فاجأ منح جائزة نوبل للسلام 2015 لرباعية الحوار الوطني في تونس أعضاء الرباعية وعموم الشعب التونسي أيضا. ورغم نجاح تونس في الخروج من عدة أزمات سياسية، يرى مراقبون في الجائزة تذكيرا للتونسيين بالالتزام بالمسار الديمقراطي.
إعلان
فاجأ منح لجنة جائزة نوبل للسلام لرباعية الحوار الوطني في تونس أعضاء اللجنة الرباعية وعموم الشعب التونسي على حد سواء. فالكثيرون لم يصدقوا الخبر في البداية، حيث كانوا يعتقدون أن الأمر يتعلق بخبر كاذب. غير أن ذلك لم يدم طويلا ليعم الفخر التونسيين بهذه الجائزة التي تُمنح لأول مرة في التاريخ التونسي. وعلقت البرلمانية التونسية السابقة كريمة سويد على الحدث بتغريدة على موقع توتير قائلة: "الجائزة هي بادرة أمل في هذه الفترة الصعبة التي تمر فيها تونس من الجمود السياسي". أما الناشطة الحقوقية فرح حشاد، رئيسة منظمة غير حكومية لمكافحة الديكتاتورية فعلقت على الجائزة بالقول: "إطلاق الحوار الوطني سمح للتونسيين بحل صراعاتهم بشكل سلمي، وحدث ذلك في وقت كان فيه كل شيئا قابلا للانهيار".
تأزم الوضع والخروج من الطريق المسدود
ففي ذلك الوقت، وتحديدا في 25 تموز/ يوليو 2013 اغتيل النائب في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي فعلق البرلمان جلساته، كما أن مشروع الدستور لم يكن قد انتهى بعد. وشهدت تونس حينها مظاهرات يومية تطالب باستقالة الحكومة التي يقودها حزب النهضة الإسلامي. وقادت رباعية الحوار الوطني عشر مفاوضات صعبة امتدت لشهور كوسيط بين الحكومة والمعارضة. وكان الرباعي يضم الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهيئة الوطنية للمحامين بتونس. ونجحت الرباعية في النهاية في تقريب وجهات النظر. فالتغيير السلمي في تونس - التي كانت في ذلك الوقت ممزقة سياسيا - كان بالفعل حدثا سياسيا مدهشا. ولكن كان هناك حدث آخر أيضا، يتجلى في جلوس رباعية الحوار إلى جانب نقابة المحامين ورابطة حقوق الإنسان مع أرباب العمل وممثلي النقابات إلى طاولة المفاوضات، وكافحوا معا في الاتجاه نفسه، وهو تغيير سلمي في البلاد. وكان ذلك حدثا تاريخيا في حد ذاته.
تونس أمام اختبار جديد
وفي الحقيقة فتكريم رباعي الحوار بعد مرور سنتين على عمله، ينظر إليه الكثير من التونسيين كمؤشر على الرقي السياسي. فالبلاد تمر مرة أخرى خلال العام الحالي في وضع صعب. فبعد الانتخابات الحرة العام التي أجريت في العام الماضي 2014 تعرضت تونس لهجومين إرهابيين خطيرين. إذ اقتحم في شهر مارس/ آذار 2015 مسلحون متحف باردو وقتلوا حوالي عشرين شخصا من السائحين فيما جُرح خمسون آخرون. أما الهجوم الثاني فحدث في أحد الفنادق بمدينة سوسة في حزيران/ يونيو الماضي 2015 وخلف أكثر من 60 قتيلاً معظمهم من السائحين.
إن توقفت حركة السياحة إلى تونس بسبب الأعمال الإرهابية لم يُضعف الاقتصاد التونسي لوحده، بل أثار جدلا عاطفيا حول طريقة التعامل مع الإرهابيين. وفي فصل الصيف صادق البرلمان التونسي على قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي يعطي لقوات الأمن مجالا كبيرا للتدخل. لكن نشطاء المعارضة يخشون الآن أن يكون ذلك على حساب حقوق الإنسان، وأن تتجه تونس مرة أخرى إلى نظام استبدادي.
تذكير للسياسيين بالالتزام بالخيار الديمقراطي وبالنسبة للمجتمع المدني التونسي فحصول تونس على جائزة نوبل هو أيضا تنبيه لحكومة بلادهم. وفي هذا الصدد تقول الناشطة الحقوقية فرح حشاد محذرة: "يبدو أن حكامنا غير واعين بتحديات المستقبل. ويجب علينا أخيرا إصلاح القطاع الأمني ومحاربة الفساد". وتضيف الناشطة التونسية: "يجب علينا ألا ننسى أنه لا يزال أمامنا طريق طويل".
فتونس التي يُنظر إليها كمثل نموذجي ضمن الدول التي شهدت الانتفاضات العربية، لا تزال تنتظرها مراحل كثيرة في المستقبل. ففي العام المقبل 2016، ستجرى أول انتخابات محلية حرة في تاريخ البلاد، وينتظر تأسيس محكمة دستورية خلال هذا العام لضمان تنفيذ الإنجازات الديمقراطية للسنوات الماضية والالتزام بها.
تكريم رباعية الحوار التونسية بجائزة نوبل للسلام
أعلنت اللجنة المشرفة على جائزة نوبل للسلام منح اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس جائزة عام 2015 تقديرا لدورها "في بناء ديمقراطية تعددية" في تونس. وفي هذه الملف نلقي نظرة على عمل اللجنة والشخصات التي ساهمت في نجاحها.
صورة من: Reuters/Z. Souissi
ضمت اللجنة الرباعية التي قادت ورعت الحوار الوطني: الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الأكبر في تونس وذات الثقل السياسي والاجتماعي في البلاد، إلى جانب منظمة الأعراف والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
صورة من: Reuters/A. Mili
منحت لجنة جائزة نوبل للسلام يوم الجمعة (التاسع من تشرين الأول/ اكتوبر) جائزة عام 2015 للرباعية الوطنية للحوار في تونس تقديرا لمساهمتها في نجاح مؤتمر الحوار الوطني وترسيخ عملية الانتقال السلمي إلى الديمقراطية عبر الحوار.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. B. Ibrahim
كان لتوافق الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) ومساهتمها في جلسات مؤتمر الحوار الوطني دور بارز في نجاح الحوار ومتابعة مسار الانتقال الديمقراطي في تونس. في الصورة الرؤساء الثلاث آنذاك: الجمهورية منصف المرزوقي والحكومة علي العريض والبرلمان مصطفى بن جعفر.
صورة من: picture alliance/ZUMA Press
حزب النهضة الإسلامي برئاسة زعيمه راشد الغنوشي شارك في الحوار الوطني مع باقي الأطراف السياسية العلمانية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني. ما أعطى الحوار زخما ودفعا كبيرا وساهم في نجاحه.
صورة من: Getty Images/AFP
كان للمرأة التونسية أيضا دورها في الحوار الوطني مثل مية الجريبي أمين عام الحزب الديمقراطي التقدمي، وهي أول إمرأة تونسية تتولي قيادة حزب سياسي تونسي.
صورة من: Getty Images/AFP
من الشخصات النسائية البارزة التي شاركت في مؤتمر الحوار الوطني في تونس وداد بوشماوي أيضا، وهي سيدة أعمال ناجحة ورئيسة هيئة رجال الأعمال التونسيين. انتخبت كأفضل صاحبة مؤسسة في العالم العربي عام 2013.
صورة من: Fethi Belaid/AFP/Getty Images
استمرت جلسات مؤتمر الحوار الوطني أربعة أشهر تكللت بالنجاح بعد الاتفاق على خارطة طريق تتضمن عدة نقاط أبرزها استقالة حكومة علي العريض (حزب النهضة) وتشكيل حكومة تكنوقراط تراسها مهدي جمعة (في الصورة).
صورة من: picture-alliance/dpa/Messara
اتفق المشاركون في مؤتمر الحوار الوطني على التسريع بإنجاز الدستور وتصديق البرلمان عليه، وهو ما حصل في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2014 حيث صادق المجلس التأسيسي بأغلبية ساحقة على دستور جديد لتونس، يضمن مدنية الدولة وحماية حقوق الإنسان والمساواة بين المرأة والرجل.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Zine
في السادس والعشرين من تشرين الأول/ اكتوبر 2014 توجه التونسيون إلى صناديق الاقتراع وشاركوا بكثافة في انتخابات تشريعية فاز فيها حزب نداء تونس وهو حزب ليبرالي علماني جاء بعده حزب النهضة الإسلامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/Messara
بعد الانتخابات التشريعية جرت الانتخابات الرئاسية في تونس وفاز فيها الباجي قايد السبسي بنسبة 55.68 بالمائة من الأصوات، ليتولى رئاسة الجمهورية لمدة 5 سنوات، ومن جهته أعلن الرئيس السابق منصف المرزوقي الذي خسر الانتخابات أمام السبسي إطلاق مبادرة "حراك شعب المواطنين" لمواجهة "أي محاولة للعودة إلى نظام الاستبداد".
صورة من: picture-alliance/dpa/Str
بعد الإعلان عن فوز اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس، أعربت كاسي كولمان فايف رئيسة لجنة نوبل عن أملها في أن يكون منح جائزة نوبل للسلام هذا العام للرباعية بمثابة "إلهام لمن يعملون من أجل عمليات السلام" في العالم.