في آخر يوم من أعمال مؤتمرها أقرت حركة النهضة الإسلامية التونسية الفصل بين نشاطاتها السياسية و"الدعوية" في خطوة تثير اهتمام المراقبين. والطبقة السياسية في تونس ما تزال حذرة.
إعلان
أقرت حركة النهضة الاسلامية في تونس الأحد(22 أيار/ مايو 2016) خلال مؤتمرها العاشر الفصل بين نشاطاتها الدينية والسياسية، بهدف التأقلم مع التطورات الجارية في هذا البلد الذي لا يزال بمنأى عن النزاعات الدامية التي ضربت بقية دول الربيع العربي.
بيد أن كلام راشد الغنوشي، الزعيم التاريخي لحركة النهضة عن "الخروج من الاسلام السياسي" يثير شكوك العديد من الأطراف في تونس. فقد أقر المؤتمر العاشر للحركة الأحد هذا الفصل بين السياسي والديني خلال اجتماعه في أحد فنادق مدينة الحمامات الواقعة على بعد حوالى ستين كيلومترا جنوب تونس.
وكان الغنوشي (74 عاما) شرح في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية قبل أيام أن حزبه يريد القيام بنشاط سياسي يكون "مستقلا تماما" عن النشاط الديني. وقال "نخرج من الاسلام السياسي لندخل في الديموقراطية المسلمة". هذا التغيير الذي استغرق الاعداد له سنوات عدة، اعتبره المسؤولون عن الحركة نتيجة لتجربتها في السلطة، ولعبور تونس من الديكتاتورية إلى الديموقراطية.
وبعد أن كانت حركة النهضة عرضة لقمع شديد خلال حكم زين العابدين بن علي، خرجت منتصرة من أول انتخابات ديموقراطية جرت بعد ثورة عام 2011. لكنها وبعد أن أمضت سنتين في غاية الصعوبة في الحكم قررت التنحي وسط أزمة سياسية خانقة ضربت البلاد. وفي نهاية العام 2014 جرت الانتخابات التشريعية وحلت النهضة ثانية بعد حزب نداء تونس بقيادة الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي. وقررت الحركة الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب نداء تونس ما أثار جدلا بين قادتها.
شكوك الطبقة السياسية في تونس
وتنظر بقية الاحزاب السياسية في تونس مع وسائل الاعلام باهتمام شديد إلى هذا التحول، وتتساءل عن مداه الفعلي وتأثيره السياسي في البلاد. وتساءلت صحيفة "لابرس" في عددها الاحد "هل تريد حركة النهضة دمقرطة الاسلام أم أسلمة الديموقراطية؟". في حين تساءلت صحيفة الشروق الصادرة بالعربية ما اذا كانت هذه الوعود "ستبقى كلمات في الهواء".
الربيع العربي- انتكاسة يتخللها بريق أمل
في الذكرى الخامسة لما عُرف إعلاميا بالربيع العربي، والذي انطلق من تونس وامتد إلى مصر وليبيا وسوريا والبحرين فاليمن، تقرع موجات اللاجئين والنازحين المليونية أبواب الإنسانية. حصيلة العام الخامس "للربيع العربي" في صور.
صورة من: Reuters/P. Hanna
بدأت احداث "الربيع العربي" في تونس بمدينة سيدي بوزيد بعد أن احرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على مصادرة عربته مصدر رزقه، فخرج الشباب والعاطلون عن العمل وعمال النقابات متظاهرين محتجين ونجحوا في وقت قياسي في اسقاط حكومة زين العابدين بن علي الذي فرّ من البلد الى السعودية .
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Salah Habibi
ارسى التغيير في تونس ديمقراطية ودستورا جديدا شاركت في صياغته مختلف القوى السياسية. ونجحت القوى الإسلامية متمثلة بحزب النهضة بالفوز في الانتخابات التشريعية لكنها فشلت في تحقيق مطالب الشعب. وفي انتخابات 2014 نتحقق التغيير الديمقراطي وفازت أحزاب جديدة في البرلمان، رغم ذلك ما زالت فئات كبيرة من الشعب ترى أنها لم تنل أي نصيب من "الكعكة الديمقراطية".
صورة من: DW/S. Mersch
أراد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 الاحتفال بيوم الشرطة التقليدي ومنع التظاهرات خوفا من شرارة قد تقود إلى انتفاضة ضد حكمه، رغم ذلك خرجت تظاهرات حاشدة عمت مدن مصر ونادت بإسقاط نظام حكم مبارك الذي تربع على راس هرم السلطة لثلاث عقود.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
التغير في مصر أوصل "الإخوان المسلمين" ومحمد مرسي إلى الحكم، لكن فئات كبيرة من الشعب استاءت من تعامل "التنظيم الإسلامي" مع السلطة وخرجوا بالملايين مدعومين من الجيش مطالبين بإسقاط "حكم الإخوان". البعض عد ذلك "نكسة للديمقراطية" فيما وصفه آخرون بـ"العملية التصحيحية".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Khalil Hamra
مر الربيع العربي في ليبيا بشكل مختلف تماما عن تونس ومصر، إذ لم تستطع القوى المدنية إنهاء حكم معمر القذافي الذي قمع الثورة بشتى الطرق، وسرعان ما تحولت الثورة بعد ذلك إلى صراع مسلح تمكن فيه "الثوار" بمساعدة قوات الناتو من قتل القذافي واسقاط نظامه، لكنهم عجزوا بعدها عن الاتفاق على نظام بديل.
