عودة لاجئ إلى إدلب للقتال تثير جدلا بين السوريين في ألمانيا
٢٤ يوليو ٢٠١٩
أثارت عودة لاجئ سوري من برلين إلى إدلب ليقاتل في صفوف المعارضة المسلحة جدلاً واسعاً بين اللاجئين في ألمانيا. البعض أيد عودته وآخرون يرون فيها أن "من يحمل البندقية يصبح ضحية لعبة دولية كبيرة".
إعلان
يقول لاجئ كان في ألمانيا وقرر العودة إلى سوريا لغرض القتال بصفوف المعارضة إنه لم يندم على قراره. ويضيف في تقرير لوكالة فرانس برس: "لو كان هدفي المال لبقيت في ألمانيا (...) لكني رجعت إلى بلادي لأعطيها بدلاً من أن تعطيني"، هكذا يبرر السوري محمد النعيمي قرار عودته من ألمانيا.
ويدعي محمد (23 عاماً) إنه ومنذ لجوئه إلى ألمانيا لم تفارقه فكرة العودة إلى سوريا، لكنه اتخذ قراره في العام الحالي، ويضيف لوكالة فرانس برس: "رأيت الحملة الشرسة التي يشنها النظام على إدلب بعد تهجير أهلنا في القنيطرة ودرعا (...) حينها قررت العودة".
وكانت قوات النظام السوري استعادت السيطرة على محافظتي القنيطرة ودرعا بالكامل، العام الماضي، إثر عملية عسكرية واتفاقات تسوية تمّ بموجبها إجلاء الآلاف إلى محافظة إدلب. وبعد عدة أشهر، صعد النظام وحلفاؤه هجماتهم على إدلب أيضاً. وتسيطر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على محافظة إدلب ومحيطها، لكن توجد فيها فصائل معارضة أقل نفوذاً، بينها فصيل "جيش العزة" الذي التحق به محمد في حزيران/ يونيو.
بعد عودته من ألمانيا التي لجأ إليها، شارك محمد في دورة عسكرية قرب معبر باب الهوى عند الحدود مع تركيا، استمرت شهراً، و"تخرّج" مع العشرات من زملائه. وينتظر أن يلتحق قريباً بجبهات القتال، حسبما نقلت وكالة فرانس برس.
أثار تخلي محمد عما كان متاحاً له في برلين، وقرار عودته إلى سوريا، جدلاً بين اللاجئين السوريين في ألمانيا، الذين يبلغ عددهم نحو 700 ألف لاجئ، حسب مصادر رسمية. فيراه أحدهم ويدعى فادي الغالي على الفيسبوك بطلا وكتب: " بالمختصر المفيد هو بطل ونحن جبناء". بينما قال آخر يدعى أحمد النمر: "جعلتنا نخجل من أنفسنا، حماك الله وثبت قلوبنا على اتخاذ قرارات قوية في حياتنا". فيما يراه آخر واسمه عماد المنصور: " إنه أكثر رجولة منا كلنا، نحن هناك نبحث عن الأمن والأمان والمستقبل والدراسة، وأهلنا هناك يُذبحون يومياً"، حسبما يقول. لكن اللاجئة السورية نجلاء الحاج تشعر أن محمد "يريد تشجيع الشباب بشكل خاص على العودة".
وقبل أن يقرر محمد اللجوء إلى ألمانيا، حمل السلاح إلى جانب الفصائل المعارضة وشارك في المعارك التي مكنت الفصائل حينها من السيطرة على الجزء الأكبر من محافظتي القنيطرة ودرعا المجاورة. إلا أنه في العام 2015، وخشية هجوم لقوات النظام على منطقته، قرر المغادرة، فانتقل إلى تركيا فاليونان ثم عبر عدة دول أوروبية إلى ألمانيا، حيث عاش مع شقيقيه في برلين بهدوء وأمان طوال ثلاث سنوات.
"ضحية لعبة دولية"
ويستغرب اللاجئ السوري مجد السمان من قرار عودة محمد إلى سوريا، ويضيف: "أريد أن أفهم شيئاً واحداً وهو كيف أن الشاب كان يحس بالخيبة عندما كانت المعارضة تسيطر على 60% من مساحة سوريا، وعاد الآن والمعارضة محاصرة ولا تسيطر سوى على إدلب وكل فصيل عنده انتماء مختلف".
ويبدي اللاجئ السوري أبو محمد استعداده للعودة إلى بلده للقتال، لكنه يضع شرطاَ لذلك، ويقول: " أنا وكثير من الشباب على استعداد للعودة والقتال، لكن يجب علينا في البداية أن ترى اتحاد الفصائل من أجل قضية الشعب والوطن وليس لمصالح وأهداف دول أخرى".
ويرى محمد عواد أن: "من يحمل البندقية يصبح ضحية لعبة دولية كبيرة"، ويتابع: "أنا مقتنع بأن حتى كفاحنا يصب في المصلحة السياسية لأحد الأطراف حتى ولو كانت النوايا تحرير الأرض من الظالمين".
ولا يزال محمد يواجه ضغوطاً من والديه اللاجئين إلى لبنان وشقيقيه في ألمانيا حتى يغادر سوريا، إلا أنه يصر على صواب قراره غير آبه بالمخاطر التي قد تحدق به ويقول "أحببت ألمانيا، لكن ليس هناك مكان مثل بلدي سوريا".
ويعلق أمير جمال الدين على قرار عودة محمد ويقول: "أحترم رأي الشاب وقراره، ولكننا شعب عاطفي. فلو كان هناك أمل في البداية من أن الشعب يستطيع تغيير شيء لما وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. فأرجو من الشباب المتحمس أن يهداً".
تميزت الحرب في سوريا بديناميكية سريعة جداً وكثرة اللاعبين فيها، إن بشكل مباشر أو من وراء الكواليس. ماذا ربح أو خسر أهم الفاعلين العسكرييين بعد قرابة سبع سنوات من الصراع الدامي الذي دخلت فيه جماعات إرهابية على الخط؟
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/A. Al-Bushy
جيش الأسد
خسر الجيش السوري الكثير من مواقعه وقُتل أو انشق الآلاف من جنوده. اليوم تتواجد جيوش وميليشيات تابعة لأكثر من ثمان دول على التراب السوري. بيّد أن جيش الأسد استفاد من الدعمين الروسي والإيراني في استعادة مناطق استراتيجية كان قد خسرها سابقاً كحلب وحمص ودير الزور، مما حدا بعدة أطراف كانت تشترط رحيل الأسد قبل الشروع بأي مفاوضات إلى البدء في تغيير مواقفها.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Syrian Presidency
المقاتلون الأكراد
كسب الأكراد الكثير في السنتين المنصرمتين، وبدأ صوتهم بالارتفاع ونفوذهم بالتزايد، إذ سيطروا على مناطق غنية بالنفط في شمال شرق البلاد. كما يشكّلون ركيزة "قوات سوريا الديمقراطية" التي حرّرت الرقة بدعم التحالف الدولي، فضلاً عن إقامتهم "إدارة ذاتية" في مناطق سيطرتهم. بيدَ أن عملية غصن الزيتون التي أطلقها الجيش التركي في عفرين ضد المقاتلين الأكراد، أدت إلى خسارتهم عدة مساحات، فضلاً عن مقتل المئات بينهم.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Ronahi TV
المعارضة المسلّحة
ظهرت المعارضة المسلّحة السورية في البداية بديلاً محتملاً لنظام الأسد، إذ سيطرت على مساحة شاسعة من سوريا. غير أنها خسرت لاحقا الكثير منها. تعاني المعارضة من التشتت في المواقف الإيديولوجية، فضلاً عن تعدّد الداعمين وتنوّع أهدافهم. مما حدا بالبعض لإطلاق كلمة "معارضات" سورية عليها، كما تعرضت لضربة كبيرة بعد دخول التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" و"النصرة" على الخط واستيلائها أراضٍ كانت تحت سيطرتها.
صورة من: picture alliance/AA/A. Huseyin
الجيش الروسي
قبل أكثر من سنتين بدأ التدخل الجوي الروسي في سوريا. اليوم يتواجد آلاف الجنود الروس في أكثر من قاعدة عسكرية في سوريا، أهمها "قاعدة حميميم". سياسياً استطاعت موسكو فرض نفسها كلاعب سياسي أساسي في المشهد السوري لصالح نظام الأسد؛ فهي عرابة "محادثات أستانا" و"مؤتمر سوتشي" و"مناطق خفض التصعيد" مع كل من تركيا وإيران. كما تدعم تياراً في المعارضة يُدعى "منصة موسكو".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/P. Golovkin
الجيش الأمريكي
تعوّدت واشنطن على تحقيق سريع لرهاناتها العسكرية في الشرق الأوسط كما حدث في العراق وأفغانستان، لكن لم يتكرر الأمر في سوريا؛ فالتحالف الذي قادته ضد "داعش" تأخر كثيراً في تحقيق أهدافه، كما أن تسليحها للمقاتلين الأكراد كان من أسباب توتر علاقتها بأنقرة. الرؤية الأمريكية لمستقبل دورها في سوريا غير واضحة، بيّد أن واشنطن ربحت على الأقل قواعد عسكرية لها داخل البلد..
صورة من: picture alliance/AP Images/M. Rourke
القوات الإيرانية
لم تتخلّ إيران عن حليفها الأسد في سوريا طوال سنوات الحرب، وأبدت تصميماً كبيراً على بقاء النظام، موفرة دعماً عسكرياً ومالياً وغيرها من أشكال الدعم، كما تتوّفر على ميليشيات مسلحة داخل البلد، يقودها قاسم سليماني ممّا أثر بشكل كبير في تطورات الحرب. ويبدو أن طهران حصدت ثمار جهودها، فنفوذها تعاظم داخل سوريا بشكل أثار حفيظة خصومها في المنطقة، خاصة تل أبيب والسعودية.
صورة من: picture alliance / AA
الجيش التركي
دعّم أردوغان المعارضة السورية كثيراً، لكن تداعيات الحرب أرهقت نظامه، إذ لم تتحقق رهاناته في سقوط بشار الأسد، كما عانت تركيا من هجمات نفذها "داعش" بترابها. غير أن القوات التركية تدخلت مؤخراً بقوة في شمال سوريا في إطار عملية "غصن الزيتون" الهادفة لقصم ظهر المقاتلين الأكراد، واستفاد أردوغان في العملية من قلق دولي لم يكن كافياً لثنيه عن الاستمرار، ضامناً بذلك توسيع مناطق تسيطر عليها أنقرة داخل سوريا.
صورة من: Getty Images
حزب الله
أحد أقوى الأطراف الشيعية في سوريا، قدم دعماً غير محدود للنظام السوري وشارك مبكراً في الحرب الدائرة منذ سنوات. أثر تدخل حزب الله العسكري لصالح الأسد سلباً على صورته في العالمين العربي والإسلامي. في المقابل، ساهم في الحفاظ على تحالفٍ استراتيجي مع طهران ودمشق وبشكل أقل موسكو، ممّا أكسبه نفوذاً جغرافياً في سوريا، خاصة مع سيطرته على المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla
القوات الفرنسية
دخلت فرنسا في الأزمة السورية بقوة عبر تحرك ديبلوماسي ضد النظام السوري وعسكري ضد "داعش"، لكنها لم تحصد ثماراً كثيرة، فمواقفها ضد الأسد تبدو جد متذبذة، كما أن ضرباتها العسكرية لم تنجح، ليس فقط في إنهاء "داعش"، بل حتى في تجنب هجماته الإرهابية التي تعدّ فرنسا أكثر المتضررين منها خارج الشرق الأوسط، فضلا عن أنها لم تؤثر كثيرا في إنقاذ الوضع الإنساني داخل سوريا رغم ما تعلنه من جهود في ذلك.
صورة من: Reuters/C. Hartmann
جماعات إرهابية تدخل على الخط
وضع التحالف الدولي الجماعاتَ الإرهابية كهدف رئيسي في استراتيجيته العسكرية بسوريا، وتكبد "داعش" هزائم كبيرة في سوريا كما في العراق، ولاسيما في الرقة (عاصمة "خلافته" المزعومة) لكن خطره لم ينتهِ بعد. كما تراجعت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) التي فكت ارتباطها مؤخرا بتنظيم القاعدة، لكنها لا تزال في إدلب وقامت مؤخرا بإسقاط مقاتلة روسية، ممّا جعل موسكو أن هدفها حاليا هو القضاء على هذه الجبهة.