1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تونس: هل سيتوقف دور المؤسسة العسكرية عند إسقاط بن علي؟

١٨ يناير ٢٠١١

تسلط الأضواء في تونس وخارجها على دور المؤسسة العسكرية في مجريات الأحداث المتسارعة. دور الجيش كان حاسماً في إسقاط الرئيس زين العابدين بن علي، ويتساءل مراقبون حول فرضية خروجه عن "الحياد" ولعب دور سياسي مباشر.

الجنرال رشيد عمار رئيس هيئة أركان الجيش التونسي خلال مشاركته في مؤتمر للناتو سنة 2006صورة من: nato.int

يرصد المراقبون في تطورات الأوضاع المتسارعة بتونس باهتمام الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية في مسار الأحداث. ويعتقد العديد من المتتبعين بأن موقف قيادة الجيش الرافض لاستخدام القوة ضد المحتجين كان له الأثر البالغ في إزاحة الرئيس زين العابدين بن علي وتتويج الانتفاضة الشعبية بإسقاطه، ما خلف استحساناً كبيراً لدى الشارع التونسي.

ويتولى الجيش التونسي منذ الرابع عشر يناير/ كانون الثاني الحالي مهمة إعادة الأمن في البلاد في إطار حظر التجول المفروض، ويتولى حالياً المطاردة المتواصلة لفلول من الأجهزة الخاصة للرئيس المخلوع. ويذهب مراقبون غربيون إلى فرضية تولي رئيس أركان الجيش التونسي الجنرال رشيد عمار مهمة رئاسة البلاد في حال حدوث فراغ قيادي في البلاد أو صعود تحدي الإسلاميين، الذين اُستبعدوا من الساحة السياسية خلال العهد الرئيس السابق. لكن البروفسور عبد السلام مغراوي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ديكه الأميركية، يستبعد هذا السيناريو لأسباب من أهمها "حياد المؤسسة العسكرية ويقظة ووعي المجتمع المدني والحركة السياسية التونسية المدعومة الآن بانتفاضة شعبية غير مسبوقة في العالم العربي".

ومن جهته يرى كمال بن يونس رئيس تحرير مجلة دراسات دولية بتونس أن"الجيش يحظى بتقدير كبير من قبل التونسيين وله فضل كبير في إعادة الأمن للبلاد وتأمين عملية الانتقال السياسي". في حوار مع دويتشه فيله أضاف بن يونس قائلاً: "تلتزم المؤسسة العسكرية لحد الآن احترام دستور البلاد الذي يمنع على الجيش التدخل في السياسة مباشرة، وهي وفية لتقاليدها في الحياد إزاء العملية السياسية".

دور حاسم في إزاحة بن علي

الجيش رفض قمع مظاهرات المحتجين ويتولى حفظ الأمن في ظل فرض حظر التجولصورة من: AP

تستند فرضية تولي قيادة الجيش لرئاسة البلاد، إلى حالة الفراغ القيادي الذي تعيشه تونس إثر سقوط نظام الرئيس بن علي، وغياب شخصية سياسية تحظى بالإجماع، بسبب سياسة الرئيس السابق المتمثلة في إبعاد كل المرشحين المحتملين لخلافته وقمعهم سواء من داخل النظام أو من المعارضين. وفي حوار لإحدى الصحف الفرنسية أعرب الأدميرال جاك لانكساد، رئيس أركان الجيش الفرنسي السابق والسفير الأسبق في تونس، عن اعتقاده بأن "قرار قيادة الجيش برفض قمع الانتفاضة الشعبية بخلاف ما فعلت أجهزة الشرطة، كان له أثر حاسم في سقوط الرئيس بن علي، ويمكن للجيش أن يكون عنصراً ضامناً للاستقرار وتجاوز حالة الفوضى التي تشهدها البلاد".

وفي تعقيبه على فرضية تطور دور الجيش ودخوله كلاعب مباشر في الحياة السياسية، يقول المحلل السياسي التونسي كمال بن يونس، إن "تقاليد الحياد عن تسيير الشأن العام السياسي والاقتصادي متجذرة لدى المؤسسة العسكرية في تونس منذ تأسيسها"، مشيراً إلى أن تدخلها في الأحداث السياسية كان تاريخياً ومنحصراً في "إعادة الأمن وعدم التدخل مباشرة في الحياة السياسية". وأضاف بن يونس أن الجيش التونسي يحظى "بتقدير ومحبة التونسيين على نطاق واسع" بسبب "عدم تورط الجيش في الحياة السياسية أو قضايا فساد اقتصادي، وتركيز دوره على حماية أمن البلاد من المخاطر الخارجية وتولى المهمات المدنية مثل تشييد مشاريع تنموية ضخمة والتدخل في حالات الكوارث الطبيعية وقيامه بمهمات إنسانية أو حفظ السلام في الخارج في إطار الأمم المتحدة".

