خبر سار لأصحاب نظرية المؤامرة. إذ يبدو أن هيئة حماية الدستور جندت نازيين جددا كمخبرين للحصول على معلومات عن أنشطة اليمين المتطرف في ألمانيا وعن خلية نازية متهمة بقتل تسع ألمان من أصول مهاجرة.
إعلان
قاد تحقيق أجراه فريق من مراسلي صحيفة "دي فيلت" الألمانية بقيادة رئيس تحريرها شتيفان آوست إلى معطيات جديدة في قضية ما بات يعرف بخلية النازيين الجدد المتهمة بقتل تسعة أشخاص من أصول مهاجرة وشرطية ألمانية. إذ من المرجح أن عضوين في الخلية الإرهابية اختفيا عن الأنظار للعمل في شركة متخصصة في هدم الأبنية بمدينة تسفيكاو في شرقي ألمانيا.
يؤكد مراسلو الصحيفة الألمانية أن أوفه موندلوس كان يعمل باسم مستعار بين سنوات 2000 و2002 في قسم الخدمات بالشركة التي تعود ملكيتها لرالف مارشنر. مارشنر كان من النازيين الجدد وفي ذات الوقت كان يعمل مخبرا لدى هيئة حماية الدستور الألمانية (المخابرات الداخلية) وقدم لها معلومات عن نشاطات اليمين المتطرف.
في تلك الفترة تم كشف الستار عن خمس جرائم من مجموع عشر جرائم ارتكبت بدوافع عنصرية، اعترفت الخلية الإرهابية بارتكابها من خلال فيديو مصور نشر في الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011. تم العثور في نفس اليوم على جثتي أوفه بونهاردت وشريكه أوفه مونلدوس في سيارة محروقة متفحمة في مدينة أيزناخ. رجح المحققون آنذاك انتحار الشريكين لتجنب القبض عليهما بعد عملية سطو فاشلة على أحد البنوك.
صمت الحكومة لحماية "هيبة الدولة"
بآته تشيبه هي العضو الثالث والمتهمة الرئيسية في القضية، لا تزال تمثل إلى اليوم أمام المحكمة العليا في ميونيخ. تشير شكوك عديدة أن أن تشيبه عملت أيضا في شركة هدم الأبنية التي كان يملكها المخبر النازي. لكن تحقيقات الصحفيين بشأن ذلك لا تزال ضبابية، ما يعني أن هذه "الشكوك يمكن أن تكون صحيحة ويمكن أن تكون خاطئة أيضا" حسب شتيفان آوست رئيس تحرير "دي فيلت" في حديثه لإذاعة "أم دي آر" الألمانية، آوست أنتج فيلما وثائقيا بعنوان "تعقيدات خلية النازيين الجدد" بثته مؤخرا القناة الألمانية الأولى "إي آر دي".
وهذه هي المرة الأولى التى يتم فيها الحديث عن صلة تربط أوفه مونلدوس بالمخبر النازي. الغموض يلف مجريات القضية، لأن هناك شكوكا بتدخل أطراف سياسية فيها. وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزير قال في إجابة عن سؤال وجهته له صحيفة "دي فيلت" إن الحكومة الألمانية لا تدلي بأي معلومات عن المخبرين "حماية لهيبة الدولة". كما أن رئيس هيئة حماية الدستور هانز غيورغ ماسن أشار إلى أنه لا يوجد ما يفيد بعمل موندلوس لدى المخبر مارشنر.
علاقة غامضة بين هيئة حماية الدستور والمخبرين
هذه المعطيات الجديدة أوالإشاعات تصب في اتجاه أن الدولة كانت على علم بخلية النازيين الجدد أكثر مما كانت تدعي. وما يعزز هذه الفرضية هو أن كل محاولات التحقق من وجود دور ما لهيئة حماية الدستور باءت بالفشل، سواء في لجان التحقيق المنبثقة عن البرلمان الألماني أو في قضية خلية النازيين الجدد.
من جهة أخرى، تثير حالة مخبر آخر مزيدا من الفضول، إذ أن المدعو أندرياس ت يعتبر قائدا للمخبرين النازيين. أندرياس كان حاضرا عند إطلاق النار على خالد يوزقات، أحد ضحايا الخلية الإرهابية في محل خدمة الانترنت الذي كان يملكه في مدينة كاسل. أنكر أندرياس في البداية معرفته بمكان الجريمة، لكن ذلك لم يمنع الشرطة من فتح تحقيق معه واتهامه بالضلوع في قتل يوزقات. معطيات هامة قد تكشف عن خيوط جديدة في القضية، بيد أنها بقيت طي الكتمان بين دفات محاضر هيئة حماية الدستور في مقاطعة هيسن.
مخبر آخر بقيت نشاطاته السرية غامضة، إنه المخبر بياتو الذي لم يتم الكشف عن معلومات بشأنه. حكم عليه بالسجن بسبب جرائم عنف وواصل العمل كمخبر لصالح هيئة حماية الدستور من زنزانته في السجن. يرجح أن بياتو كان على علم بمكان أعضاء الخلية بعد اختفائهم أواخر التسعينات.
كوريلي هو أيضا مخبر كانت تربطه علاقات متينة بشخصيات من الوسط النازي في مقاطعة بادن فورتمبيرغ. توفي كوريلي قبل عامين، في السابع من أبريل 2014، وذلك قبيل استجوابه من قبل الشرطة. المحققون كانوا آنذاك يطمعون في الحصول منه على معلومات بشأن قتل الخلية للشرطية ميشال كيزنفتر (39 عاما) في هايلبرون، والتي سبب وفاتها الرسمي هو مرض السكري.
تينو "خائن" في نظر النازيين
تينو براندت يعتبر عضوا مركزيا في العلاقة المشبوهة بين هيئة حماية الدستور وخلية النازيين الجدد. كشف أمره كمخبر للسلطات مع نهاية عام 1999 ويعتبر خائنا في أوساط النازيين. وكان براندت على علم بتطرف أعضاء الخلية الإرهابية. حكم على براندت بالسجن بسبب جريمة اعتداء جنسي. وفي الفيلم الوثائقي تحدث عن حياته المزدوجة: "الذكريات الجميلة في الماضي لن تغير شيئا في حياتك". لم يشعر أعضاء الخلية بالعار بسبب انتمائهم السياسي. "ولهذا لم يفكر أي واحد منهم في خيانة شركائه".
وأثارت المعطيات الجديدة جدلا كبيرا في أوساط السياسيين ومحامي ضحايا خلية النازيين الجدد. كليمانس بيننغر، رئيس لجنة التحقيق البرلمانية الثانية في قضية الخلية قال إن هذا الأمر أكد شكوكه التي اعترته منذ زمن طويل وأضاف "لا أستطيع تصور أنه لم يكن هناك مخبر واحد لم يعلم مكان اختفاء أعضاء الخلية".
بدوره طالب محمد دايماقولر، محامي أحد الضحايا، برد فعل من أعلى هرم السلطة "ننتظر توضيحات من ميركل أيضا". ويعتمد دايماقولر في كلامه على جملة وردت في كلمة المستشارة الألمانية في حفل تأبين لضحايا الخلية أقيم في برلين سنة 2012 حيث قالت "سنفعل كل شيء لكشف خفايا هذه الجرائم".
عمليات القتل النازية بحق الأجانب - تسلسل زمني في صور
بعد إرجاء الموعد، ستنطلق اعتبارا من آيار/ مايو القادم جلسات محاكمة بيآته شيبه، العضوة في خلية نازية سرية، والمتهمة رفقة أربعة من مساعديها بالضلوع في عمليات قتل بحق عشرة أشخاص، بينهم ثمانية أتراك ما بين عامي 2000 و2007.
صورة من: picture-alliance/dpa
قتلة مجهولين لسنوات
لسنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه مونلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته شيبه. ضحاياهم: ثمانية أشخاص من أصل تركي ويوناني بالإضافة إلى شرطية. دافعهم المحتمل في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.
صورة من: privat/dapd
كشف النقاب عن مدبري عمليات القتل
في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011 تم كشف النقاب عن سلسة عمليات القتل التي راح ضحيتها ثمانية أتراك ويوناني بالإضافة إلى شرطية. في ذلك اليوم حاول أوفه موندلوز ورفيقه أوفه بونهارت سرقة بنك بمدينة آيزناخ، ولكن العملية باءت بالفشل. وعندما حاولا الفرار في شاحنتهما، تتبعتهما الشرطة وحاصرتهما. عندها قام موندلوز بقتل رفيقه بونهارت قبل أن يضرم النار في الشاحنة وينتحر، وفقا لتحريات الشرطة.
صورة من: picture-alliance/dpa
بيآته شيبه تسلم نفسها للسلطات
بعد مقتل أوفه موندلوز وأوفه بونهارت انفجرت الشقة التي كانا يسكنا فيها رفقة بيآته شيبه في بلدة تسفيكاو بشرقي ألمانيا. بعدها بأربعة أيام سلمت شيبه نفسها للسلطات الألمانية التي تقول إن المتهمة أضرمت النار عمدا في المنزل لإخفاء أدلة تدين الثلاثي في عمليات القتل. ولا تزال شيبه في الحبس التحفظي إلى حين مثولها أمام القضاء.
