تهديد ترامب لإيران.. تمهيد لعمل عسكري أم مجرد ضغوط تفاوضية؟
٢٢ مارس ٢٠٢٥
طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران بالتوقف عن دعم حليفتها في اليمن جماعة أنصار الله الحوثيين. وقال على منصة "تروث سوشيال" إنَّ كل طلقة يطلقها الحوثيون سينطر إليها من الآن فصاعدًا على أنَّها "خرجت من أسلحة إيرانية وبقيادة إيرانية".
أما إيران فتنفي دائمًا أنَّ لديها أي تأثير على الحوثيين. بينما يتفق الخبراء على أنَّ المسلحيين الشيعة في اليمن يُعدّون من بين أذرع إيران والجماعات التابعة، التي تقاوم النفوذ الأمريكي في المنطقة، بحسب رأي قادة جمهورية إيران الإسلامية. "يعد المتمردون الحوثيون - إلى جانب الجماعات الموالية لإيران في العراق - من آخر أذرع إيران النشطة في المنطقة"، كما قال حوار مع DW خبير الشؤون الإيرانية حميد رضا عزيزي، وهو باحث في مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية (SWP) في برلين.
"استنادًا إلى المحادثات التي أتابعها في إيران، يبدو أنَّ بعض أصحاب القرار في طهران كانوا يعتقدون حتى الآن أنَّ الحوثيين يجب عليهم الرد بحزم على أي هجوم أمريكي وعدم إظهار أي ضعف. وهزيمة الحوثيين العسكرية تمثّل في نظرهم خسارة طهران ثقلها الاستراتيجي المضاد مقابل الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الممكن أن تكون الخطوة التالية هجومًا مباشرًا على إيران"، كما قال حميد رضا عزيزي.
وردا على تهديدات ترامب قال وزير خارجية عباس عراقجي على منصة إكس، إن الولايات المتحدة "ليس لها الحق في إملاء" سياسة إيران الخارجية. بدوره، حذّر قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي من أن طهران ستردّ على أي هجوم قد تتعرض له.
استأنف الجيش الأمريكي منذ يوم السبت 15 آذار/مارس مهاجمة أهداف للحوثيين بأوامر من ترامب. يسيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء وغيرها من المناطق المهمة. وقد أعلن الحوثيون قبل أيام قليلة استئناف هجماتهم على سفن الشحن والحاويات في البحر الأحمر، بزعم "التضامن" قطاع غزة. واليمن تقع على مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 27 كيلومترًا ويربط البحر الأحمر بخليج عدن.
مفاوضات أم تصعيد؟
ويبدو أنَّ القيادة الإيرانية تدرك أيضًا مدى خطورة الوضع حاليًا. وحتى الآن لم تستبعد طهران إمكانية إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبين البلدين لا توجد علاقات دبلوماسية منذ عام 1980. وقد أكد الرئيس الأمريكي ترامب في بداية آذار/مارس على أنَّه أرسل رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وهدفه هو منع إيران من الاستمرار في تطوير أسلحة نووية. وفي حوار مع شبكة فوكس بيزنس الأمريكية، قال ترامب إنَّ إيران أمامها "احتمالين: العمل العسكري أو الحل التفاوضي". وأضاف أنَّه شرح هذه الرسالة للقيادة الإيرانية في خطابه المرسل إلى خامنئي.
وحتى الآن لم ترُد طهران رسميًا على رسالة ترامب، بل أكدت فقط وصول الرسالة. وفي هذا الصدد قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إنَّ محتوى الرسالة ما يزال قيد البحث والدراسة. وفي مؤتمر صحفي عقد يوم الأحد (16 آدار/مارس)، ذكر إسماعيل بقائي أنَّ طهران لا تخطط حاليًا لنشر الرسالة.
وحول هذه الرسالة قال خبير الشؤون الإيرانية حميد رضا عزيزي: "لا نعرف بالضبط ما المكتوب في الرسالة. بيد أنَّ الإشارات الواردة من طهران متناقضة". وبينما يستمر خامنئي في رفض المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، يبدو أنَّ طهران تريد إبقاء الباب مفتوحًا للمفاوضات غير المباشرة، بحسب تعبير حميد رضا عزيزي.
ومثلًا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أعلن في بداية آذار/مارس في حوار مع صحيفة محلية أنَّ إيران تدرس قنوات التفاوض المحتملة غير المباشرة مع واشنطن، بحسب حميد رضا عزيزي: "يبدو أن إيران قلقة من وضع إدارة ترامب شروط مسبقة محتملة لإجراء مثل هذه المحادثات". وواشنطن قد تطلب من طهران وقف دعمها للميليشيات الإقليمية أو إيقاف برنامجها الصاروخي. وهاتان نقطتان تعتبرهما إيران غير قابلتين للتفاوض.
ويقول حميد رضا عزيزي: "أعتقد أنَّ إيران تريد إجراء محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن من دون أية شروط مسبقة. وضمن هذا السياق، يجب أيضًا التأكيد على أهمية الاجتماع الثلاثي بين إيران والصين وروسيا. وطهران تريد ضمان دعم كل من روسيا والصين من أجل حصر المحادثات في برنامجها النووي، والإشارة في الوقت نفسه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأنَّ لديها شركاء بديلين".
وفي الأسبوع الماضي، التقى في بكين دبلوماسيون رفيعو المستوى من إيران وروسيا والصين. موسكو وبكين تدعمان إيران بشكل ملحوظ. وقد وصفتا العقوبات الغربية المفروضة على طهران بأنَّها "غير قانونية" وطالبتا بجهود دبلوماسية قوية من أجل حل النزاع حول البرنامج النووي الإيراني.
لقد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية خلال رئاسة دونالد ترامب السابقة بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران في عام 2018. وبعد عام من الانسحاب الأمريكية، بدأت إيران بتوسيع أبحاثها النووية تدريجيًا. واليوم باتت إيران أقرب إلى صنع قنبلة ذرية من أي وقت مضى، حسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تحذير من التسلح النووي
وبحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فقد زادت إيران نسبة تخصيب اليورانيوم المخصب لديها إلى مستويات خطيرة. وبهذا فقد أصبح الاستخدام العسكري ممكنًا. وحول ذلك قال في بداية آذار/مارس رافائيل غروسي، رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية موضحًا: "إيران هي الدولة الوحيدة غير النووية التي تُخصِّب اليورانيوم إلى هذا الحد. وهذا يقلقني كثيرًا".
ومن جانبها تؤكد طهران رسميًا أنَّ برنامجها النووي مخصص فقط لأغراض سلمية. ومع ذلك فقد صدرت في الأشهر الماضية تصريحات متناقضة من قبل السياسيين الإيرانيين. ففي حين طالب البعض بتعديل السياسة النووية، أشار آخرون إلى إمكانية تطوير أسلحة نووية.
"تراهن إيران منذ نهاية رئاسة حسن روحاني في عام 2021 وبشكل متزايد على التهديدات واستخدام برنامجها النووي كوسيلة ضغط"، كما قال في حوار مع DW بهروز بيات، وهو مستشار سابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية:
"وإذا واصلت استخدام هذه الاستراتيجية، فمن الممكن حدوث تصعيد إضافي. بيد أنَّ مثل هذه الخطوة ستكون في غاية الخطورة. ولكنها غير مستبعدة تمامًا"، كما يتوقع بهروز بيات. ويضيف أنَّ الأسابيع القادمة ستكون حاسمة؛ وسواء كان رد طهران مفاوضات أم مواجهة فستكون له تداعيات خطيرة على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
أعده للعربية: رائد الباش