الشؤون الدفاعية، راينر أرنولد، أن يكون حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الشريكان للحزب الاشتراكي الديمقراطي في الائتلاف الحاكم قد عقدا العزم على خفض عتبة وشروط مشاركة الجيش الألماني في عمليات داخل البلاد. وحسب ما يرى الخبير لم يكن من الضروري خطوة وزيرة الدفاع بوضع ما يقارب مئة عنصر من الشرطة العسكرية والوحدات الطبية في حالة التأهب خلال الهجوم على مركز تجاري في ميونخ في 22 يوليو/ تموز الماضي. وينوي الخبير والسياسي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، راينر أرنولد، إثارة الموضوع في لجنة الشؤون الدفاعية في البرلمان الاتحادي الألماني (بوندستاغ).
من جانبه، أكد رئيس حزب الخضر، جيم أوزدمير، أنه إذا كان هناك حاجة للمزيد من عناصر الشرطة، فيجب فتح باب الانتساب لجهاز الشرطة. ويُقيم أوزدمير الحديث عن تكليف الجيش بمهام داخل البلاد بأنه "تصويت لسحب الثقة" من الشرطة. وفي جانب متصل، قررت حكومة ولاية بافاريا مباشرة بعد هجومي أنسباخ وفورتسبورغ توظيف 2000 عنصر جديد في جهاز الشرطة.
كما طالب حزب اليسار، أيضاً، وزيرة الدفاع بالكف عن خطتها والتوقف عن "تفكيك مبادئ الدستور". وقالت عضو البرلمان والمتحدثة في الشؤون السياسية الداخلية في كتلة حزب اليسار في البرلمان الاتحادي، أولى يلبكي: "يجب الكف عن طمس الخط الفاصل بين مهام الشرطة ومهام الجيش الألماني".
صدمة وحزن وخوف وإرهاب... أسبوع دام في ألمانيا
شهدت ألمانيا خلال أسبوع واحد فقط عمليات قتل وترهيب وهجمات إرهابية، ثلاثة منها نفذها لاجئون قدموا إليها حديثا، واثنان منهما تبناهما تنظيم "داعش". جولة مصورة توثق أسبوعا من الإرهاب والحزن والخوف في عدة مدن ألمانية.
صورة من: Getty Images/J. Simon
لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!
صورة من: GGetty Images/AFP/C. Stache
بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Hildenbrand
وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.
صورة من: picture-alliance/dpa/Amak
وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Schmidt
لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وفيما تشير التحريات الأولى إلى ضلوع "داعش" في العملية التي نفذها اللاجئ السوري الذي فجر نفسه ليل الأحد الاثنين في بلدة أنسباخ الألمانية، يبقى من المؤكد أنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أنه تحول إلى مهرجان للموسيقى جاءه زوار من كل حدب وصوب. ولولا أن رجال الأمن منعوه من الدخول، ويقوم بتفجير نفسه عندها، لكانت الحصيلة أثقل بكثير.
صورة من: DW/N.Niebergall
يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية - التي شهدت ثلاث عمليات قتل وترهيب من إجمالي أربع عمليات خلال أسبوع واحد - يقول إن الهجمات الأخيرة أثارت تساؤلات بشأن قانون اللجوء الألماني والأمن في مختلف أرجاء البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وإن لم يصدر أي تعليق بعد عن المستشارة الألمانية أو وزير داخليتها بشأن عزمهما تشديد قانون اللجوء الذي قدم بموجبه العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، أغلبيتهم من السوريين، إلا أن المخاوف الأمنية تبقى قائمة، حيث كثفت الشرطة من تواجدها في كل المرافق العامة الحساسة. ولكن الأكيد أن ما حدث في ألمانيا خلال أسبوع، لن يمّحي من ذاكرة العديد من الناس.. أملا في ألاّ يستغلها اليمنيون المتطرفون لصالحهم!