1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تونس: ملاعب خارج نطاق الخدمة ونتائج مخيبة بالمسابقات الدولية

طارق القيزاني
٢٥ فبراير ٢٠٢٤

تعاني تونس من أزمة متفاقمة في قطاع الرياضة بسبب مشاكل البنية التحتية في الملاعب وتدني النتائج بلغ ذروته مع سقوط مخجل للمنتخب الأول لكرة القدم في كأس أمم إفريقيا، بجانب تحقيقات بالفساد في اتحاد الكرة وتدخل السلطة.

جانب من ملعب المنزه في العاصمة تونس
جانب من ملعب المنزه في العاصمة تونسصورة من: Tarek Guizani/DW

إذا أغلق "استاد رادس" بالعاصمة أبوابه؛ فسيكون أمام أندية تونس، المشاركة في المسابقات الإفريقية وأيضا منتخب تونس، احتمال البحث عن ملعب في بلد مجاور.

واستاد رادس هو الملعب الوحيد المطابق لمعايير الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في تونس حتى عام 2023، وهذه المطابقة ليست نهائية لأن الملعب لا يزال بحاجة إلى المزيد من أعمال الصيانة للمدرجات.

وفي ظل تعثر الإصلاحات في أغلب الملاعب بالمدن الكبرى، بما في ذلك الملعب التاريخي بالعاصمة "ستاد المنزه"، فإن ملعب رادس وصل إلى حالة استنزاف قصوى لأنه يستضيف مباريات قطبي العاصمة الترجي والإفريقي في المسابقات المحلية والإفريقية والمنتخب وفريق النجم الساحلي الذي يضطر للتنقل من مدينة سوسة.

ويعكس الوضع الحالي مستوى غير مسبوق للبنية التحتية لقطاع الرياضة في تونس التي استضافت ثلاثة دورات لكأس أمم إفريقيا (1965 و1994 و2004) ودورتي ألعاب البحر المتوسط (1967 و2001) وأول نسخة من كأس العالم لكرة القدم تحت 20 سنة (1977)، علاوة على عدة دورات في باقي التخصصات الرياضية.

وقال المحلل الرياضي طارق الغديري رئيس تحرير موقع "زاجل" وممثل تونس في استفتاءات الجوائز السنوية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، إن الوضع الحالي لقطاع الرياضة  يعد امتدادا موضوعيا للأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد.

ويوضح الغديري في حديثه مع DW عربية "لا يمكن التغاضي عن أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تونس منذ سنوات أثرت كثيرا على القطاع الرياضي وخاصة في البنية التحتية، ذلك أن ضعف الموازنة المخصصة للرياضة في العمل الحكومي وفي البلديات جعل المنشآت الموجودة تتآكل بسبب غياب الصيانة، فضلا عن استحالة تحمل تكلفة إنشاء ملاعب أو صالات جديدة".

ملعب الشاذلي زويتن مغلق منذ 2006صورة من: Tarek Guizani/DW

ويقترح المحلل الرياضي مكرم الحزقي لـ DWعربية "أن تكون الدولة شريكا فعليا في المشهد الرياضي بصفة عامة، بضخ تمويلات أكبر إلى وزارة الشباب والرياضة لأن التمويل الحالي ضعيف ولا يتعدى 18ر1 بالمئة من الموازنة العامة".

بنية أدنى من المعايير

على أرض الواقع، تعكس حالة ملعب المنزه التاريخي، الذي بني عام 1967، وضعا معقدا لما وصلت إليه المنشآت الرياضية وباقي المنشآت والمشاريع العمومية التي هي في طور الإنجاز.

أغلق الملعب منذ أكثر من عقد بسبب اهتراء أعمدته وأجريت دراسات فنية متتالية لإخضاعه إلى تهيئة شاملة وفق شكله الهندسي الأصلي. غير أن الاجراءات البيروقراطية وتعثر الأشغال لاحقا مع اكتشاف هنات في الدراسات الفنية، عوامل وضعت المشروع في المفترق. وتقول الحكومة إنها قد تضطر في نهاية المطاف للبحث عن شركة صينية لإنهاء أشغال تهيئة الملعب.

وليس بعيدا عن استاد المنزه، يوجد "الشاذلي زويتن"، أقدم ملاعب العاصمة، الذي شيد في زمن الاستعمار الفرنسي وسط حي "ميتيال فيل" الراقي، لكنه يعيش حاليا في عزلة كاملة. والملعب مغلق منذ فترة تفوق 10 سنوات لأسباب غير معلومة؛ لكنها على صلة بالوضع الأمني وضغوط متساكني المنطقة.

