1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تونس تتلمس فرص الاستثمار للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة

٢٥ يونيو ٢٠٢٢

وسط أزمة سياسية حادة تعيش تونس أيضا أزمة اقتصادية خانقة تضافرت في صنعها عوامل داخلية وخارجية. خبراء يتحدثون لـ DW عربية على هامش منتدى الاستثمار في تونس عن مدى عمق الأزمة وخلفياتها وكيفية الخروج من عنق الزجاجة؟

الرئيس التونسي قيس سعيد في استقبال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي (23/6/222)
الرئيس التونسي قيس سعيد في استقبال جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدوليصورة من: Tunisian presidency

 

لخص الرئيس التونسي قيس سعيد رؤيته لمستقبل الحكم في تونس و"الفكر الجديد" الذي كثيرا ما سوق له منذ صعوده الى السلطة عام 2019، بقوله إن ما قدمه مونتسكيو ليس وحي من الله، في إشارة إلى الفيلسوف والقاضي الفرنسي صاحب نظرية فصل السلطات مونتسكيو.

أما الهدف المعلن من وراء التبويب المبتكر في مسودة الدستور الجديد كما ذكره رجل القانون المخضرم الصادق بلعيد رئيس لجنة صياغة الدستور ومدرس الرئيس قيس سعيد، هو مراجعة السلطة للأولويات عبر منح اهتمام أكبر لمشاغل التونسيين لتحسين ظروف العيش، وخلق الثروة ودفع التنمية والاستثمار.

وعبر تلك الأولويات يسوق واضعو السياسات الجديدة في تونس بأنهم يتطلعون إلى إعادة رسم البلاد على خارطة الاستثمار حتى تعود إلى صورتها كنقطة جاذبة لأصحاب المشاريع الطموحة. غير أن التحديات الكثيرة على أرض الواقع وفي بلد يشهد نسب عالية لهجرة الشباب الى الخارج، تجعل هذا الهدف على المحك بسبب الكثير من العوامل الموضوعية.

انتعاش ظرفي مخادع

يشير شكيب بن مصطفى عضو المكتب التنفيذي لمنظمة "كونفدرالية مؤسسات المواطنة" (كونكت) الممثلة لرجال أعمال من القطاع الخاص ورئيس المجمع المهني للمستشارين بالمنظمة، أن كل الظروف اجتمعت طوال العقد الأخير لتساهم في انحدار الإنتاج الصناعي في قطاع يضم اليوم نحو خمة آلاف مؤسسة بتونس، من بينها تضرر المناخ والامتيازات الضريبية الموجهة للشركات والتعقيدات الإدارية، ليقتصر المنحى الأكثر للاستثمارات في التجارة وقطاع الخدمات الخفيفة.

عز الدين زيدان الخبير في شؤون الاقتصاد صورة من: Riadh Sahli

وتشير البيانات الرسمية الى صعود  نسبة الاستشمار الأجنبي المباشر في تونس  في الربع الأول من 2022 بنسبة 73 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق ولكنها أقل بنسبة 2 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، أي قبل ظهور جائحة كورونا.

ويمكن ملاحظة الزيادة الكبيرة في عائدات قطاع الخدمات مثلا مع نهاية شهر آذار/مارس حيث بلغت أكثر من 271 مليون دينار بينما لم تتخط 3ر38 مليون دينار في نفس الفترة من عام 2021.

مع ذلك يحتفظ بن مصطفى في حديثه مع DW عربية ببارقة أمل بعد إعلان حكومة نجلاء بودن المنصبة من قبل الرئيس بعد فرضه التدابير الاستثنائية في البلاد في تموز/يوليو 2021، عن إجراءات عاجلة ضمت 42 نقطة لإنعاش الاستثمار. ويضيف بن مصطفى "هي خطوة تحتاج الى دعم الشركاء الاجتماعيين. نحن الآن لسنا في وضع كارثي. هناك جهود جماعية للخروج من الوضع الحالي، يجب أن نضع اليد في اليد. لن ننهض في عام واحد سنحتاج الى 10 سنوات على الأقل والى معدل نمو لا يقل عن 5 أو 6 بالمئة سنويا".

