ثوابت سياسة عُمان في عهد قابوس.. هل تستمر في عهد خلفه هيثم؟
١١ يناير ٢٠٢٠
في كلمته الأولى بعد توليه العرش حدد سلطان عمان الجديد هيثم بن طارق ملامح سياسة بلاده الخارجية، فما هي توجهات سياسة عمان في المرحلة القادمة؟ وهل سيحافظ على الثوابت التي وضع أسسها سلفه السلطان قابوس بن سعيد؟
إعلان
أكد هيثم بن طارق بن تيمور سلطان عماناليوم السبت (11 كانون ثاني/يناير 2020) على ثوابت بلاده القائمة على التعايش السلمي وحسن الجوار واحترام سيادة الدول. وشدد السلطان هيثم، في كلمة خلال مراسم تنصيبه، على ضرورة العمل على النأي بالمنطقة العربية عن الصراعات والخلافات، مشيرا إلى دفع مسيرة التعاون الخليجي قدما إلى الأمام. وأضاف "سنحافظ على العلاقات الودية مع كل الدول".
وقال السلطان هيثم، عبر التلفزيون الرسمي لسلطنة عمان: "السلطان قابوسأرسى مكانة دولية للسلطنة، سنسير على نهج السلطان قابوس". وتابع: "سنسير خارجيا على الخط الذي رسمه السلطان قابوس، وحريصون على عدم التدخل في شؤون الغير".
وأضاف "سنواصل مع الأشقاء في دول الخليج مسيرة التعاون والتعاضد، ونسعى مع الدول العربية إلى النأي بالمنطقة عن الصراعات". وأكمل: "سنواصل تنفيذ السياسة الخارجية القائمة على التعايش السلمي، وسنبني علاقاتنا مع دول العالم وفق نهج السلطان الراحل".
يشار إلى أن عمان عرفت في عهد السلطان الراحل باستقرارها السياسي في منطقة غالبا ما تعصف بها الأزمات، حيث توجّهت الدول الغربيّة مرارا إلى مسقط لتطلب منها العمل كوسيط، ليس في النزاعات الإقليميّة فحسب، لكن في القضايا الدولية أيضًا، بما في ذلك الاتّفاق النووي مع إيران في عام 2015. فقد ساعدت السلطنة في جهود وساطة خلال محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013 أدت إلى الاتفاق النووي التاريخي الذي تم توقيعه بعد ذلك بعامين.
واحتفظت مسقط بالعلاقات مع كل من بغداد وطهران خلال الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988 كما احتفظت بالعلاقات مع كل من الولايات المتحدة وإيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979.
وحافظت مسقط على علاقات جيدة مع طهران، بينما بقيت في مجلس التعاون الخليجي، رغم العداوة العميقة بين السعودية وإيران ونأت بنفسها عن الأزمة بين قطر وكل من السعودية والإمارات. وأنتهج السلطان قابوس سياسة خارجية مستقلة، ولم يأخذ جانبا في الصراعات الإقليمية.
كما لم تنضم عمان للتحالف العسكري بقيادة السعودية الذي تدخل في اليمن لمواجهة جماعة الحوثي. وقال سايمون هندرسون مدير برنامج برنشتاين حول الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى إن حياد عمان الدبلوماسي مثّل أحد عناصر شخصية السلطان قابوس. وأضاف "من الصعب أن نتصور كيف ستنخرط عمان في قضايا اليمن وإيران وقطر قبل أن يرسخ قائد جديد أقدامه في الحكم، أي في المستقبل المنظور".
وأجتمع السلطان قابوس مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في أكتوبر تشرين الأول عام 2018 خلال زيارة نادرة للسلطنة. وفي حين قامت دول خليجية أخرى بمفاتحات تجاه إسرائيل، لم يجتمع أي من قادتها مع نتنياهو، كما فعل السلطان قابوس.
داخليا تمكن السلطان قابوس من رأب صدوع قديمة في دولة ظلت منقسمة طويلا بين الداخل الذي تسكنه قبائل محافظة والمنطقة الساحلية المنفتحة على الخارج. وعُرف بين شعبه بصانع النهضة بعد أن استثمر مليارات الدولارات من العائدات النفطية في البنية الأساسية وفي بناء أحد أفضل الجيوش تدريبا في المنطقة. وقال كريستيان كوتس أولريكسن من معهد بيكر بجامعة رايس بولاية تكساس لرويترز إن "السلطان قابوس كان يتمتع بتلك السلطة الكاريزمية، وصار مرادفا لعمان كدولة حديثة على نحو يجعل من الصعب على أي خليفة مضاهاة ذلك، على الأقل في البداية".
لكن يخشى محللون الآن من خلاف في الأسرة الحاكمة وتجدد التنافس بين القبائل وتزعزع الاستقرار السياسي بعد اختيار حاكم جديد في وقت تقلد فيه صقور شبان السلطة في السعودية والإمارات.
لكن سايمون هندرسون مدير برنامج برنشتاين حول الخليج وسياسات الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يقول "ربما يتمثل الخطر العاجل في أن اللاعبين الإقليميين قد يحاولون التأثير على نتيجة الخلافة أو القائد الجديد المختار". وأضاف "الإمارات لها مصلحة، وكذلك السعودية. أما إيران فمن المرجح أن تكون انتهازية في كيفية لعب الورق".
والسلطان هيثم هو أبن عم السلطان الراحل قابوس، وهو من مواليد عام 1954. وتولى السلطان هيثم العديد من المناصب في عُمان، فسبق وكان رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية "عمان 2040" ثم وزيرا للتراث والثقافة منذ شباط/ فبراير 2002، كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية ومنها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية ووزير مفوض.
ح.ع.ح/ع.ج.م(د.ب.أ/أ.ف.ب، رويترز)
السلطان قابوس ـ رجل التوازنات الصعبة في منطقة ملتهبة
خلال نصف قرن من حكمه لسلطنة عمان حوَّل السلطان قابوس بلاده من دولة فقيرة ممزقة إلى دولة مزدهرة، واتسمت سياستها الخارجية بالتوازن والاستقلالية مما أهل مسقط للعب دور الوسيط. في صور؛ محطات من مسيرة السلطان قابوس.
صورة من: Reuters/AFP/A. Caballero-Reynolds
الانقلاب على والده وتولي الحكم
عن عمر بلغ 79 عاما، توفي حاكم سلطنة عمان، السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، مساء الجمعة (10 يناير/ كانون الثاني 2020). ويُعد قابوس بن سعيد، المولود عام 1940، تاسع سلاطين عمان، منذ تحول لقب الحاكم في ذلك البلد من إمام إلى سلطان. تخرج السلطان قابوس من أكاديمية ساندهيرست العسكرية البريطانية، وتولى حكم السلطنة وهو في سن الـ29 بعد انقلاب على والده بمساعدة الجيش العماني ودعم بريطانيا.