وأُفرِِج عن الملعب في 2024 بعد زيارة مفاجئة من  الرئيس قيس سعيد  ولكن فتحت المدرجات أمام عدد لا يتعدى 2500 متفرج، بينما طاقة استيعاب الملعب تُقدر بـ 20 ألف متفرج. وتحول "الملعب اللغز" إلى حديث مواقع التواصل الاجتماعي في تونس.

وشملت أزمة الملاعب  والمقاولات أيضا استاد مدينة سوسة، الذي أغلق أبوابه لنحو ثلاثة مواسم من أجل أعمال توسعة؛ لكن مع إعادة فتح أبوابه في 2023 اكتشف وجود مواضع خلل في المدارج. ويحتاج الملعب إلى إعادة تهيئة جديدة حتى يتم اعتماده من قبل الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، ويعني ذلك انتظار تمويلات جديدة من السلطة المركزية.

ويضطر النجم الساحلي، الفريق العريق والممثل الأول للمدينة، إلى التنقل للعاصمة لخوض مبارياته الدولية في المسابقة الأفريقية على استاد رادس. وتقول جماهير الفريق الساخطة إن هذا التنقل أضعف كثيرا من حظوظ الفريق على المنافسة.

طارق الغديري رئيس تحرير موقع "زاجل" وممثل تونس في استفتاءات الجوائز السنوية للاتحاد الدولي لكرة القدمصورة من: privat

ولا يختلف الحال مع مدينة صفاقس ثاني أكبر المدن التونسية بقرابة 5ر1 مليون ساكن، حيث تنتظر المدينة منذ عقود تشييد ملعب كبير لتعويض الملعب الحالي "الطيب المهيري" لتواضع سعته المقدرة بحوالي 10 آلاف متفرج.

واضطر النادي الصفاقسي في وقت ما إلى التنقل للعاصمة لخوض منافسات مسابقة كأس الكونفدرالية الإفريقية لعدم مطابقة ملعبه للمعايير المطلوبة من الاتحاد الإفريقي. لكنه ودع المسابقة من أدوارها الأولى في 2022.

نتائج مخيبة

ويقول المحلل مكرم الحزقي لـDW عربية إن وضع البنية التحتية ضاعف من الأزمة المالية للنوادي بتراجع عائداتها المالية وقلص هذا من حظوظها في المنافسة على الألقاب في المسابقات الإفريقية بسبب تدني جودة اللاعبين والمنتدبين من الخارج وتخبط الإدارة وسياسات التكوين الخاطئة للناشئة. وفي تقديره، كان لهذا انعكاس على أداء ونتائج المنتخب التونسي في السنوات الأخيرة.

وفي جردٍ قدمه الحزقي حول ما حققته كرة القدم خلال السنوات الأخيرة، فإن منتخب تونس فشل للمرة السادسة في تخطي الدور الأول لكأس العالم عبر آخر مشاركة له في مونديال قطر 2022 ثم كانت الصدمة الكبرى بمغادرته الدور الأول لكأس أمم إفريقيا بكوت ديفوار بتذيله لترتيب مجموعته.

وتأخر منتخب تونس  إلى المركز 41 في أحدث تصنيف صدر عن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في شباط/فبراير، وهو الأسوء منذ عام 2017. كما سيغيب منتخب تونس لكرة القدم للمرة الخامسة عن الألعاب الأولمبية في دورة 2024 بباريس. أما الأندية فقد فشلت في المنافسة على ألقاب إفريقيا منذ آخر تتويج لفريق الترجي في دوري الأبطال عام 2019.

وفي حين يشدد طارق الغديري على حاجة كرة القدم التونسية لمشروع رياضي حقيقي للعودة إلى المنافسة على الصعيد القاري والدولي من خلال تنقيح القوانين، فإن العلاقة بين اتحاد الكرة والسلطة باتت أكبر عائق للتوافق حول إصلاحات واضحة.

وتحولت العلاقة إلى ما يشبه لي ذراع كادت تكلف تونس الغياب عن مونديال قطر 2022 بسبب التوتر بين وزير الرياضة كمال دقيش ورئيس اتحاد الكرة وديع الجريء، حول صلاحيات الوزارة وقوانين الدولة في مقابل استقلالية الاتحاد التي تضمنها قوانين الفيفا.