ويعتقد العضو في منظمة "كونكت" أن هناك ما يبرر التطلع لوضع مشرق في مجال الاستثمارات في 

ظل الانتعاش النسبي والمفاجئ الذي تحقق في عام 2022،  ليس بسبب تحسن مناخ الأعمال ولكن بسبب المنافع غير المباشرة التي قدمتها جائحة كورونا ومن بعدها حرب أوكرانيا لمجال الاستثمار.

ويستدل بن مصطفى في هذه النقطة بالطفرة الظرفية التي شهدتها أنشطة الشركات المناولة لإنتاج قطع غيار السيارات والكابلات في منطقة شمال إفريقيا ومن بينها تونس لحساب المؤسسات العالمية المصنعة، حيث مثلت هذه الشركات حبل النجاة لتعويض إنتاج الشركات المتضررة في أوكرانيا، وبالنتيجة مكن هذا الوضع من التوسع في الاستثمارات بتونس في قطاعات محددة وزيادة أعداد العمال.

وبالمثل انتعش أيضا قطاع النسيج المتعثر منذ سنوات للأسباب ذاتها في حين دفع تضاعف كلفة النقل الدولي بنحو ثلاثة أضعاف، الشركات الأوروبية للالتفات الى نقاط أكثر قربا من السوق الأوروبية، وتونس كانت البديل المناسب.

مزايا ثابتة وقدرات تنافسية

توجد في تونس 3700 مؤسسة أجنبية بحجم استثمار يعادل 4ر29 مليار دينار تونسي وبطاقة تشغيل تفوق 416 ألف فرصة عمل في عدة قطاعات تشمل بالخصوص مكونات السيارات والقطاع الرقمي والصناعات الغذائية، والصيدلية والخدمات وغيرها.

وعلى الرغم من الوضع الاقتصادي الدقيق والتوتر الاجتماعي في الظرف الحالي، يعتقد المسؤولون في تونس  إن البلاد لا تزال تحتفظ بنقاط قوة تجعلها تتمتع بقدرة تنافسية عالية في شمال افريقيا، وهو ما يشدد عليه مدير وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي عبد الباسط الغانمي في حديثه مع DW عربية.

ومن بين تلك المزايا الثابتة حسب المسؤول، موقع تونس الجغرافي على ضفاف المتوسط وعلى مرمى حجر من السواحل والمطارات الأوروبية ما يجعلها خيار حاسم في مقابل الوجهة الصينية مثلا ذات الكلفة العالية للنقل، فضلا على توفرها على يد عاملة مدربة وذات كفاءة مميزة وبكلفة أقل مما هو متوفر داخل الاتحاد الأوروبي.

سمير سعيد، وزير الاقتصاد والتخطيط التونسيصورة من: Riadh Sahli

ولا يزال الاتحاد الأوروبي يتصدر بالفعل قائمة المستثمرين الأجانب ما يجعله الشريك الاقتصادي الأول لتونس، لكن بحجم استثمار متباين بين دوله، إذ تأتي فرنسا في المرتبة الأولى بـ1504 مؤسسة ثم إيطاليا بـ910 مؤسسة وألمانيا بـ284 مؤسسة وبلجيكا بـ209 مؤسسة.

لكن الحفاظ على المزايا يتوقف بدرجة أولى على توفر شرط البنى التحتية الملائمة ما يعني تعزيز دور الدولة وهي من بين الأفكار التي تتردد في حكم الرئيس قيس سعيد. ويوضح الغانمي لـDW عربية "هناك إشكاليات نسعى لمعالجتها من أجل استعادة ثقة المستثمر وتحسين مناخ الاستثمار من بينها العوائق الإدارية والقوانين الحالية التي تمنع عمل الشركات في ظروف أحسن. ثمة حوافز ضريبية ومالية بحسب القطاعات ولا سيما للاستثمار في المناطق الداخلية".

ويبرز التحدي الاول للحكومة التونسية في كيفية تحريك المشاريع العمومية الكبرى

المعطلة منذ سنوات بسبب شح السيولة والأزمات السياسية المتلاحقة، ولا سيما في قطاع الطاقات المتجددة مع إعلان الدولة عن هدفها بتوفير 15 بالمئة من احتياجات البلاد الطاقية من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030.

ويقول مدير وكالة النهوض بالاستثمار "الدولة يجب أن تستعيد القيادة في إدارة الشأن الاقتصادي من خلال الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية والبنى التحتية واتخاذ إجراءات لتسهيل أنشطة القطاع الخاص".