صورة من: imago/Xinhua
خمسون عاما في حكم السلطنة
تولى قابوس حكم السلطنة في يوليو/ تموز 1970، بعد خلع والده السلطان سعيد بن تيمور بن فيصل (الصورة) من الحكم بانقلاب أبيض، ليموت الأب في لندن بعد ذلك بعامين تقريبا. ومنذ البداية سار قابوس على نهج يخالف والده، الذي كان يرفض أي تحديث للبلاد. مثلا في زمن والده كان لا يوجد في عمان ما يزيد عن 10 كيلومتر من الطرق الأسفلتية، ولم يكن هناك نظام صحي ولا مدرسي حديث. وكانت عمان فقيرة ويمزقها الانشقاق.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
استقرار سياسي واجتماعي
تمكن قابوس من إدخال إصلاحات عديدة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وساعدته عائدات النفط في القيام بتشييد بنية تحتية ساهمت في تطور مطرد لقطاع السياحة في بلده. وتحولت بلده إلى أكثر الدول العربية استقرارا. كما وصلت الثروة إلى قطاعات عريضة في بلده لذلك كان محبوبا بين العمانيين، لكن بعد الربيع العربي توتر الوضع المادي وارتفعت نسبة البطالة مقارنة بالسابق.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Grimm
سياسة خارجية متوازنة
عمل قابوس على انفتاح بلاده وإقامة علاقات مستقلة ومتوازنة مع الجميع ولم يأخذ جانبا في صراع النفوذ بين السعودية وإيران أو في خلاف دول خليجية مع قطر. كما احتفظت مسقط بالعلاقات مع الولايات المتحدة وإيران بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1979. وساعدت سلطنة عمان في جهود وساطة خلال محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران في عام 2013 أدت إلى الاتفاق النووي التاريخي الذي تم توقيعه بعد ذلك بعامين.
صورة من: AFP/Getty Images/N. Kamm
عدم مقاطعة مصر بعد كامب ديفيد
عندما وقعت مصر مع إسرائيل معاهدة كامب ديفيد للسلام عام 1978 قاطعت الدول العربية مصر، ما عدا السودان والصومال وبالطبع عمان. فقد احتفظ السلطان قابوس بعلاقات دبلوماسية كاملة مع مصر السادات.
صورة من: picture-alliance/CNP/Arnie Sachs
الانفتاح على إسرائيل
أجتمع السلطان قابوس مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في أكتوبر تشرين الأول عام 2018 خلال زيارة نادرة للسلطنة. وفي حين قامت دول خليجية أخرى بانفتاح تجاه إسرائيل، إلا أن لم يستقبل أي من قادتها مع نتنياهو، كما فعل السلطان قابوس.
صورة من: Israel Prime Ministry Office
السلطان الأعزب أبدا
كان قابوس الابن الوحيد لأبيه وكانت له أخت غير شقيقة. وتزوج قابوس لفترة قصيرة لكنه لم يرزق بأبناء. وفي سنواته الأخيرة اشتد عليه المرض وكان يذهب للعلاج في ألمانيا أيضا، لكن آخر رحلة علاج له كانت الشهر الماضي في بلجيكا. وبوفاته أعلنت عمان الحداد لثلاثة أيام وتنكيس الأعلام لمدة 40 يوما. كما أعلنت مصر والإمارات والكويت والأردن والبحرين الحداد لثلاثة أيام وقررت الدول الخمس تنكيس الأعلام.
صورة من: Reuters/AFP/A. Caballero-Reynolds
انتقال هادئ للسلطة
بعد فتح وصية السلطان قابوس، كما يقضي دستور البلاد، عين مجلس العائلة هيثم بن طارق بن تيمور، ابن عم السلطان الراحل، سلطان للبلاد. والسلطان هيثم ولد عام 1954 وتولى العديد من المناصب، فسبق وكان رئيس اللجنة الرئيسية للرؤية المستقبلية "عمان 2040" ثم وزيرا للتراث والثقافة، كما شغل العديد من المناصب في وزارة الخارجية ومنها الأمين العام، ووكيل الوزارة للشؤون السياسية ووزير مفوض.
صورة من: picture-alliance/dpa
مواصلة ثوابت سياسة قابوس
وأدى هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد اليمين الدستورية سلطانا لعمان السبت (11 يناير/ كانون الثاني 2020). وفي كلمته خلال مراسم تنصيبه قال "سنسير على نهج السلطان الراحل وعلى الثوابت التي اختطها لسياسة بلادنا الخارجية القائمة على التعايش السلمي بين الأمم والشعوب وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين واحترام سيادة الدول والتعاون الدولي وحل الخلافات بالطرق السلمية". إعداد: صلاح شرارة