توجه جديد في ألمانيا: الاستعارة بدلا من التملّك
١٢ يوليو ٢٠١٣"الإعارة والاستعارة كانت دائما موجودة" تقول تيله فيلكينغ. وهي ليست مخطئة في ذلك، فمنذ القِدم تجد أناسا يعيرون سياراتهم أو بعض المعدات والأجهزة المنزلية إلى جيرانهم. ولكن في الوقت الحالي أخذت الإعارة نطاقا أوسع ووجوها متعددة، حيث لم يعد ضروريا أن يكون المعير على معرفة بالمستعير.
تيلكه فيلكنينغ قامت مع صديقتها بولا فيندل بتأسيس محل لإعارة الملابس في مدينة هامبورغ. ويشمل المحل ملابس مصممين غالية وملابس مستعملة من شتى الأنواع. وحتى جدة تيلكه ساهمت هي الأخرى ببعض ملابسها الخاصة في هذا المشروع الفريد. والهدف من ذلك على حد تعبير الطالبة الألمانية هو: "خلق ما يشبه مكتبة للملابس"، حيث يمكن للزبائن تجريب الملابس واكتشاف ما يناسبهم منها. وعلى الراغبين باستعارة الملابس دفع اشتراك شهري قدره 19 يورو، وهو ما يسمح لهم باستعارة أربع قطع من الملابس لمدة أسبوعين.
تجنب عناء الشراء
منذ تأسيس المحل في حي سانت باولي في هامبورغ وعدد الزبائن من النساء في تزايد مستمر. وغالبيتهن من الطالبات اللواتي يبحثن عن المشورة في ما يخص الأزياء المناسبة لهن. ولكن حتى العديد من سيدات الأعمال الناجحات والفنانات يقصدن المحل، خاصة وأن هذه الفئة تشعر أيضا بعناء كبير عند شراء ملابس جديدة، على حد تعبير تيلكه.
وحتى الشابتان المؤسستان لمحل إعارة الملابس كانتا تشعران بعناء وعبء كبيرين عند كل مرة يشترين فيه ملابس جديدة. وهو ما كن يعتبرنه أيضا مضيعة للمال والوقت.
وهذا ما يشاطره أيضا نيكولاي فولفرت، مؤسس محل "ليلى" وهو أول محل إعارة في برلين. وبعد ما يقرب من عام، أصبح لـمحل "ليلى" نحو 300 مشتركا. وفكرة هذا المشروع هي فسح المجال للمشاركين لإعارة بعض أغراضهم واستعارة أشياء أخرى مقابل ذلك. أما رسوم الاشتراك فتبقى طوعية، ولكنها تكفي حتى الآن لتغطية مصاريف الإيجار.
استهلاك بديل ووعي جديد
هدف فولفرت من هذا المشروع ليس تحقيق الربح فقط، بل خلق وعي جديد والتعريف بمزايا الملكية المشتركة وتعزيز التضامن الاجتماعي. وفي هذا الصدد يقول فولفرت: "هذه الطريقة توفر المال والمساحة ويمكن للمرء الحصول على الأشياء عند الحاجة إليها فقط واستخدامها بشكل عقلاني". ويسعى فولفرت من خلال ذلك أيضا إلى بناء جسر بين التبادل الاقتصادي والاجتماعي. وزبائنه لا يأتون للمحل من أجل الاستعارة فقط، بل من أجل التعارف أيضا.
تغير صورة الاستعارة
عرفت ألمانيا في العقود الأخيرة تحولات في مجالات عديدة، فقضاء العطلة في منزل تعود ملكيته لشخص آخر كان أمرا مستهجنا ومؤشرا على فقدان المكانة الاجتماعية. وهو ما كان ينطبق أيضا على الاستعارة. ولكن اليوم أصبح للإعارة معنى جديدا كما يؤكد البروفيسور بيتر فيبرمان، الباحث في توجهات المجتمع وتحولات أنماط الاستهلاك: "بات الناس يعتبرون أنه من الذكاء معرفة كيفية تنظيم أمور حياتهم من أجل الاستفادة من عدة أشياء دون الحاجة إلى إنفاق المزيد من المال".
وهكذا يكون المستعير، على حد تعبيره، مواكبا لروح العصر. وهو ما ينطبق بشكل خاص على الشباب في المدن الكبرى: "فالشباب هم الأكثر استفادة من هذا التوجه الجديد، الذي يسمح لهم بتجريب العديد من الملابس والأشياء دون الحاجة لشرائها. وخاصة إذا أخذنا التطور التكنولوجي بعين الاعتبار". ولهذا فإن التوجه الجديد حسب فيبرمان، يعطي فرصة للشبان لامتلاك وتجريب عدة أشياء وتوفير المال لاقتناء حاجيات أخرى.
" التواضع الذكي"
ويشاطر ميشائيل مينيس مؤسس موقع "tamyca.de" لإعارة السيارات هذا الرأي أيضا ويقول: "الأشخاص الأصغر سنا يهتمون أكثر بامتلاك هاتف ذكي أو السفر إلى بلدان أخرى".
وهكذا أصبحت الإعارة توجها جديدا ينتشر بوتيرة سريعة بين صفوف الشباب. ولكن فيبرمان يؤكد على أن "هذا التوجه الجديد سيصل إلى فئات أخرى داخل المجتمع أيضا".
فالجمع بين التبادل الاجتماعي والاقتصادي يبقى من أهم مزايا الاستعارة. وهو ما سيساهم في تغيير نمط الاستهلاك السائد في عدة دول. وأما محل تيلكه لإعارة الملابس فيبقى جزءا من هذا التغيير الذي تصفه الطالبة الألمانية بـ "التواضع الذكي".