لكن المراجعات في مجال الاستثمار لا يمكن فصلها عن الإصلاحات العميقة التي تسعى الحكومة التونسية الى التقيد بها من أجل إنجاح مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي حول برنامج إقراض يقدر بـ4 مليار دولار هي في أمس الحاجة إليه لمعالجة الأزمة الحادة للمالية العمومية.

إصلاحات: مراجعة الدعم والترفيع التدريجي للأسعار

وبرغم ترحيب صندوق النقد بالخطوات المعلنة من قبل الحكومة في مجالات حساسة مثل نظام الدعم وإصلاح الشركات العمومية والتحكم في كتلة الأجور الضخمة، إلا أن تحفظ النقابة الأكبر في البلاد وذات النفوذ القوي،  الاتحاد العام التونسي للشغل ، على لائحة الإصلاحات يلقي بشكوك على فرص نجاح الاتفاق مع الصندوق، والذي اشترط مسبقا توافقا بين الحكومة وباقي الشركاء الاجتماعيين.

جانب من منتدى الاستثمار في تونس في دورته العشرينصورة من: Riadh Sahli

وفي حديثه مع DW عربية يشدد وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد على أهمية الإصلاحات من أجل استدامة المالية العمومية من بينها إصلاح الشركات العمومية وقطاع الوظيفة العمومية والنظام الضريبي حتى يكون أكثر عدالة وإنصافا بين التونسيين، ومراجعة نظام الدعم حتى يذهب الى مستحقيه من ذوي الدخل الضعيف، وهذه من بين النقاط الخلافية الأساسية مع الاتحاد الذي يخشى مزيدا من تدهور القدرة الشرائية للتونسيين.

وفي شرحه لهذه النقطة يوضح سمير سعيد لـ DW ما ستقوم به الحكومة تحديدا ويقول "سنبدأ أولا بتقديم الدعم المالي المباشر للأفراد المستحقين للدعم، نحن بصدد تحديد قاعدة بياناتهم، وسنبدأ بالرفع التدريجي للأسعار. سيدفع هذا الى ترشيد الاستهلاك ويحد من التبذير لأن تهريب السلع المدعمة يتسبب في تكلفة باهضة جدا لا يمكن للمالية العمومية أن تتحمله".

وفي حين لا يزال موقف الاتحاد العام التونسي للشغل رفض مناقشة لائحة الإصلاحات المشروطة لصندوق النقد الدولي،   فإن وزير الاقتصاد أوضح لـDW أن "توجه الحكومة هو التوافق والعمل التشاركي"، مرحبا بمناقشة الاصلاحات مع اتحاد الشغل، ومنفتحا على اية اقتراحات أفضل "ونحن مستعدون للأخذ بها بعين الاعتبار".

ولكن بالعودة الى تجارب الحكومات السابقة منذ بدء الانتقال السياسي عام 2011 فإن التوافق أو من دونه، قد لا يكون شرطا كافيا لتطبيق فعلي للإصلاحات المعلنة، إذ مثلا تسبب عدم التزام تونس بتطبيق إصلاحات سابقة في اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي عام 2018 في حذف شريحة تقدر 1.2 مليار دولار من أصل 2.9 مليار دولار آنذاك.

ويعتقد الخبير الاقتصادي والمالي عز الدين سعيدان في تحليله لـDW  عربية أنه من الطبيعي أن تفرض هذه السوابق مخاوف مؤسسات الإقراض الدولية والمستثمر الأجنبي، وكان يتعين الانطلاق أولا بالإصلاحات العاجلة في مستوى ثلاثة محاور تشمل الوظيفة العمومية (أي كتلة الأجور)، وإصلاح نظام الدعم والمؤسسات العمومية قبل الدخول في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد.

شكوك وازمة ثقة

ويستدل سعيدان حول أزمة الثقة هذه بالمشاورات التقنية حول برنامج إقراض جديد بين الحكومة والصندوق والتي استمرت لوحدها قرابة 14 شهرا بينما لم يحدد بشكل واضح انطلاق موعد المفاوضات الرسمية بعد.

