من المقرر أن تبدأ هذا الأسبوع جلسات محاكمة كبرى في تونس، يمثل فيها نحو 40 متهمًا بـ"التآمر على أمن الدولة". وتنتقد الأمم المتحدة هذه المحاكمة، فيما يرى مراقبون أن الغرض هو مواصلة ترهيب المعارضة.
الرئيس التونسي قيس سعيدصورة من: FETHI BELAID/AFP/Getty Images
إعلان
من المقرر أن تبدأ يوم الجمعة (11 نيسان/أبريل) في تونس جلسة الاستماع في محاكمة نحو 40 سياسيًا وصحفيًا ومحاميًا وممثلًا عن المجتمع المدني في تونس، متهمين بقضية "التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي" و "الانضمام إلى تنظيم إرهابي". ومن الممكن أن تصل عقوبة مثل هذه الجرائم في تونس إلى السجن لفترات طويلة، ونظريًا حتى إلى عقوبة الإعدام، على الرغم من أنَّها غير محتملة كثيرًا. علمًا بأنَّ عقوبة الإعدام لم تُنفَّذ في تونس منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، ولكن لم يتم إلغاؤها رسميًا.
وكذلك اتهم في هذه القضية أيضًا ناشطون وصحفيون وحتى فيلسوف فرنسي تتم محاكمته غيابيًا، هو برنارد هنري ليفي. وبعض المتهمين موجودون مثله في الخارج. وقد تم الإفراج مبكرًا عن بعض المتهمين من الإيقاف التحفظي.
احتجاج من أجل حرية الصحافة في تونس، آيار/مايو 2023 صورة من: Yassine Gaidi/AA/picture alliance
انتقادات من الأمم المتحدة
وكان من المقرر أن تبدأ هذه المحاكمة في آذار/مارس الماضي ولكن تم تأجيلها. لقد أعرب في بيان صحفي بمناسبة الإعلان عن هذه المحاكمة في شباط/فبراير المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، عن انتقاداته الشديدة لوضع حقوق الإنسان في تونس. وطالب السلطات التونسية بأن تضع حدًا "لأنماط الاعتقال والاحتجاز التعسفي والسجن التي يتعرض لها العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين والنشطاء والسياسيين". ويواجه الكثير من المتهمين "اتهامات فضفاضة وغامضة" يبدو أنَّها تستند فقط إلى استخدامهم حقوقهم وحرياتهم الأساسية.
ومن جانبها ردّت وزارة الخارجية التونسية بسرعة وبشكل قاطع على انتقادات الأمم المتحدة عبر صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك، حيث كتبت أنَّ هذه التهم "لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي والسياسي أو الإعلامي أو بممارسة حرية الرأي والتعبير"، وأنَّ تونس "ملتزمة بحماية حقوق الإنسان وسيادة القانون".
"مصادرة الإنجازات الديمقراطية"
ولكن من الواضح أنَّ بيان وزارة الخارجية غير مقنع للجميع - وحتى للموجودين في تونس نفسها. ويبدو أنَّ السلطات التونسية في عهد الرئيس قيس سعيد تستخدم منذ عدة سنوات الملاحقات القضائية التعسفية والإيقاف التحفظي كأدوات قمعية، كما قال في حوار مع DW بسام خواجة من منظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" في تونس.
العلم التونسي فوق مبنى قصر العدالة بتونس. يشكك الخبراء في قانونية المحاكمة الحالية لسياسيين ومحامين وناشطين في تونسصورة من: Thierry Monasse/dpa/picture alliance
وأضاف خواجة أنَّ الإنجازات الديمقراطية وكذلك خطوات التقدم في مجال حقوق الإنسان، التي تحققت منذ عام الثورة 2011، باتت تُصادر بشكل تدريجي، "وقضية التآمر حاليًا واحدة من أكثر الأنماط الدراماتيكية التي تستخدم بها الحكومة الوسائل القانونية ضد الخصوم والناشطين السياسيين"، كما قال خواجة، الذي يتابع المحاكمة في تونس لصالح "هيومن رايتس ووتش".