صورة من: Getty Images
اعترافات بالقتل
وجد المحققون في حطام المنزل، الذي كان يسكن فيه موندلوز ومونهارت رفقة بيآته شيبه، شريط فيديو يتضمن اعترافات الثلاثي الذي يطلق على نفسه اسم "الخلية النازية السرية" بقيامه بعمليات القتل. ويعرض شريط الفيديو، الذي يبلغ طوله 15 دقيقة، أماكن وضحايا عمليات القتل التي نفذتها الخلية في ألمانيا ما بين عامي 2000 و2007.
صورة من: picture-alliance/dpa
كراهية اللأجانب
ويتضمن الفيديو الذي صور على شكل صور متحركة رسائل معادية للمهاجرين ومقاطع تحتقر ضحايا عمليات القتل. ويقال إن بيآته شيبه قد قامت، قبل إلقاء القبض عليها، بإرسال هذا الفيديو إلى أشخاص آخرين.
صورة من: dapd
الغموض يشوب القضية
إلى يومنا هذا لا تزال دوافع عمليات القتل وكذلك القاتلين والمتورطين فيها والمدبرين لها في كنف الغموض. وفي البداية كانت هناك تخمينات بأن القتلة ربما من تجار المخدرات، ولكن شريط الفيديو الذي عثر عليه خلال عمليات التحري أظهر أنهم من اليمنيين المتطرفيين أو بالأحرى النازيين الجدد...
صورة من: picture-alliance/dpa
قنبلة المسامير في كولونيا عام 2004
في 10 من يونيو/حزيران عام 2004 أي بعد يوم من عملية اعتداء بقنبلة مسامير في أحد شوارع مدينة كولونيا الألمانية الذي تقطنه غالبية تركية أسفرت عن جرح 22 شخصا، قال وزير الداخلية الألماني آنذاك أوتو شيلي إن كل الأدلة تشير إلى أن الدوافع إجرامية. وبعدها بسنوات، أي عام 2011 تبيَّن أن المدبرين ليسوا مجرمين عاديين وإنما من النازيين الجدد...
صورة من: picture alliance/dpa
إحياء ذكرى الضحايا في برلين
في 23 من فبراير/شباط عام 2012 أقيمت في برلين مراسم إحياء ذكرى ضحايا عمليات القتل اليمينية المتطرفة. وقد شارك في هذه المراسم أهالي الضحايا وعدد من كبار المسؤولين الألمان على غرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي اعتذرت لأهالي الضحايا، مؤكدة لهم العمل على كشف ملابسات هذه العمليات ومحاسبة المسؤولين عنها.
صورة من: Bundesregierung/Kugler
مظاهرات تضامنية مع الضحايا
في الرابع من نوفمبر/تشرين الأول عام 2012، أي بعد كشف النقاب عن الخلية النازية السرية بسنة، خرج الناس في عدة مدن ألمانية تضامنا مع أهالي ضحايا عمليات القتل النازية، منددين باليمين المتطرف. كما طالبوا بكشف الحقيقة عن المدبرين والمنفذين لها ومحاسبتهم، موجهين انتقادات للسلطات الألمانية بالتباطئ في عمليات التحري والتحقيق.
صورة من: picture-alliance/dpa
اختفاء بعض الملفات
فشلت السلطات الألمانية في الكشف عن عمليات القتل النازية، ذلك أن ملفات مهمة بهذا الشأن إما ظهرت بشكل متأخر أو اختفت بعد التخلص منها. وهو الأمر الذي أدى إلى تعطيل عمل لجنة التحريات حول الخلية النازية السرية التي يرأسها النائب عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي في البرلمان الألماني زيباستيان إيداتي.
صورة من: Getty Images
نصب تذكاري لمحمات كوباسيك
"دورتموند مدينة متنوعة ومنفتحة ومتسامحة وضد التطرف اليميني"، هذا ما قاله رئيس بلدية مدينة دورتموند أولريش زيراو خلال تدشين النصب التذكاري الذي أقامته المدينة لإحياء ذكرى محمات كوباسيك، أحد ضحايا الخلية النازية السرية، في سيبتمبر/أيلول عام 2012. ويوجد هذا النصب بالقرب من الكشك الذي كان يعمل فيه كوباسيك حين تم اغتياله في الرابع من أبريل/نيسان عام 2004.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد تغييبها، الصحافة التركية تتابع المحاكمة
أثار عدم حصول وسائل الإعلام الأجنبية وخاصة منها التركية على مقاعد لمتابعة أحداث المحاكمة، على الرغم من أن ثمانية من إجمالي الضحايا العشرة من أصول تركية، جدلا واسعا داخل ألمانيا وخارجها. ولكن، المحكمة الدستورية الألمانية أصدرت في وقت لاحق قرارا بوجوب السماح لوسائل الإعلام الأجنبية "التي لديها ارتباط خاص بالضحايا" بتغطية محاكمة بيآته شيبه وأربعة متهمين آخرين.