ومن ملامح التعثر وأزمة الثقة أنه على مدار سنوات منذ بدء الانتقال السياسي حاولت تونس عبر المؤتمرات التسويقية تحريك الاستثمار الأجنبي الذي هبط إلى ادنى مستوياته مقارنة بالسنة المرجعية عام 2010 ولكن الأرقام على الأرض لا تعكس المبادرات المعلنة.

مدير وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي عبد الباسط الغانمي صورة من: Riadh Sahli

وفي تقدير سعيدان تظل هذه المبادرات "عبثية" اذا لم تبادر الدولة نفسها الى تحريك الاستثمارات العمومية وهو أمر يمكن تلخيصه من خلال تراجع حجم التمويل العمومي المخصص للاستشمار من ربع موازنة عام 2010 الى نسبة لا تتعدى الـ3 بالمئة من موازنة 2020، وهو تراجع أرجعت الحكومة أسبابه الى تداعيات جائحة كورونا  التي ضربت أغلب القطاعات وتركت أثرا غير مسبوق على الاقتصاد التونسي بتسجيله انكماشا تاريخيا فاق 8 بالمئة.

ويستدرك سعيدان في بالقول "اذا استثمرت الدولة سيستثمر القطاع الداخلي الخاص ومن ثم سيأتي الاستثمار الأجنبي، ولكن اذا أحجمت الدولة عن ذلك فمن الصعب، بل من المستحيل تحقيق طفرة في الاستثمار الخارجي".

وبجانب تلك المعادلة ثمة عوامل موضوعية وفق الخبير، تعيق دوران عجلة الاستثمار ليس اقلها أهمية الجدل الدائر حول الدستور الجديد والوضع الاستثنائي منذ إعلان التدابير الاستثنائية في 2021 بجانب التراجع المستمر للتصنيف الائتماني للاقتصاد التونسي.

وفي حين يدعو صندوق النقد الدولي الى نقاش واسع بشأن الإصلاحات الاقتصادية فإن شركاء تونس في الخارج ومن بينهم الاتحاد الأوروبي يشددون على اطلاق حوار وطني يسبق من أجل التوافق على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والدستورية معا، وهي نقطة جرى التغافل عنها في الحوار الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيد قبل الاستفتاء على دستور جديد معتمدا على قاعدة "بمن حضر" في مرسوم منظم لهذا الحوار.

وشكك رئيس حزب "آفاق تونس" المعارض للاستفتاء والحوار الوطني، فاضل عبد الكافي الذي شغل منصب وزير للمالية وهو رجل أعمال وخبير اقتصادي، في نجاح برنامج الإصلاحات الذي عرضته الحكومة، مضيفا أن "آخر برنامج اقتصادي جيد عرفته تونس هو قانون أفريل 1972، لأنه شغّل مئات الألاف من التونسيين وجلب العملة الصعبة لتونس وجعل من تونس دولة صناعية.. ومنذ ذلك التاريخ لم تعرف تونس فكرة اقتصادية جيدة".

بعض الحضور في منتدى الاستثمار في تونسصورة من: Riadh Sahli

صندوق النقد يرحب وشرط ضمني

لكن هذا الرأي يتعارض مع ما أعلنه مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور في زيارته الأخيرة التونس، من ترحيب الصندوق ببرنامج الإصلاحات للحكومة التونسية، مضيفا أن الحاجة الى سرعة تنفيذ الإصلاحات الطموحة بات أكثر إلحاحا من أي وقت مضى من حيث أن فرص النجاح في تطبيقه.

وفي جرد للخطط المطلوبة حدد أزعور ما يتعين القيام به على نحو عاجل من قبل الحكومة التونسية، 

وهو التصدي للاختلالات في ماليتها العامة من خلال زيادة العدالة الضريبية، واحتواء فاتورة الأجور الكبيرة في جهاز الخدمة المدنية، وإحلال التحويلات الموجهة إلى الفقراء محل نظام الدعم المعمم، وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي، وإصلاح شركاتها الخاسرة المملوكة للدولة للحد سريعا من الاختلالات الاقتصادية الكبيرة وضمان استقرار الاقتصاد الكلي.

غير أن أزعور يؤكد في نفس الوقت من أن نجاح هذا البرنامج يتوقف ضمنا على التفاف جميع الأطراف المعنية حوله، وهو ما لا يمكن للمتابعين للأوضاع الداخلية في تونس ملامسته في هذه المرحلة على الأقل.

تونس-طارق القيزاني

 

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW