جائزة ساخاروف للصحفية الجورجية المسجونة مزيا أماغلوبيلي
٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥
حصلت الصحفية الجورجية مزيا أماغلوبيلي على جائزة ساخاروف لحرية الفكر لعام 2025. وأعلن عن ذلك البرلمان الأوروبي اليوم 22 تشرين الأول/أكتوبر 2025 في ستراسبورغ.
حُكم في آب/أغسطس الماضي على مزيا أماغلوبيلي بالسجن عامين في جورجيا بسبب ضربها ضابط شرطة خلال مظاهرة مؤيدة لأوروبا.
صحفية تحت ضغط السلطات
ومزيا أماغلوبيلي صحفية عمرها 50 عامًا واشتهرت بشكل خاص كمؤسسة مشاركة ومديرة لوسيلتي إعلام مستقلتين: فقد أسست في عام 2000 صحيفة "باتوميليبي" المحلية، التي كانت تتحدث حول الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة أجارا، التي تتمتع بالحكم الذاتي وعاصمتها باتومي. وتعرض هذه الصحيفة للضغوط والتهديد من جانب رئيس أجارا السلطوي المستبد أصلان أباشيدزه، وكذلك من الرئيس السابق ميخائيل ساكاشفيلي ومن الحزب الحاكم حاليًا، حزب "الحلم الجورجي". وفي عام 2009، حصلت صحيفة "باتوميليبي" على جائزة الصحافة الأوروبية، التي يتم منحها لوسائل الإعلام التي تتصدى للرقابة والقمع.
وبالإضافة إلى ذلك تعتبر مزيا أماغلوبيلي من مؤسسي الصحيفة الإلكترونية الجورجية "نيتغازيتي"، التي فازت أيضًا بجائزة الصحافة الأوروبية في عام 2015. وكانت الصحيفتان تنشران تحقيقات حول الفساد وإساءة استخدام السلطة. وفي عام 2022 حجبت هيئة الرقابة الروسية "روسكومنادزور" الوصول إلى موقع النسخة الروسية من صحيفة "نيتغازيتي" في روسيا.
لماذا تم اعتقالها؟
وفي خريف عام 2024، خرجت احتجاجات جماهيرية حاشدة ضد الحكومة الجديدة بعد الانتخابات البرلمانية في جورجيا. وخرج المتظاهرون في البداية بقيادة الرئيسة آنذاك سالومي زورابيشفيلي من أجل الطعن في نتائج الانتخابات الرسمية. ورفضوا قرار الفائزين المزعومين في الانتخابات بتعليق اندماج جورجيا أوروبيًا. واعتُقل عشرات المتظاهرين بتهم مختلفة. واستمرت الاحتجاجات عدة أشهر، وقع خلالها العديد من الصحفيين ضحايا لعنف الشرطة والاعتقال. وكانت أول صحفية تم سجنها نتيجة هذه الإجراءات الحكومية الصارمة ضد المتظاهرين هي: مزيا أماغلوبيلي.
وشاركت مزيا أماغلوبيلي في الاحتجاجات في مدينتها باتومي الواقعة على البحر الأسود. وفي ليلة 11 على 12 كانون الثاني/يناير، تم اعتقالها مرتين: الأولى بسبب توزيعها ملصقات تدعو إلى إضراب عام. وإثر ذلك تشكلت احتجاجات أمام مركز الشرطة من أجل المطالبة بالإفراج عن المتظاهرين المعتقلين. وعندما أُطلق سراح أماغلوبيلي بعد ساعتين من احتجازها، انضمت على الفور إلى المتظاهرين، وتم اعتقالها من جديد بعد ذلك وقت قصير.
ومن المفترض أنَّ الصحفية مزيا أماغلوبيلي ضربت قائد شرطة باتومي، إيراكلي دجيبوادزه، خلال مشادة كلامية. وبحسب وسائل الإعلام الجورجية فقد كان هو أيضًا من أمر باعتقالها في وقت سابق من ذلك اليوم. وتنفي الصحفية ضربها دجيبوادزه عمدًا. ويؤكد محاميها على أنَّها كانت ردَّت بعفوية فقط على "عمل الشرطي الاستفزازي".
ومن جانبه يؤيد رئيس الوزراء إيراكلي كوباخيدزه اعتقال الصحفية أماغلوبيلي، ويقول: "يجب على الجميع أن يعلموا أنَّ الشرطي لا يمكن مساسه. فالشرطي يمثّل الدولة، ويمثّل سلطة الدولة. وعندما يتعلق الأمر بشرطي رفيع المستوى، فإنَّ القيام بمثل هذا العمل معه أمر غير مقبول على الإطلاق. وهذا ليس مجرد غير مقبول، بل يمثّل جريمة خطيرة جدًا"، كما أوضح رئيس الوزراء.
كيف سارت محاكمة أماغلوبيلي؟
وخلال احتجازها في زنزانة انفرادية، بدأت أماغلوبيلي إضرابًا عن الطعام للتعبير عن أنَّها تعتبر اعتقالها واعتقال المتظاهرين الآخرين أمرًا غير مبرَّر. وبعد 38 يومًا، أنهت إضرابها عن الطعام بعد أن تدهورت حالتها الصحية. وبحسب محاميتها، مايا زارياشفيلي، فقد أصيبت أماغلوبيلي بضعف في النظر: "وهي تعاني من إعتام في عدستي عينها. وقد أصبحت شبه عمياء في إحدى عينيها، وتبلغ قوة الرؤية في العين الأخرى حتى مع ارتداء النظارات نسبة 30 بالمائة فقط".
وفي 6 آب/أغسطس 2025، حُكم على مزيا أماغلوبيلي بالسجن عامين. وفي البداية، واتهمتها النيابة العامة بتهمة خطيرة وهي "الاعتداء على ضابط شرطة"، وكان ذلك يعني على الأرجح عقوبة أشد بكثير. ولكن القاضي المسؤول أعاد فتح القضية، وأدانها في النهاية بتهمة "مقاومة شرطي أو تهديده واستخدام العنف ضده".
وفي مرافعتها الختامية، أظهرت الصحفية أماغلوبيلي أنَّها صترمة لا يمكن إخضاعها. وقالت: "هذا الحكم ليس عقابًا لي فقط، بل لكم أيضًا يا سادتي المدعون العامون. وهو عقوبة لمهنة جميع من شاركوا في هذه القضية نيابة عن الدولة". وخلال النطق بالحكم تجمع حشد من الناس في ساحة المحكمة لدعم الصحفية والمطالبة بالإفراج عنها.
دعم في جورجيا وخارجها
وبعد اعتقالها، أصبحت مزيا أماغلوبيلي رمزًا لقمع الصحافة من قبل السلطات الجورجية. ووصفت عشرات منظمات حقوق الإنسان وممثلو عدة دول هذا الحكم الصادر ضدها بأنَّ دوافعه سياسية.
وفي حزيران/يونيو، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يطالب بشكل صريح بالإفراج الفوري وغير المشروط عن أماغلوبيلي. وذكر القرار أنَّ اعتقالها يعتبر جزءًا من هجوم أوسع على وسائل الإعلام المستقلة في جورجيا. وكذلك رفض ناشطو حقوق الإنسان والمحامون وزملاء أماغلوبيلي هذه المحاكمة باعتبارها مدفوعة بدوافع سياسية. وأكدوا على أنَّ سلوك الصحفية لا يبرر ملاحقتها الجنائية. في واحدة من حملات التضامن مع الصحفية مزيا أماغلوبيلي، نشر مئات من ممثلي وسائل الإعلام بيانًا مشتركًا وصفوا فيه الصحفية أماغلوبيلي بأنَّها أول سجينة رأي في جورجيا اليوم.
وتطالب عشرات المنظمات الدولية بإطلاق سراح أماغلوبيلي، وتشكو من قمع حرية الإعلام في جورجيا. وكذلك أعرب سياسيون ودبلوماسيون غربيون، من بينهم الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس ومفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون التوسع مارتا كوس، مرارًا وتكرارًا عن دعمهم للصحفية أماغلوبيلي.
جائزة ساخاروف لحرية الفكر
وسيتم منح جائزة ساخاروف في 16 كانون الأول/ديسمبر. ولكن مزيا أماغلوبيلي لن تتمكن من الحضور شخصيًا بسبب اعتقالها.
وهذه الجائزة، التي تبلغ قيمتها 50 ألف يورو، تحمل اسم الفيزيائي السوفيتي والمدافع عن حقوق الإنسان أندريه ساخاروف. وقد أنشأها البرلمان الأوروبي في عام 1988، ويتم منحها سنويًا لمنظمات أو لأفراد تكريمًا لمساهماتهم في حماية حقوق الإنسان، وخاصة حرية التعبير عن الرأي.
وبالإضافة إلى مزيا أماغلوبيلي، تم ترشيح مرشحين آخرين لجائزة ساخاروف لعام 2025، هم الصحفي البيلاروسي المسجون أندريه بوتشوبوت، وكذلك صحفيون وعاملون في مجال المساعدات الإنسانية في غزة ومناطق نزاع أخرى، ممثلين من خلال اتحاد الصحفيين الفلسطينيين والهلال الأحمر ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (الأونروا)، وأيضًا طلاب صربيون.
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: يوسف بوفيجلين