ويعلق الغديري على هذا الوضع لـDW عربية بالقول: "أنتجت القوانين الداخلية للاتحادات الرياضية، ومن بينها اتحاد كرة القدم، والتي فصلت على مقاس الرئيس، مجموعة جزر دكتاتورية صغرى ومنغلقة على ذاتها رافضة للتطور ومكرسة لمصالح الأشخاص على حساب المصلحة العامة".

ويقبع الجريء في السجن منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي للتحقيق في شبهات فساد. ويقول محاموه وأعضاء مكتب الاتحاد إن الاتهامات الموجهة إليه غير قانونية.

أزمة عميقة للإدارة

ولكن تبدو الأزمة  أوسع نطاقا ولا تقتصر على كرة القدم. فمع أن البلاد حققت انجازات رياضية غير مسبوقة عربيا في السباحة بإحرازها لميداليات ذهبية في مسابقات عالمية وأولمبية عبر السباح الأسطوري أسامة الملولي والسباح الصاعد أحمد أيوب الحفناوي، فإتها تفتقر إلى مسابح أولمبية عدا مسبح وحيد في مركب رادس.

المحلل الرياضي مكرم الحزقيصورة من: privat

ويلخص الخراب والإهمال المحيط بمسبح مركب المنزه والمسبح البلدي التاريخي بقلب العاصمة، الحالة المتدهورة للمسابح وحتى صالات وباقي المنشآت الرياضية في الولايات الداخلية الأكثر فقرا.

ويقول معز الحرزي مدير جمعية "تونس تنتج"، وهو أيضا أحد المؤثرين المعروفين على السوشيال ميديا بتسويق الصناعات المبتكرة للكفاءات التونسية، إن الأزمة لا تتعلق بالكفاءات والقدرة على الإنجاز بقدر ما ترتبط بأزمة عميقة في الإدارة التونسية.

ويوضح الحرزي في حديثه مع DW عربية: "ترجع الأسباب الرئيسية لتعطل تنفيذ المشاريع في  تونس  إلى مشاكل قانونية وإدارية، وتراجع قدرة الإدارة التونسية في السنوات الأخيرة على إدارة المشاريع الكبرى".

ويستدل الحريزي في حديثه بالتعطيلات التي طالت أيضا مشاريع كبرى أشرفت عليها شركات أجنبية مثل مشروع الشبكة الحديدية السريعة بالعاصمة وأحوازها، ومشروع تحلية المياه في قابس جنوب البلاد.

ويضيف الحرزي، أن هذا التحليل يظهر أن الأسباب العميقة  ليست مرتبطة بجنسية الشركات المنفذة، ذلك أن المشاريع التي قامت بتنفيذها الشركات التونسية في دول إفريقيا والشرق الأوسط أو التي أنجزتها لفائدة القطاع الخاص في تونس قد حققت نجاحاً من حيث الجودة وسرعة التنفيذ، وبالتالي فإن ما تحتاجه البلاد هو إصلاحات تشمل القوانين ووسائل العمل الإداري، وفق تقديره.

واعترفت وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بوجود عوائق ترتبط بقانون الصفقات العمومية الذي ألقى بظلاله على أعمال التشييد والبناء للمشاريع الحكومية واحترام آجال التنفيذ، مشيرة إلى إصلاحات جارية للقانون. لكنها في نفس الوقت لفتت إلى الصعوبات التي تمر بها المقاولات منذ سنوات جائحة الكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية وكذلك غلاء الأسعار.

وفي مسعى للقفز على البيروقراطية ونقص التمويل الموجه إلى البلديات من أجل أعمال الصيانة، فإن الحكومة تسعى إلى تخصيص مؤسسة مستقلة مكلفة بصيانة المنشآت الرياضية، وفق ما أعلن عنه وزير الرياضة كمال دقيش.

ويعتقد طارق الغديري أن الخطوة العاجلة والأهم تتمثل في الإسراع بتغيير القانون المنظم للهياكل الرياضية والذي يعود إلى عام 1994. ويضيف في ملاحظته لـDW عربية: "هذا القانون غير مواكب تماما للتطورات الحاصلة ليس في عالم الرياضة فحسب بل كذلك في المجتمع التونسي، وهو قانون تم تشريعه في ظل نظام دكتاتوري شمولي يكبل إرادة النوادي الرياضية ويجعلها مجرد لجان لتنفيذ إرادة الحزب الحاكم في مجال الشباب والرياضة".

وتستعد الحكومة بالفعل لإاصدار قانون جديد في هذا المجال. ويقول مسؤولون في السلطة إنه سيغير من الوضع الحالي للرياضة التونسية.

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW