جامع جديد في ألمانيا: خطوة على طريق الاندماج
١٤ سبتمبر ٢٠٠٦كان هناك ثلاثمائة من الضيوف والزوار ينصتون إلى المسلمين أثناء صلاتهم في المبنى الذي لم يتم بعد، حيث أقيم احتفال كبير بتشييد الجامع المركزي المكون من ثلاث طوابق على الطراز العثماني. وكان ثمة أسباب تدعو لهذا الاحتفال الكبير.
فهذا المبنى في حي ماركس لوه بمدينة دوسبورغ أقيم بفضل تحالف كبير - غير عادي - بين الكنائس والأحزاب والمواطنين والجالية المسلمة في المدينة. وتصف ذلك السيدة ليلى أوزمال الموظفة بجمعية التنمية في دوسبورغ والتي كانت متابعة للمشروع منذ بدئه، قائلة:
"لقد كثر الحديث في العامين الماضيين عن ألمانيا كبلد للمهجر وعن التطور السكاني فيها. وأعتقد أن الأذكياء قد أدركوا أن وجود الأجانب في ألمانيا أصبح أمرا واقعيا لا مفر منه. وهذا ما يعد في حد ذاته شيئا جيدا، حتى لو اضطرننا أن نتحمل رؤية جامع أو شيء غير مألوف. وطالما أن ذلك يدور في إطار ديمقراطي فلا بأس به".
تمويل مشترك
لقد استمر الجدل الحاد حول إقامة هذا المشروع ست سنوات، والآن نجد في شارع فاربروك مبنى شاهقا ذات منحنيات وقباب يذكرنا بـ"جامع السلطان أحمد" في اسطنبول. والجامع يحتوي على مكان للصلاة يكفي لما يزيد على ألف مسلم وبه شرفة علوية للنساء. وأهم ما يميز هذا المشروع أن الطابق السفلي للجامع بمساحته التي تبلغ ألف متر مربع يحتوي على ملتقى كبير به مكتبة إسلامية ومطعم صغير وعديد من قاعات التدريس.
ومن المخطط أن تعقد في هذه القاعات دورات تعليم اللغة الألمانية والتركية، وفي أفضل الأحوال يجتمع فيها الألمان مع الأتراك والمسلمون مع غير المسلمين. ولهذا السبب قامت ولاية نورد راين فيستفالن والإتحاد الأوروبي بإنفاق 3,2 مليون يورو لبناء هذا المجمع.
ويعتبر من أكبر مشجعي المشروع محافظ مدينة دوسبورغ السيد أدولف زورلاند، الذي امتدح الإتحاد التركي الإسلامي "ديتيب" على استعداده للحوار. وهذا الإتحاد لا يقع تحت شبهة التطرف لأن الحكومة التركية تقوم بالإشراف عليه. ويعبر عن ذلك بقوله:
"يمكنني القول بأن ذلك قد يفوق المعتاد ولكنه ليس بالمعجزة، حيث قامت الجالية التابعة للاتحاد التركي الإسلامي بالتعبير بوضوح عن رغبتها في بناء جامع كبير. لقد كانوا صريحين وحاولوا طرح فكرتهم أمام السياسة والمسؤولين المحليين والجاليات الأخرى غير المسلمة، واستطاعوا بذلك كسب مؤيدين لفكرتهم".
ردود فعل الجيران الألمان
والسيدة سيلفيا برينن مان التي تمتلك بيتا على مقربة من الجامع المركزي ترحب ببناء الجامع الجديد على الرغم من أن البعض ليسوا سعداء بهذه الجيرة الجديدة: "أخيرا حصل الناس على ما كانوا يستحقونه منذ مدة طويلة! إنهم أناس يعملون هنا في مجتمعنا منذ مدة طويلة. وأخيرا يحصلون على شيء أكثر من المساواة. نعم، إنني سعيدة بالجامع. إنني أرى هذا الجامع لأول مرة من الداخل. إنه هائل جدا".
يقيم حاليا 60.000 من الأتراك المسلمين في مدينة دوسبورغ، ويوجد بها حوالي أربعون مسجدا. وقد ساهمت الجالية المسلمة بسبعة ملايين يورو لبناء الجامع المركزي. ورئيس الجالية السيد محمد أزاي فخور جدا بالتطور الذي حدث في حي ماركس لوه، ويعبر عن ذلك بقوله:
"إن عظمة هذا المشروع ليست في مساحة البناء ولكن في كونه مركز تعليمي. وهذا المشروع ينبغي أن يكون مركزا تعليميا وملتقى مفتوحا للثقافات المتعددة تُنظم فيه برامج وحفلات مشتركة. وهذا لم يسبق له مثيل".
ويرى المسؤولون أن بناء الجامع قد يحفز السياحة ويبشر بالازدهار في حي ماركس لوه. فقد ترك تغير البنية التحتية في منطقة الرور في السنوات الأخيرة بصماته أيضا على حي ماركس لوه بمدينة دوسبورغ. فبعد أن أغلقت مناجم الفحم ومن بعدها مصانع الحديد والصلب نزح الأثرياء الألمان والأجانب من المدينة. وغالبية من تبقى كان من أصل مهاجر فقير، وهؤلاء كانوا إما من العمال الأجانب وأسرهم أو الذين يعيشون على الإعانة الإجتماعية. ومن بين المجموعتين يوجد الكثير من المسلمين.
وعندما سئلت ليلى أوزمال الموظفة بجمعية التنمية في دوسبورغ عن أهمية الجامع بالنسبة لهذه المجموعة من المسلمين قالت باختصار: "أعتقد أن المسلمين أصبحوا يشعرون بتقبلهم في المجتمع، وأنهم بهذا المشروع - الذي يمول بأموال عامة - أخذوا على عاتقهم قدرا من المسؤولية وستكون الضيافة من واجبهم. وهذا يعني أنهم سيتحملون مسؤولية الضيوف والبرامج والمبنى. وهذا يتطلب الاتقان في العمل من أجل تحقيق ذلك".
بقلم ألكسندرا ياريكي
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006