جدل حول رواية "الاستسلام" قبل طبعها
١٢ يناير ٢٠١٥في ألمانيا يصعب الحديث عن الهدوء في التعامل مع رواية "الإستسلام" للكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك،حتى في صفحات الأدب والفن بالصحف اليومية. وقد صدرت الرواية في فرنسا في 1 يناير/ كانون الثاني. تدور أحداث الرواية حول مسلم معتدل يصبح رئيساً للجمهورية الفرنسية، وصفتها صحيفة ألمانية كبيرة وأيضاً برنامج ثقافي في التلفزيون ب"الخطأ الجوهري"، لأن ذلك "يُظهر مرة أخرى أن الفن قد ينفلت سريعا عن مساره في ظل أجواء النقاش المتوتر".
ليست هذه الظاهرة جديدة، فلما أصدر سلمان رشدي بين 1988 و1989 روايته "آيات شيطانية"، صدرت في إيران فتوى بقتله. حينها لم يعرف فحواها إلا عدد قليل من الناس. فالوضع الذي كان فيه رشدي يشبه وضع الرواية الجديدة للكاتب ميشال ويلبيك. ويتأكد من ذلك أن المتطرفين المتعصبين لا يهمهم الفن أو الأدب، بل فقط الرغبة في فرض مواقفهم على آخرين. أما في العالم المستنير فيجب على الأقل الحفاظ على رؤية متباينة للأمور.
رؤية مستقبلية مثيرة للجدل
عند الحديث عن ميشيل ويلبيك وروايته يجب أيضا النظر إلى الأمور بشكل دقيق. فهذا الكاتب الفرنسي المعاصر الذي يعتبر الأكثر نجاحاً في الوقت الحالي، ترجمت رواياته إلى أكثر من 40 لغة. وتعتبر روايته السادسة "الإستسلام" حدثا أدبيا من الدرجة الأولى، كما يشكل عملا أدبيا شخصيا. في هذه الرواية يطور المؤلف رؤية اجتماعية سياسية لمستقبل بلاده. ويتعلق الأمر برئيس مسلم يتولى تسيير الأمور السياسية في الدولة الفرنسية. غير أن الأمر لا يتعلق بمسلم متطرف، ولكن بمسلم لديه كاريزما، ويتمتع بالذكاء وبعد النظر، ويسعى لتحقيق حلم كبير يتجلي في جعل أوروبا كيانا قويا.
ربما هدف ميشيل ويلبيك من خلال اختياره لهذا الموضوع البحث عن مصداقية أقوى، حتى لا توجه إليه أصابع الاتهام بالتحريض ضد أحد الأديان العالمية. ولكن يجب الاعتراف بأن رواية "الإستسلام" تقدم في المقام الأول رؤية متعددة الأوجه للمجتمع الفرنسي بفوارق دقيقة متعددة. لقد صاغ الكاتب بانوراما أدبية، يظهر فيه الفاعلون الإجتماعيون من مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث يعبرون عن آرائهم من خلال الحديث مع الشخصية الرئيسية للرواية.
رئيس مسلم لمواجهة اليمينيين
الشخصية الرئيسية للرواية هو أستاذ الأدب فرانسوا، حقق شهرة في الأوساط المثقفة بأطروحته حول الكاتب الفرنسي يوريس كارل هيسمانس. ويقدم ميشيل ويلبيك الأستاذ فرانسوا على أنه يخاف من تدهور صحة جسده فتراوده أفكار بالانتحار. في وقت فراغه يلتقي مع عدد قليل من معارفه المتبقيين، حيث ليس لديه أصدقاء. كما إنه ينغمس في شرب الكحول بمكتبته. ومن وقت لآخر يلتقي مع مومسات. وتعد شخصية فرانسوا شخصية نمطية، توجد أيضاً في رواياته السابقة.
يقوم الكاتب بسرد تلك الوقائع على خلفية انتخابات رئاسية في فرنسا عام 2022، والتي تعتبر فيها الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان القوة السياسية المهيمنة في البلاد. قوة الاشتراكيين والإخوان المسلمين متساوية شيئا ما، في حين تعيش البلاد تراجعاً في الحقوق المدنية. وتبدو فرنسا وكأنها لم تخرج من الأزمة الاقتصادية والإجتماعية بعد فترة الولاية الثانية للرئيس فرانسوا هولاند. وللحيلولة دون وصول مارين لوبان لمنصب الرئاسة، تقرر الأحزاب الليبيرالية والاشتراكيين دعم المرشح الإسلامي المعتدل محمد بن عباس.
إعادة بناء المجتمع الفرنسي
تتطور أحداث الرواية من فترة اتسمت بالسلم إلى فترة تتسم بإسالة الدماء قبل الانتخابات، فتقع البلاد في دوامة حرب أهلية. لكن بعد الانتخابات يعود الهدوء من جديد فتنخفض معدلات البطالة والجريمة، ويتم تقديم الدعم للزراعة والحرف كما تزدهر الشركات، غير أنه وجب على أصحاب الأعمال التجارية الكبيرة دفع جزية، ويتم اقصاء النساء من سوق العمل، ويعاد بناء النظام المدرسي والتعليمي، إضافة إلى تشجيع المراكز الإسلامية، كما تبقى الحرية الدينية قائمة. وفي أحد مقاطع الرواية يقول ميشيل ويلبيك على لسان مدير المدرسة العليا التي يدرس فيها الأستاذ فرانسوا: "إنه خضوع لم يتم من قبل التعبير عنه بهذه القوة الرائعة، الفكرة البسيطة تتجلى في أن قمة السعادة البشرية تتمتل في الخضوع المطلق".