ويوجد حاليًا بحسب تحقيقات وتقييم منظمة "هيومن رايتس ووتش" نحو 50 شخصًا محتجزين رهن الإيقاف التحفظي لأسباب سياسية، كما قال خواجة: "الحكومة التونسية تضطهد على نحو متزايد المعارضين البارزين. وقد تخلت عن أي التزام بحقوق الإنسان".
لقد أصدر القضاء التونسي حتى قبل القضية الحالية أحكامًا قاسية في محاكمات أخرى. ومثلًا حكمت المحكمة في بداية شباط/فبراير على راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان السابق، بالسجن لمدة 22 عاما بتهمة "التجسس والتآمر على أمن الدولة".
مسائيةDW: بعد اعتقال نائب الغنوشي.. هل تتعقد أزمة تونس؟
22:03
This browser does not support the video element.
وفي هذا الصدد قال المستشار السياسي في حزب النهضة رياض الشعيبي إنَّه لا يتوقع في المحاكمة الجارية حاليًا وجود أية مرافعات في الجلسة الأولى. وأضاف أنَّ حزبه قدّم اعتراضًا على إجراءات المحاكمة الرسمية وطالب بالإفراج عن المحتجزين، "ولكن جميع الطلبات تم رفضها"، كما قال رياض الشعيبي لـDW: "نحن نطالب الآن بأن يتم اعتبار المحاكمة محاكمة سياسية - وليست محاكمة موجَّهة ضد الإرهابيين".
إعلان
نفوذ أوروبا محدود؟
وهذه المحاكمة تجري وسط مشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة في تونس. وبحسب بيانات خدمة المعلومات الاقتصادية الألمانية للتجارة والاستثمار (gtai) فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي في تونس لكل فرد 4267 دولارًا أمريكيًا (3908 يورو)، وبلغ الدين العام 83 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وكذلك بلغت نسبة البطالة عام 2023 بحسب الأرقام الرسمية 16.4 بالمائة - ومن المتوقع أن يكون الرقم غير الرسمي أعلى من ذلك بكثير.
حكم عليه في شباط/فبراير بالسجن 22 عامًا: راشد الغنوشي رئيس البرلمان السابق وزعيم حزب النهضة الإسلامي المعتدلصورة من: Hasan Mrad/DeFodi Images/picture alliance
وكثيرًا ما تشهد تونس إجراءات قاسية ضد المعارضين والناشطين. وحول ذلك تقول خبيرة الشؤون التونسية ماريا يوشوا من المعهد الألماني للدراسات العالمية والإقليمية (GIGA) في هامبورغ إنَّ هذه القضية في رأيها هي مناورة سياسية لصرف الانتباه بهدف تحقيق استقرار سياسي محلي. ومن خلالها تحاول الحكومة إخفاء مشكلات مثل التضخم والبطالة والفساد، كما تقول ماريا يوشوا، وتتحدث حول "رواية مؤامرة": "هذا يتعلق من ناحية بالتأكيد على السيادة الوطنية - ومن ناحية أخرى، بترهيب المعارضة وخنقها في مهدها".
وتقول ماريا يوشوا إنَّها تشك في إمكانية تدخل أوروبا من أجل سيادة القانون في تونس: "الاتحاد الأوروبي عقد طبعًا اتفاقية هجرة مع تونس. وبمعنى آخر: الاتحاد الأوروبي لديه مصالح محددة لا يمكنه تحقيقها إلا بالتعاون مع الحكومة التونسية". والحكومة التونسية تحاول في الوقت نفسه تصوير نفسها على أنَّها دولة مستقلة سياسيًا، كما تقول الخبيرة ماريا يوشوا: "وكلاهما يساهم في الحد من تأثير أوروبا على حقوق الإنسان في تونس".
أعد التقرير بالتعاون مع: طارق القيزاني ـ تونس
أعده للعربية: رائد الباش
من بورقيبة إلى سعيّد.. رؤساء تعاقبوا على حكم تونس
تُجرى في تونس الأحد (السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 2024) انتخابات رئاسية، تُعد الثالثة منذ اندلاع "الربيع العربي" عام 2011. ومنذ استقلالها عن فرنسا، تعاقب على حكم تونس سبعة رؤساء، كان أولهم زعيمها التاريخي بورقيبة.
صورة من: Moncef Slimi/DW
الحبيب بورقيبة ..الزعيم المصلح (1957 ـ1987)
بعد قيادته للحركة الوطنية المطالبة بالاستقلال عن فرنسا، ثم توليه رئاسة الوزراء في الحكومة المؤقتة بعد الاستقلال، أصبح الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية في عام 1957. وحكم بورقيبة تونس ثلاثين سنة عمل خلالها على تحديث المجتمع التونسي ومنح المرأة هامشا من الحقوق لم تكن تتمتع به من قبل، كما شهد حكمه مبادرات نهضت بالمجتمع والاقتصاد التونسيين.
صورة من: picture-alliance/dpa
الحبيب بورقيبة .."رئيس مدى الحياة !" (1957 ـ1987)
لكن بورقيبة الذي يشبهه البعض بالزعيم التركي كمال أتاتورك تعرض لانتقادات بسبب إزاحته لعدد من معارضيه وإعدام العديد منهم، وإصداره قانونا في 1974 يسمح له بالرئاسة مدى الحياة. وبعد كبر سنه وتردي وضعه الصحي، انقلب عليه رئيس وزرائه زين العابدين بن علي، الذي أعلن نفسه في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1987 رئيسا جديدا للجمهورية التونسية.
صورة من: picture alliance/United Archives
زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011)
حكم زين العابدين بن علي بقبضة من حديد لمدة 23 عاما، ولم يتوقع هو أيضا أن تهب رياح ثورة تجبره على مغادرة البلاد، إلى منفاه الأخير بالسعودية، حيث ظل فيها إلى أن وافته المنية عن عمر ناهز 83 عاما. كرس بن علي خلال فترة رئاسته حكم الحزب الواحد، وخاض حربا ضد الإسلاميين، ثم ضد كل المطالبين بالديمقراطية وإرساء حقوق الإنسان وحرية التعبير.
صورة من: Ammar Abd Rabbo/picture alliance/abaca
فؤاد المبزغ .. "الرئيس المؤقت" (من يناير/ كانون الثاني إلى ديسمبر/ كانون الأول 2011)
شغل فؤاد المبزع منصب رئيس الجمهورية بالإنابة بعد إعلان المجلس الدستوري التونسي شغور منصب الرئيس بشكل نهائي، بسبب "هرب" الرئيس زين العابدين بن علي من البلاد يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011. وشغل المبزع مناصب مهمة، من بينها إدارة الأمن الوطني، وتولى وزارة الشباب والرياضة والصحة والشؤون الثقافية والإعلام، خلال فترة حكم كل من بورقيبة وبن علي.
صورة من: Hassene Dridi/picture alliance/AP
الدكتور منصف المرزوقي ..أول رئيس يُختار ديمقراطيا بعد الثورة (2011 ـ 2014)
جرى انتخاب الدكتور منصف المرزوقي رئيسا لتونس في المرحلة الانتقالية أواخر عام 2011. وكان المرزوقي الذي عاش سنوات في المنفى بفرنسا من أبرز المعارضين لنظام زين العابدين بن علي وهو من مؤسسي الرابطة التونسية لحقوق الإنسان أعرق المنظمات الحقوقية بالعالم العربي. وعمل المرزوقي خلال فترة حكمه على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسعى لتأسيس نظام سياسي جديد يعتمد على التعددية الحزبية وحرية التعبير.
صورة من: picture alliance/Mustafa Yalcin/AA
الدكتور منصف المرزوقي ..حقوقي في قصر قرطاج (2011 ـ 2014)
شهدت فترة حكم المرزوقي كتابة واعتماد دستور جديد لتونس في يناير/ كانون الثاني 2014، والذي يعد من أبرز إنجازاته. ودامت فترة حكم المرزوقي ثلاث سنوات كان فيها أول رئيس في العالم العربي يأتي إلى سدة الحكم ديمقراطيا ويسلم السلطة ديمقراطيا بعد انتهاء حكمه إلى الباجي قائد السبسي الذي تنافس معه في الظفر بكرسي الرئاسة.
صورة من: Yassine Gaidi/picture alliance / AA
الباجي قايد السبسي ..الرئيس المخضرم (2014 ـ 2019)
بعد سقوط نظام بن علي مطلع عام 2011 تم تعيينه وزيرا أول في الحكومة الانتقالية بهدف قيادة تونس نحو الديمقراطية. تصدر حزبه "نداء تونس" نتائج أول انتخابات تشريعية تفضي إلى برلمان دائم بالبلاد بعد سقوط نظام بن علي، كما تمكّن من الفوز في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية في 21 ديسمبر/كانون الأول 2014 بحصوله على 55.68% مقابل 44.32% لمنافسه منصف المرزوقي.
صورة من: Julien Mattia/picture alliance / NurPhoto
الباجي قايد السبسي..سياسة الانفتاح على الخارج (2014 ـ 2019)
توفي السبسي، السياسي التونسي المخضرم، الذي شغل أيضا مناصب بعهديْ الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، في 25 يوليو/ تموز الماضي وتسلم رئيس البرلمان محمد الناصر منصب الرئاسة بشكل مؤقت كقائم بمهام الرئيس. وكان الباجي قايد السبسي خلال توليه رئاسة الديبلوماسية التونسية في ثمانينيات القرن الماضي أو توليه لرئاسة تونس (2014-2019) ينتهج سياسة منفتحة على الخارج.
صورة من: picture alliance / Kay Nietfeld/dpa
محمد الناصر..رئيس مؤقت (يوليو/ تموز 2019 ـ أكتوبر/ تشرين الأول 2019)
في 25 يوليو/ تموز 2019 أدى محمد الناصر اليمين الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد، وذلك بعد اجتماع لمكتب البرلمان، عقب إقرار الشغور النهائي في منصب رئيس الجمهورية بعد وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي. ويعتبر الناصر سياسيا تونسيا مخضرما، تولى عددا كبيرا من الوظائف السامية في كافة العهود السياسية منذ الاستقلال، وأصبح رئيسا للبرلمان التونسي في 2014.
صورة من: Nicolas Fauque/Images de Tunisiepicture alliance/abaca
قيس سعيّد .. إجراءات مثيرة للجدل(منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)
انتخب قيس سعيد في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في الجولة الثانية بأغلبية كاسحة على منافسه نبيل القروي. وبدأ سعيد فترة رئاسته في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، ليكون بذلك الرئيس السابع لتونسي. في يوليو/ تموز 2021 اتخذ سعيد قرارات أثارت جدلا داخل وخارج تونس بعدما قام بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة ثم تغيير الدستور المصادق عليه بإجماع سنة 2014 من طرف المجلس التأسيسي الذي انتخب بعد الثورة.
صورة من: Tunisian Presidency/APA Images/ZUMA/picture alliance
قيس سعيد .."مهمّة إلهية لإنقاذ تونس" (منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019)
الرئيس التونسي المنتهية ولايته قيس سعيّد يحتكر السلطة منذ 3 سنوات وهو مرشح لولاية ثانية في الانتخابات المقررة الأحد (السادس من أكتوبر/ تشرين الأول)، مقتنع بأنه مؤتمن على "مهمّة إلهية" لإنقاذ تونس من "المؤامرات الخارجية". وتندّد منظمة العفو الدولية "بتراجع مقلق في الحقوق الأساسية في مهد "الربيع العربي" و"بالانحراف الاستبدادي"، مع تراجع على مستوى إنجازات الثورة التي أطاحت ببن علي عام 2011. إعداد ع.ش