جدل حاد في ألمانيا بين مؤيدي التاميم ومعارضيه
٤ فبراير ٢٠٠٩مع نهاية العام الماضي 2008 كانت الدولة في ألمانيا تمتلك حصصا في 108 شركات حسب بيانات وزارة المالية الألمانية. على العكس من ذلك شملت هذه الحصص نحو 500 شركة عام 1982 عندما تسلم تحالف الإتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر دفة الحكم خلفا لتحالف الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر بقيادة المستشار السابق هلموت شميدت.
في ذلك الوقت صرح السياسي البارز في الحزب المسيحي الديمقراطي هاينر غايسلر أمام البرلمان الألماني بوندستاغ: " إن الأمر يتعلق بإخراج ألمانيا من أصعب أزمة اقتصادية واجتماعية تواجهها البلاد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". كلمات يشبه وقعها ما يُقال حاليا، لكن الأيام تغيرت في اتجاه آخر، أي في اتجاه التوجه نحو تأميم الشركات الخاصة وامتلاك الدولة لها بشكل كلي أو جزئي.
زحف الخصخصة في بداية الثمانينات
في عام 1982 تم انتخاب هلموت كول مستشارا لألمانيا، وقد شكّل موضوع خصخصة القطاع الصناعي محور أول بيان حكومي له. وكانت شركات كبرى على غرار شركة صناعة السيارات فولكسفاغن وشركة الطيران لوفتهانزا من بين الشركات التي تصدّرت قائمة 13 شركة قررت الحكومة الاتحادية بيعها للقطاع الخاص. وتعتبر شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا التي باعت الدولة كل حصصها نموذجا لنجاح الخصخصة على ضوء تمكنها من مواجهة المنافسة والتحول إلى واحدة من أقوى شركات الطيران في العالم. كما أن المستثمرين في شركات أخرى خضعت للخصخصة حققوا نجاحات لا بأس بها على غرار عملاق صناعة السّيارات فولكسفاغن ومؤسسة البريد الألماني دويتشه بوست وشركة تشغيل مطارات فرانكفورت فرابورت.
الخصخصة ليس دائما الحل الأمثل
وعلى العكس من ذلك لم تستطع شركة الاتصالات الألمانية دويتشه تليكوم تحقيق نجاحات مماثلة رغم خصخصة نحو 70 بالمائة من أسهمها ودخولها البورصة في عام 1996. ويرى بعض المراقبين أن المشاكل التي تعاني منها الشركة لا علاقة لها بكونها كانت تابعة للدولة في الماضي. فالأمر يعود بنظر هؤلاء إلى معاناتها من المنافسة بعد تحرير سوق الاتصالات.
وبالنسبة لشركة القطارات والسّكك الحديدية الألمانية "دويتشه بان"، فقد سهلت الحكومة منذ أمد عملية تحولها إلى الخصخصة. وتحوّلت الشركة، التي كانت تتكون من شركتين حكوميتين منفصلتين، عام 1994 إلى شركة مساهمة، بيد أنه لم يتم طرح أسهمها للبيع حتى الآن. وكان مقررا طرحها في أكتوبر/ تشرين الأول 2008، إلا أنه تم تأجيل الأمر بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية. وبما أن الدولة تمتلك كل حصص الشركة، فإن هذه الأخيرة تعتبر من الناحية القانونية مؤسسة عامة.
"الأحداث الطارئة تتطلّب تعاملا غير مألوف"
في سياق متصل صرح وزير الاقتصاد الألماني بير شتاينبروك حول خطة الإنعاش الاقتصادي الثانية، والتي تُعد الأكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إن "الأحداث الطارئة تتطلّب تعاملا غير مألوف". ومن المنتظر المصادقة على هذه الخطة في البرلمان الألماني وفي المجلس الاتحادي بحلول العشرين من الشّهر الجاري.
ويتفق رجال السياسة والاقتصاد على أن الأزمة الاقتصادية تفرض ضرورة تدخّل الدولة لوضع ضوابط وحدود للسوق. وهو مايجعلنا نستنتج أن العلاقة بين السّوق والدولة في تغيّر، بيد أن غالبية السياسيين يستبعدون أن يكون هناك توجّها نحو التأميم، على غرار ما يريد وزير الاقتصاد الألماني إتباعه إزاء المصارف والبنوك التي تواجه مشاكل حادة جرّاء الأزمة المالية العالمية. في هذا الإطار يتساءل أوتو فريكه، وهو سياسي من الحزب الديمقراطي الحرّ، عمّا إذا كان النّظام الاقتصادي في ألمانيا مازال فعلا نظام اقتصاد السوق الاجتماعي، بحسب الدستور الألماني، أم هي "محاولة يائسة لإتباع نظام جديد، ليس مرغوب فيه". في حين يقول مانفريد فيبر، المدير التنفيذي لرابطة للمصارف الألمانية: "إن السياسة تتحرّك على خيط رفيع للغاية"، مشدّدا في الوقت نفسه على أن ألمانيا ما تزال تعتمد نظام اقتصاد السوق الاجتماعي وأن التأميم يعدّ الحلّ الأخير.