جاؤوا من أجل البقاء ـ هذه حكاية أوروبا ومهاجريها!
٢٤ مايو ٢٠١٩ساندرا فاكَّا ترتدي القفازات وتصعد فوق كرسي صغير وتفتح الستار. وفي الخلف توجد لوحات حمراء اللون، كتب عليها باللون الأبيض اسماء لمهن باللغة التركية، من بينها: ميكانيكي سيارات، عامل معادن، عامل في مجال التعبئة والتغليف، وغيرها. "إنها لوحات أصلية لمكتب التوظيف في إسطنبول حيث كان يجري اجتذاب عمال وعاملات للهجرة. وكان يتم استجلاب الناس من بلدانهم الأصلية. واللوحات توضح الحِرَف، التي كان يجري البحث عنها للعمل في ألمانيا وبجوارها عدد العمال المطلوبين"، تقول فاكَّا. لقد درست فاكَّا علم المتاحف، وتدير مشروع "متحف الهجرة الافتراضي" التابع لمركز التوثيق ومتحف الهجرة في ألمانيا (DOMiD) بمدينة كولونيا.
ومجلس الأمناء عمل على إجراء مقابلات مع أشخاص لهم تجربة مع الهجرة وبدونها يتم التعرف عليها في متحف الهجرة الافتراضي. وبإمكان المستخدم من خلال نقرة التعرف على عقود مختلفة والغوص في حكايات متعددة. "أردنا سرد تاريخ ألمانيا من جديد انطلاقا من زاوية المهاجرين والمهاجرات، لأن تجاربهم ظلت في الغالب غير معروفة. وكل قصة لها وزنها. وكل هذه الأشياء التي نحتفظ بها في المستودع تحكي قصة هذه الهجرة"، تقول، ساندرا فاكَّا.
قصص عائلية: مرآة للمجتمع الألماني
المعروضات التي يمكن رؤيتها في المتحف الافتراضي موجودة في مستودع نادي مركز التوثيق. وبدأت عملية التجميع قبل 30 سنة عندما أسس مهاجرون ومهاجرات أتراك النادي في 1990، والآن توجد هنا نحو 150.000 قطعة معروضة من جميع أنحاء العالم. "غالبا ما يعتقد الناس أنه ليس لديهم ما يحكونه ثم نتحاور معهم ونشاهد معا بعض الصور ونجد أشياء، ثم يشرعون في سرد الحكايات ويلاحظون كيف هي حياتهم مهمة ومتنوعة ومثيرة". إنها أشياء مثل جواز سفر لصق داخله أول طابع يسمح بالإقامة، وشهادة مدرسية بدون درجات، لأنه آنذاك عندما كان الشخص لا يتكلم الألمانية، لا يجري تقييمه من خلال الدرجات. إنها حكايات حول المجيئ. وكذلك حول التهميش: "العنصرية والتعامل معها هو موضوع قائم لدينا. لدينا مثلا لائحة الاتهام ولافتات التظاهر لمحكمة الحركة السرية الاشتراكية القومية ومقابلات مع معنيين وأشياء أخرى في أرشيفنا تكشف هذا الوجه من التاريخ"، تقول فاكَّا
شريط كاسيت للأبوين وقفازات ملاكمة للشبيبة
ساندرا فاكَّا تكشف لنا عن إحدى الأدوات المحببة لديها. "هذا شريط كاسيت لطفل ممن أطلق عليهم أطفال الحقيقة. إنهم أطفال تربوا عند أقربهم كالجدة أو الخالة أو أعضاء آخرين في العائلة في الوقت الذي كان الآباء يشتغلون في ألمانيا ـ فسنة واحدة تطورت إلى سنتين وأكثر إلى أن باتت عشر سنوات. فعوض إرسال رسائل بعثوا بشرائط الكاسيت هذه. ولدينا شريط كاسيت نسمع فيه بنتا وهي تغني. واحدة من الحكايات المثيرة للعواطف"، تقول فاكَّا.
وإلى جانبها توجد قطعة أخرى معروضة: قفازا ملاكمة قدمهما بورو مارموفيتش الذي يتدرب منذ سنوات على الملاكمة. وهو عندما قدم إلى ألمانيا في 1975 كان طفلا لعائلة من البوسنة والهرسك التابعة سابقا ليوغوسلافيا إلى ألمانيا. وفي 1988 عادت العائلة إلى وطنها القديم، لكن بعد سنوات قليلة تفجرت الحرب ـ وبورو ماركوفيتش عاد في 1993 إلى ألمانيا، وهذه المرة كلاجئ حرب.
ومنذ تلك اللحظة وهو يعيش في مدينة صغيرة بالقرب من كولونيا. وحين يُسأل عن وطنه، أي ما هو وطنه الآن، يرد في ابتسامة: "نادي كولونيا لكرة القدم" ويكشف في فخر عن قميص النادي. وفي عمله كوسيط اندماج لنادي بيكوم يحاول ماركوفيتش مد الجسور الثقافية واللغوية والاجتماعية. فقط عندما يتم مد هذه الجسور، يمكن أن ينجح الاندماج والتعايش السلمي في ألمانيا وكذلك أوروبا.
المتحف في جولة
وتريد ساندرة فاكا عرض هذا المشروع في 18 مدينة بألمانيا. فكطفلة لمهاجرين إيطاليين مولودة بفرنسا وتعيش منذ عشر سنوات في ألمانيا، فإن هذا الموضوع أخذ حيزا كبيرا من اهتمامها: "أنا بأي حال من الأحوال طفلة أوروبا. الهجرة هي جزء من التاريخ الأوروبي والحاضر والمستقبل، ويجب علينا الحديث عن ذلك. فالكثير من أطفال المهاجرين في الجيل الثاني أو الثالث يسمعون ويرون من خلال هذه المعروضات لأول مرة حكاية الأجداد، لأنه غالبا ما لا يتم الحديث في هذه العائلات عن الماضي وعن تجارب الهجرة الشخصية، وبالتالي فإنه من المهم من خلال المقابلات والقطع المعروضة إيصال هذه القصص".
وأمنيتها الكبرى هي إدارة متحف حقيقي، والمعروضات موجودة بوفرة. والمفاوضات مع المدينة ماضية الآن، لأن الاهتمام بمتحف هجرة كبير جدا. وإلى ذلك الحين يمكن مشاهدة المعرض على صفحة متحف الهجرة الافتراضي.
راينا برويير/ م.أ.م