جدل واسع في ألمانيا حول ظاهرة العنف في الملاعب
٥ نوفمبر ٢٠١٢ مازالت أحداث العنف التي شهدها بعض الملاعب الألمانية في الآونة الأخيرة تلقي بظلالها على الساحة الكروية في ألمانيا. فبينما ينادي البعض بتشديد إجراءات دخول الملاعب ومعاقبة النوادي التي يتسبب جمهورها في أحداث الشغب، يطالب البعض الآخر بإجراء حوار موسع بين المسؤولين عن الكرة وجمعيات المشجعين من أجل إشراك كل الأطراف في صياغة الطريقة المثلى للتغلب على عنف الملاعب.
تكرار أحداث الشغب في الملاعب الألمانية
وتفجر هذا الجدل من جديد عقب مباراة في إطار كأس ألمانيا، جمعت الأربعاء الماضي بين دينامو دريسدن الذي يلعب في الدرجة الثانية وهانوفر الذي ينافس في الدرجة الأولى. وشهدت هذه المباراة أحداث شغب كبيرة عندما اندفع نحو 1400 من مشجعي دريسدن إلى بوابات مؤدية إلى الملعب، ونجح نحو 300 منهم في تجاوز رجال الأمن والدخول إلى الملعب. كما قام المشجعون خلال المباراة بإطلاق شهب نارية. وجراء أعمال الشغب هذه أصيب عدد من أفراد الأمن وثلاثة مشجعين، بينما ألقت الشرطة القبض على أكثر من 20 من جماهير دريسدن. وقبل أقل من أسبوع على ذلك، شهد ملعب دورتموند أعمال شغب مماثلة في المباراة التي جمعت بين بوروسيا دورتموند و شالكه ضمن منافسات الدوري الألماني لكرة القدم. فقد قامت مجموعة من الجماهير المتعصبة لبوروسيا بمحاصرة أحد الشوارع، وهاجمت عناصر الشرطة المنتشرين في المنطقة. كما امتدت أعمال الشغب إلى اشتباكات بالأيدي بين بعض مشجعي الفريقين بعد انتهاء المباراة التي فاز فيها شالكه بهدفين لهدف واحد.
المطالبة بتشديد الإجراءات الأمنية
ونظرا لتكرار مثل هذه الأحداث في الملاعب الألمانية قامت لجنة السلامة التابعة للاتحاد الألماني لكرة القدم بإصدار وثيقة أطلق عليها اسم "من أجل الاستمتاع بملاعب آمنة" تطالب فيها الجماهير بالالتزام بالقوانين الداخلية للملاعب، والتخلي عن أي شكل من أشكال العنف، كما تضمنت هذه الوثيقة عقوبات صارمة وغرامات على الأندية التي يتسبب مشجعوها في إثارة أعمال الشغب. و في حال موافقة الأندية الألمانية على هذه الوثيقة، فإنها قد تضطر إلى إجراء مباريات دون جمهور أو الالتزام ببيع عدد محدد من التذاكر، وربما إلغاء أماكن الوقوف على مدرجات الملاعب. علاوة على ذلك تطالب لجنة السلامة بتعزيز المراقبة بالكاميرات في الملاعب واحتمال اللجوء إلى إجراء تفتيش دقيق للجماهير قبل دخول الملعب وتجريدهم جزئيا أو كليا من الملابس للتأكد من عدم حملهم لمواد متفجرة.
جل الفرق الألمانية ترفض الإجراءات الجديدة
جمعيات مشجعي الفرق رفضت بنود هذه الوثيقة جملة وتفصيلا، واعتبرت أن بعض نقاطها تتعارض مع القانون العام وتمس بالحريات الشخصية. بدورها عارض الكثير من الأندية هذه الوثيقة وعابت عليها عدم استدعاء الجمعيات الممثلة للمشجعين، للمشاركة في صياغتها. وفي هذا الصدد قال رئيس نادي شتوتغارت غيرد مويزر إن هذا القرار لا يشمل فريقه مادام أنه لم يتم الاستماع فيه لرأي المشجعين. وطالب مويزر بصياغة وثيقة أخرى من طرف ممثلي مشجعي مختلف الأندية الألمانية. وأضاف:" عندما تكون لدينا وثيقة من طرف الاتحاد الألماني لكرة القدم وأخرى من طرف جمعيات مشجعي الأندية يمكننا عندئذ التوصل إلى صيغة توافقية بخصوص الإجراءات الممكن اتخاذها لمواجهة عنف الملاعب".
من جهته قلل اتحاد جماهير كرة القدم في ألمانيا " برو فانس" من أهمية الوثيقة الصادرة عن الاتحاد الألماني لكرة القدم، وقال في بيانه إنه لا يوجد داعي لمثل هذه الوثيقة، لأن ألمانيا لا توجد فيها مشكلة حقيقية فيما يخص أعمال الشغب في الملاعب. وأضاف بأن وتيرة أعمال الشغب سجلت تراجعاً في الأعوام الماضية.
المشجعون يطالبون بإدماجهم في الحوار
غير أن السياسيين ورجال الأمن لديهم وجهة نظر أخرى بهذا الخصوص. فمنذ أحداث العنف التي شهدتها مباراة دورتموند و دينامو دريسدن العام الماضي، أصبح الحديث عن الأمن في الملاعب الألمانية موضوعا سياسيا. فقد اجتمع العام الماضي وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش مع مسؤولين في الاتحاد الألماني لكرة القدم وممثلين عن رجال الشرطة للتباحث في مشكلة شغب الملاعب. ولم يتم استدعاء أي جمعية تمثل مشجعي الأندية للمشاركة في هذا الاجتماع، وهو ما خلف ردود فعل سلبية لدى الأوساط الرياضية، حيث بعث خبراء في الشؤون الرياضية وصحفيون رسالة مفتوحة يطالبون فيها بإدماج المشجعين في الحوارات الخاصة بإيجاد حل لمشكلة عنف الملاعب. لكن ذلك لم يجد، على ما يبدو، آذانا صاغية لدى المسؤولين عن الرياضة في ألمانيا، فالوثيقة الأخيرة التي أصدرتها لجنة السلامة التابعة للاتحاد الألماني لكرة القدم لم يتم فيها استشارة جمعيات مشجعي الفرق. وكرد فعل على ذلك اجتمع قرابة 250 شخصا من أنصار 49 فريقا ألمانيا في برلين، ووجهوا بذلك رسالة إلى المسؤولين عن كرة القدم مفادها أنهم قادرون على المساهمة في صياغة التدابير الخاصة بمواجهة عنف الملاعب. وفي هذا الصدد قال يواخيم راناو، رئيس جمعية مشجعي فريق هامبورغ:" نحن نريد الحوار والمشاركة في نقاش موضوعي، فإيجاد حل فعال لمشكلة عنف الملاعب يتوجب إشراك كافة الأطراف في ذلك، أما احتكار جهة ما بصلاحية اتخاذ القرار فسيؤدي إلى توسيع الهوة بين المشجعين وبين المسؤولين عن الكرة".