صورة من: DW/E. Zouber
العملية الديمقراطية في ليبيا بدأت وما زالت متعثرة حتى اليوم رغم الاتفاقات الكثيرة التي حصلت بين الأطراف المتصارعة. ومنذ صيف عام 2014 تتنافس حكومتان إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق على إدارة البلد. وفي تطور جديد أعلن المجلس الرئاسي الليبي هذا الشهر عن تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة، في إطار خطة الأمم المتحدة لتوحيد الفصائل المتناحرة في ليبيا.
صورة من: imago/Xinhua
"الربيع العربي" ربيع الشباب في اليمن، انطلق في شباط/ فبراير 2011، مطالبا بإنهاء حكم علي عبد صالح الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاما. وبعد ضغط محلي وخليجي كبير وافق صالح على تسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي وغادر اليمن في كانون الثاني/ يناير 2012.
صورة من: picture-alliance/dpa
نفي علي عبد ألله صالح من اليمن لم ينه نفوذه في البلد. وبقيت فئات من الشعب والجيش موالية له عشائريا وسياسيا. في 2015 نجح "الثوار" الحوثيون وبالتعاون مع قوات موالية لصالح في نزع السلطة من الرئيس هادي، ما جعل دول الخليج وبقيادة السعودية تدخل حربا مباشرة لإعادة السلطة لهادي.
صورة من: Reuters/K. Abdullah
تظاهرات الربيع العربي بدأت سلمية في سوريا في مارس/ آذار 2011 مطالبة بإنهاء سلطة حزب البعث و حكم عائلة الأسد المستمر منذ عام 1971. لكن بشار الأسد واجه "التظاهرات" بإصلاحات "شكلية" تضمنت منح الأكراد بعض الحقوق ورفع حالة الطوارئ وتشكيل حكومة جديدة، فيما واصل قمعه للمحتجين وبدأ بشن عمليات عسكرية ضدهم.
صورة من: dapd
بعد أشهر من الاحتجاجات اتخذ الربيع العربي في سوريا منحى آخر وأصبح البلد يعج بكثير من الفصائل المسلحة التي فشلت في توحيد صفوفها ضد النظام. الفراغ الأمني والسياسي في سوريا هيأ الأجواء لتنظيمات مسلحة ذات توجهات إسلامية إيدلوجية متطرفة، مثل تنظيم "داعش"و" النصرة" للسيطرة على مناطق واسعة من البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Aboud
في البحرين بدأت الاحتجاجات في شباط / فبراير 2011 في ساحة اللؤلؤة ونادت بتغييرات سلمية وإصلاحات سياسية لصالح الأغلبية الشيعية في البلد وإنهاء سيطرة العائلة المالكة على الحكم وسلطة مجلس الوزراء التابع لها، ما أثار حفيظة دول الخليج وخاصة السعودية فأرسلت قوات تحت مظلة قوات درع الجزيرة وقمعت الحركة، لكن الاضطرابات ما زالت تتفجر من وقت لآخر.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد مرور خمسة أعوام على " الربيع العربي" لم يتبق من هذا التغيير إلا بعض النقاط المضيئة، كما في التجربة التونسية وبعض الامتيازات للشباب في مصر. اما ليبيا واليمن وسوريا والبحرين فما زالت ابعد ما تكون عن الاستقرار، والمستقبل فيها يبدو بلا افق مضيء. نتاج الربيع العربي قوافل من النازحين ، وملايين اللاجئين يتدفقون على اوروبا والمانيا على وجه الخصوص.
صورة من: Reuters/P. Hanna
12 صورة1 | 12
ويتلاءم هذا التغيير في مسار حركة النهضة مع اقتناعات غالبية الشعب التونسي، إذ أفاد استطلاع أخير للرأي أن 73 في المائة منهم يؤيدون "الفصل بين الدين والسياسة". وأجرت مؤسسة سيغما التونسية هذا الاستطلاع بالتعاون مع المرصد العربي للديانات والحريات ومؤسسة كونراد أديناور الألمانية.
وناقش المشاركون الـ 1200 في المؤتمر حتى ساعة متاخرة من ليل السبت وصباح الأحد أولويات وإستراتيجية الحركة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقال المتحدث باسم المؤتمر أسامة صغير لوكالة فرانس برس إنه تم التصويت بنسبة 80 في المائة على الفصل بين الدعوي والسياسي.
ويتواصل النقاش حول النظام الداخلي للحزب "لإعادة توزيع توازن السلطة بين قيادات النهضة اليوم"، بحسب ما قالت النائبة سيدة الونيسي. كما يتم نقاش اقتراح يقضي بفرض حصة إلزامية للنساء داخل مجلس الشورى تكون بنسبة 10في المائة.
ومن المقرر أن ينتخب المندوبون رئيسا للنهضة، سيكون راشد الغنوشي نفسه على الأرجح إضافة إلى عدد من أعضاء مجلس الشورى.