ومن جهته يرى عبد السلام مغراوي، الخبير في شؤون منطقة المغرب العربي، بأن "حقيقة كون الجيش لعب دوراً أساسياً في إزاحة بن علي من الحكم، لا ينبغي أن يقود بالضرورة إلى الاستنتاج بأنه سيتولى قيادة البلاد"، معللاً رأيه بأن "الجيش كان تاريخياً بمنأى عن الحياة السياسية سواء في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو خلفه المطاح به زين العابدين بن علي، وذلك بخلاف النظام القائم في الجزائر مثلاً، حيث تسيطر فيه المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة". وأضاف بأن "الشعب التونسي أظهر من خلال انتفاضته أنه لن يكون مستعداً لتقبل نظام استبدادي جديد بثوب عسكري".

وقال مغراوي بأن" المجتمع الدولي لا يعد يقبل بقيام دكتاتورية عسكرية". ويُذكر أن كبرى العواصم الغربية ومنها واشنطن وباريس وبرلين وبروكسل (الاتحاد الأوروبي) قد دعت الحكومة الانتقالية في تونس إلى "فتح صفحة جديدة في البلاد عبر تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية".

ولاحظ مغراوي بأن استبعاد سيناريو استلام الجيش لمقاليد الأمور في تونس لا يعني إقصاؤه بل يعني أنه "يقوم بدور مهم من وراء الستار في تأمين عملية الانتقال السياسي، لكن دون أن تتحول تونس إلى نظام عسكري جديد" وأضاف من "الصعب جداً تخيل سيناريو تولي العسكر للحكم في تونس".

الجنرال رشيد عمار "رجل الظل"

فؤاد المبزع الرئيس التونسي المؤقتصورة من: picture-alliance/dpa

وفي خضم التطورات المتسارعة في تونس وبروز دور الجيش فيها، سلطت الأضواء داخل تونس وكذلك لدى المراقبين خارجها، على شخصية رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال رشيد عمار، وعلى الدور يلعبه من وراء الستار. فقد تداول الشارع التونسي على نطاق واسع وبكثير من الارتياح المعلومات عن كونه اختار إقالته على استخدام القوة ضد المتظاهرين عندما طلب منه ذلك الرئيس بن علي يومين فقط قبل عزله. ولوحظ أثناء الاحتجاجات أن المواطنين كانوا يستقبلون الجيش بالورود والتحية، بخلاف قوات الأمن التي شكلت رأس حربة الآلة القمعية لنظام الرئيس بن علي.

ويذكر بأن بن علي أقال الجنرال عمار وعين محله قائد المخابرات العسكرية الجنرال احمد شبير، وذلك قبل يومين فقط قبل أن يعود الجنرال عمار إلى قصر قرطاج ليطلب من بن علي الرضوخ للمطالبة برحيله من الحكم. ويذكر أن الرئيس السابق بن علي، ذو الخلفية الأمنية والعسكرية كانت علاقته حذرة مع قيادات الجيش، وأقام مؤسسة أمنية موازية في قصر قرطاج يطلق عليها الحرس الرئاسي تتولى مراقبة الأمن والجيش على السواء. وكان رئيس أركان الجيش السابق عبد العزيز سكيك قد توفي عام 2002 في ظروف غامضة في حادث تحطم طائرة مروحية كان على متنها قيادات عسكرية أخرى.

والجنرال عمار(62 عاماً) هو من مواليد بلدة صيادة بولاية (محافظة) المنستير وهو قائد جيش البر الذي يعد القوة الأساسية في الجيش التونسي، ويحظى الجنرال عمار بـ"احترام وتقدير واسع داخل الجيش"ويفضل العمل بعيداً عن الأضواء، ويصفه كمال بن يونس بأنه "شخصية هادئة وله أريحية وفراسة في فهم التطورات والوعي الاستراتيجي بطبيعة التحديات الإقليمية والعالمية". ويرى بن يونس أن "المؤسسة العسكرية كان لها دور حاسم في انتصار الثورة الشعبية وفي مواجهة التحديات الأمنية للمرحلة الانتقالية" مضيفا قوله:"لحد الآن لا نرصد مؤشرات على وجود رغبة لدى الجيش في البروز في الصف الأول، لكنه ينسق مع القيادات السياسية وهنالك تأكيد على احترام الدستور وخصوصاً في عملية انتقال السلطة دستورياً"، مشيراً إلى أن الدستور يمنع الجيش من تولي القيادة السياسية بشكل مباشر.

وفي حوار لدويشته فيله، قال رشيد خشانة رئيس تحرير صحيفة "الموقف" الناطقة باسم الحزب الديمقراطي التقدمي، وهو حزب معارض لحكم بن علي وانضم إلى حكومة الوحدة الوطنية، إن "تونس تجتاز مرحلة حرجة ودقيقة وهي أمام خيارين: إما التوافق حول حل واقعي يستند إلى مطالب الانتفاضة الشعبية التي أسقطت الحكم الاستبدادي، واعتماد آلية انتقال ديمقراطي في البلد يتوج بانتخابات حرة، أو أن البلد سيكون معرضات لحالة فوضى وتدخل الجيش".

الجيش و"خطر الإسلاميين"

وفي تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي المتخصص في الدراسات السياسية، أعرب خبير المجلس في شؤون شمال إفريقيا، ستيفن كوك، عن احتمال صعود الإسلاميين من جديد في تونس بعد سقوط نظام الرئيس بن علي، الذي كان يقدم نفسه للغرب على أنه "الحصن ضد صعود الإسلاميين"، قد يطرح على الجيش تحديات جديدة وبالتالي "دوراً سياسياً أكبر من الذي يقوم به لحد الآن".

ومن جهته يقول كمال بن يونس إن "النخبة السياسية في تونس معتدلة وترفض التطرف بكل أشكاله"، وأن حضور المؤسسة العسكرية وخصوصاً مؤسسة الأمن العسكري شهد في العقدين الأخيرين تنامياً وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب والتحديات الأمنية الجديدة، لكنه أشار بأن "خطر الجماعات السلفية الجهادية والمسلحة في تونس محدود" لكن محيطها، خصوصاً مناطق الحدود مع الجزائر أو ليبيا، يحمل معه مخاطر أمنية مستمرة.

صورة من: picture alliance/dpa

وبرأي عبد السلام مغراوي فإن ارتفاع مستوى التعليم والثقافة في المجتمع التونسي قياساً إلى دول المنطقة، ووجود طبقة سياسية ومجتمع مدني يقظ رغم ما تعرضت له قياداته من قمع في ظل نظام الرئيس بن علي، عوامل تجعل تونس "تسير في اتجاه قيام توافق على حكم مدني قائم على التعددية ويدمج داخله الإسلاميين"، معتبراً أن "نهج سياسة إقصاء الإسلاميين سيؤدي من جديد إلى عدم استقرار في البلد وعودة إلى سياسة القمع".

وتعتبر حركة النهضة المحظورة المكون الأساسي للإسلاميين في تونس وتعرضت لقمع شديد خلال فترة حكم الرئيس بن علي، وكان زعيمها راشد الغنوشي قد أعلن أنه يستعد للعودة إلى تونس من منفاه في لندن، قال في حوار لصحيفة" الشرق الأوسط" إن حزبه "ليس وراء حركة الاحتجاج الحالية"، وأنه بعيد جدا عن ذلك". وقال الغنوشي "نحن متفقون على مجتمع يقوم على أسس ديمقراطية تتضمن احترام حقوق الإنسان وحرية المعتقد". أما في ما يخص وضع المرأة الذي يعتبر من أفضل الأوضاع في العالم العربي والإسلامي فقال الغنوشي: "إننا قد قبلناه في 1988". وأعلنت الحركة أنها ستقدم طلبا للترخيص لها حزب سياسي.

ورأى مراقبون في تصريحات الغنوشي محاولة منه "لطمأنة الطبقة السياسية التونسية والغرب"، ولاسيما أن حركته خاضت منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مواجهات مفتوحة ضد المقومات العلمانية للدولة الحديثة في تونس.

منصف السليمي

مراجعة: عماد مبارك غانم

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW