1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تونس: هل معركة كسر العظم بين اتحاد الشغل وقيس سعيد حتمية؟

طارق القيزاني تونس
٢٠ أغسطس ٢٠٢٥

شهدت العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل والرئيس قيس سعيد موجات من المد والجزر لتصل اليوم إلى مواجهة قد تكون مصيرية تلوح في الأفق. ما الأسلحة والأوراق التي يملكها كل طرف؟

تظاهرة ضد الرئيس قيس سعيد أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل
ساند الاتحاد العام التونسي للشغل في البداية قرارات 25 يوليو/تموز 2021 "الإنقلابية" الصادرة عن الرئيس قيس سعيدصورة من: Tarek Guizani/DW

عودة التجمعات إلى بطحاء "محمد علي الحامي" قبالة المقر المركزي للاتحاد العام التونسي للشغل تعني عودة الروح إلى المنظمة النقابية القوية في تونس، والتي تواجه اليوم اختبار الحقيقة في علاقتها بالسلطة التي يقودها الرئيس قيس سعيد بصلاحيات استثنائية منذ عام 2021.

وبعد سنوات من العلاقات المتأرجحة وغير الواضحة بين الاتحاد والرئيس سعيد منذ إقدامه على إعلان التدابير الاستثنائية، ينظر إلى التوتر المتصاعد مؤخراً كتمهيد لمواجهة حتمية لا مفر منها، مواجهة تأتي في توقيت قد يكون غير مؤات للمنظمة النقابية في ظل تصدعات داخلية بين أجنحتها.

الاتحاد وقرارات 25 يوليو

ساند الاتحاد قرارات الرئيس سعيد يوم 25 تموز/يوليو عام 2021 بتجميده اختصاصات البرلمان وحله لاحقاً لكافة الهيئات الدستورية وارسائه لنظام رئاسي بصلاحيات معززة ومهيمنة على باقي المؤسسات، بدعوى تصحيح مسار الثورة ورداً على الأداء المتعثر للطبقة السياسية التي أعقبت ثورة 2011، غير أن التوتر سرعان مع طفى على السطح بين الجانبين بسبب ما اعتبره الاتحاد احتكاراً مطلقاً من قبل الرئيس للقرارات المصيرية في قيادة الدولة وإبعاده لأي سياسة تشاركية.

وفي تعليقه على ذلك يوضح الخبير الجامعي المتخصص في الحركات النقابية المولدي القسومي لـDW عربية: "لم يحسن الاتحاد قراءة اللحظة، ساند الانقلاب وورط المؤسسة في التعاطي مع رئيس لا يحمل سجله أي خبرات داخل المؤسسات أو الجهاز الحكومي أو حتى الأحزاب، والنتيجة أن السلطة والجهاز الحكومي احتكما لاحقاً إلى القوة الصلبة (المؤسسة الأمنية والعسكرية) الأمر الذي أفقد أي هامش للتفاوض مع الشركاء".

اتحاد الشغل "آخر القلاع" الصامدة

على الرغم من ذلك لا يزال ينظر إلى المنظمة النقابية كآخر القلاع الصامدة بعد حملة من السلطة التنفيذية ألغت أي دور للأحزاب والمنظمات وللهيئات القانونية كان آخرها "هيئة النفاذ إلى المعلومة"، بدليل أن الاتحاد ساند بشكل علني النضالات المرتبطة بالحقوق والحريات العامة وليس القضايا النقابية فحسب، وكانت الكثير من المسيرات الاحتجاجية انطلقت من "ساحة محمد علي الحامي" التاريخية.

وتتجه العلاقة الآن إلى مسار أكثر توتراً مع قرار الحكومة تعليق المفاوضات الاجتماعية، الأمر الذي اعتبره الاتحاد "سابقة خطيرة". ثم محاولات أنصار الرئيس سعيد للاحتجاج واقتحام المقر المركزي للمنظمة النقابية وسط تحذيرات من الانزلاق إلى مربع العنف، قبل أن تحظر الحكومة في منشور رسمي "التفرغ النقابي" لموظفي الدولة رداً على قرار الهيئة الإدارية للاتحاد بالتجمع في الشارع والتلويح بالإضراب العام.

بالنسبة لـ"جبهة الخلاص الوطني" وهو ائتلاف جامع للأحزاب المعارضة ويعد التنظيم السياسي الرئيسي المعارض للرئيس قيس سعيد في هذه المرحلة، فإن "استهداف" الاتحاد يأتي في إطار "سياسة ممنهجة للسلطة لاستهداف كل النسيج السياسي والمدني والقوى الفاعلة فيه".

ويضيف على ذلك رياض الشعيبي السياسي المعارض والقيادي في الجبهة لـDW عربية: "رغم أن موقف اتحاد الشغل ازاء الانقلاب تراوح بين الدعم الأولي والمساندة النقدية إلا أن ذلك لم يشفع له ولم يحصنه من الإجراءات التعسفية التي سلطت من قبل على القوى الديمقراطية المناهضة للانقلاب". ويعتقد الشعيبي أنه في كل الحالات لن يكون هناك من حل لاتحاد الشغل "سوى أن يتخذ موقفاً وطنياً منحازاً للديمقراطية وكرامة التونسيين، ويخرج من حالة التردد التي مازال لم يتحرر منها رغم ما تفعله السلطة به اليوم".

يرى البعض أن نزول الاتحاد العام التونسي للشغل إلى الشارع سيدفع الرئيس قيس سعيد إلى التراجعصورة من: Tarek Guizani/DW

هل الاتحاد في خطر؟

هناك اعتراف داخل المنظمة النقابية بأن الاتحاد يمر بأزمة لا أحد يمكنه انكارها، بدأت ملامحها مع الخلافات التي سادت المؤتمر الاستثنائي عام 2021 والذي مهد للتمديد لقيادات بعينها في مناصبها من بينهم الأمين العام نور الدين الطبوبي عبر تعديل الفصل 20 من القانون الأساسي للمنظمة. وفتح ذلك باباً لانقسامات داخلية أضعفت كثيراً من أداء الاتحاد ودوره التقليدي في أوج فترة ولاية الرئيس قيس سعيد.

ومما زاد في تعقيد موقف النقابة، وفق الخبير المولدي القسومي، هو تزامن الأزمة الداخلية للمنظمة مع سياق سياسي في البلاد ترفض فيه السلطة الأجسام الوسيطة ولا تعترف بها.

 من ناحية أخرى تبدو الأزمة أعمق من ذلك، كما لخصها القسومي، وهي ترتبط أساسا بالتأخر في تحديث البنية التنظيمية المتقادمة لاتحاد الشغل التي تعود إلى عام التأسيس في 1946، وهي بنية لا تتسق مع تجارب محلية بقدر ما كانت مستوحاة من تجارب نقابية غربية مواكبة للثورة الصناعية، وبعيدة عن البيئة التونسية.

والخطأ الآخر الذي يراه الخبير هو أن اتحاد الشغل لم يواكب تطورات أنماط العمل والإنتاج المعاصرة اليوم بما في ذلك الثورة الرقمية وطفرة الذكاء الاصطناعي، في وقت يسيطر فيه العمل الافتراضي على نحو 40 بالمئة من أنماط الإنتاج في العالم، على حد تعبيره.

ولا يعتقد الخبير أن الاتحاد العام التونسي للشغل ببنيته الحالية قادر على إبقاء التوازن مع السلطة أو لعب دوره السياسي التقليدي بنفس الحضور والنفوذ كما كان الأمر في فترات سابقة. ويشترك في هذه النقطة أيضاً النقابي خالد غالي الذي تولى سابقاً رئاسة الاتحاد الجهوي في جبنيانة أحد المعاقل المهمة لاتحاد الشغل بولاية صفاقس، حيث أقر أيضا بوجود عوامل خارجية تضيق على عمل الاتحاد.

ويضيف خالد غالي في حديثه لـDW عربية: "إن الأمر المخيف هو الرفض الممنهج للأجسام الوسيطة من قبل السلطة، بدليل التعامل غير الواضح للرئيس مع الأحزاب بما في ذلك المؤيدة له، إذ لا وجود لها تقريباً في الحياة السياسية".

وما يعزز هذه المخاوف في نظر المتابعين للأزمة في تونس، ميل السلطة إلى سحب البساط من اتحاد الشغل وتقمص الأدوار المعتادة له، بمناقشتها داخل الحكومة تعديل قانون الشغل وتسوية ملفات اجتماعية تخص آلاف العمال العرضيين والأساتذة النواب (المعوضين) وإلغائه العمل بصيغ المناولة (شركات الوساطة)، واعتبر ذلك قفزاً على دور الاتحاد والشركاء الاجتماعيين.

مع ذلك يعتقد النقابي خالد غالي بشكل واثق أن محاولات التضييق لن يمكنها في نهاية المطاف حل الاتحاد، في ظل النصوص الملزمة للدستور والاتفاقيات الدولية التي تفرض على للدولة ضمان الحق النقابي.

السيارات الشمسية تتألق في تونس

02:03

This browser does not support the video element.

المفاوضات أو الشارع

هناك خياران حتى الآن في مسار الأزمة بين اتحاد الشغل والسلطة. حيث هدد الرئيس قيس سعيد في خطابات مبطنة بتحريك القضاء ضد ملفات فساد داخل اتحاد الشغل والتضييق على مصادر تمويل المنظمة النقابية بمنع الاقتطاعات الشهرية الآلية من رواتب العمال، وهي سياسة قد تدفع الاتحاد في آخر المطاف إلى خوض معركة وجود بالنسبة له.

فمن جهة تدفع جهات إلى صدام مباشر بين الاتحاد والسلطة، وهو خيار ينطوي على مخاطر من شأنها أن تدخل البلاد في حالة استقطاب حادة وتزيد من حالة الإرباك وعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

ويعتقد النقابي خالد غالي أن هذا الخيار ليس في مصلحة الدولة بالعودة إلى السوابق الخطيرة لمثل هذا النوع من الصراعات في تاريخ تونس، ولا سيما أحداث "الخميس الأسود" يوم 26 يناير/كانون الثاني عام 1978 والتي تسببت في سقوط قتلى في مواجهات بين أنصار الاتحاد وقوات النظام في الشوارع، فضلاً عن حالة الفوضى التي سادت البلاد آنذاك.

وبدل ذلك يرى النقابي المخضرم خالد غالي أن الحل الأسلم هو الاتجاه للتفاوض السلمي، مشيراً إلى القرارات "العقلانية" للهيئة الإدارية للاتحاد بإعلانها الخروج في مسيرة سلمية واللجوء إلى الإضراب العام في حال تكررت الاعتداءات في المقر المركزي واستمرار تعليق المفاوضات الاجتماعية.

لكن هناك شق آخر يدعم العودة إلى الشارع باعتباره قوة ضغط، بهدف إعادة تعديل موازين القوى ودفع السلطة إلى التراجع. ويستشهد الخبير المولدي القسومي بمآل احتجاجات الأطباء الشبان في الشارع قبل أسابيع، للمطالبة بحقوقهم المهنية والمالية ما دفع الحكومة التي تأتمر بأوامر الرئيس، في نهاية المطاف إلى التنازل والتفاوض بعد أن أبدت مواقف متصلبة في البداية.

ويضيف القسومي في تحليله لهذه النقطة "يملك الاتحاد 54 بالمئة من المنخرطين من الشباب سيساعد هذا على كسب الشارع التونسي وعلى تصالح المنظمة النقابية مع الفعل النقابي وإعادة تقديم نفسها". لكن المخاوف قد ترتد على الاتحاد في حال فشله في تعبئة الشارع. ويؤكد القسومي هنا بنبرة واثقة: "الناس ستأتي إلى الشارع ليس لدعم القيادات في الاتحاد ولكن للتعبير عن تمسكهم بالمنظمة النقابية ضد بطش السلطة وتوسع المسار الشمولي وإقصاء الشركاء".

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW