جريمة قتل محمد ج .. مقربون ونشطاء يتحدثون لـDW عربية
١٨ يناير ٢٠١٩
غموض كبير يكتنف جريمة مقتل الصيدلي السوري محمد ج. في مدينة هامبورغ. كثيرون أكدوا أن الراحل لم يكن له خلافات مع أحد وأنه كان شخصاً محبوباً من الجميع. لكنهم اتفقوا أيضاً على أنه كان داعماً قوياً للثورة السورية.
إعلان
ظلال كثيفة تحيط بجريمة مقتل الصيدلي من أصول سورية محمد ج. (48 عاماً)، والتي وقعت مساء الثلاثاء (15 كانون الثاني/ يناير 2019) في مدينة هامبورغ. الحدث الذي يلفه الغموض أثار الكثير من التساؤلات حول شخصية الراحل وطبيعة إسهاماته في مساعدة مصابي الثورة السورية.
لكن يبقى السؤال الأبرز: هل تم اغتيال الرجل من جانب النظام السوري أم أن مقتله جاء نتيجة خلافات شخصية؟ هذا ما تعكف الشرطة الألمانية على بحثه حالياً، والتي رفضت الإفصاح عن أي معلومات لديها حتى الآن نظراً لطبيعة الجريمة البشعة. فالصيدلي الراحل قتل بأكثر من 20 طعنة كان أكثرها ضربات بفأس في الرأس، ليعثر عليه المارة وهو يخرج زاحفاً من مبنى يمتلكه غارقاً في دمائه وقد بترت عدة أصابع من يديه ولا يستطيع الكلام، ليلفظ أنفاسه الأخيرة فور وصوله المستشفى.
شقيقه الأكبر: مت يوم أن مات أخي!
يؤكد شقيق الصيدلي الراحل محمد ب. ج. – وهو شقيقه الأكبر – أن أخاه كان شخصاً مجتهداً للغاية ورجل أعمال مرموق: "جاء إلى ألمانيا عام 1989 وتعب كثيراً واجتهد وتعلم حتى بنى نفسه بنفسه وأنشأ شركة كبيرة ولديه عدة عقارات كان يقوم بتأجيرها".
ويضيف الشقيق في مقابلة مع DW عربية أن أخاه الأصغر "كان شخصاً محبوباً للغاية وكل من في مسجد مدينة هامبورغ يعرفه لأعماله الخيرية ومساعداته للاجئين ومصابي الحرب. كان كثيراً ما يقوم بصرف الأدوية من صيدليته دون مقابل لمن يعرف أنهم في ضائقة مالية". وتابع بحزن شديد: "لقد متّ فعلياً في اليوم الذي مات فيه أخي الأصغر محمد.. لدي جرح هائل في قلبي.. عائلته منهارة وحالتهم تعيسة للغاية .. أولادي كانوا يعشقونه وكان يوم حضوره للمنزل يوم عيد".
داعم قوي للثورة السورية ومصابيها
ويتفق كل من تحدثت معهم DW عربية من سوريين مقيمين في ألمانيا أو النمسا على أن محمد كان يدعم الثورة السورية بشكل كبير، إذ يقول شقيقه الأكبر إن أخاه رفض في بداية الثورة عرضاً للعمل مع نظام بشار الأسد، وإن عمله في دعم الثورة كان يتركز على مساعدة الجرحى. فقد أحضر بالفعل الكثيرين منهم إلى ألمانيا للعلاج وكان على تواصل مع وزارة الخارجية الألمانية التي كانت تصدر لهم الأوراق اللازمة.
وأضاف شقيق المجني عليه أن الجهات الألمانية الرسمية كانت تستقبل المصابين القادمين وتعالجهم في المستشفيات، بينما كان شقيقه يتكفل بإقامتهم، وتمكن من الحصول على دعم من جهات رسمية في ألمانيا للمساعدة في منح المصابين أطرافاً تعويضية، وسافر كثيراً للحدود السورية وزار عدداً من مخيمات اللاجئين وقدم المساعدات الطبية والغذاء، مشيراً إلى أنه كثيراً ما تلقى مكالمات هاتفية من سوريين وألمان يشكرونه على ما قدمه لهم الراحل من مساعدات ودعم.
من جانبها، أكدت الناشطة السورية ميسون بيرقدار، المقيمة في برلين، أنها سافرت أكثر من مرة مع محمد ج. إلى تركيا وفيينا: "حضرنا عدة مؤتمرات في ألمانيا وقدم الكثير من ماله الخاص لمساعدة السوريين في أوروبا، إلى جانب علاقاته الهامة مع الألمان والتي استطاع من خلالها أيضاً تأمين المساعدة للكثير من اللاجئين من مصابي الحرب". وأشارت بيرقدار إلى أن المكان الذي قتل فيه كان قد خصصه لإقامة السوريين المصابين ممن لا يجدون مكاناً للمبيت وليست لديهم القدرة المادية للإنفاق على السكن، بالإضافة إلى تأمينه العلاج لهم ومنحهم أطرافاً صناعية وكل ذلك دون مقابل.
هذا ويذكر الناشط زياد الحلبي، عضو تنسيقية هامبورغ للثورة السورية، أن خبر مقتل محمد ج. أصاب أعضاء "اتحاد السوريين في المهجر" بصدمة شديدة، خاصة وأن الراحل كان قد تولى في وقت من الأوقات رئاسة الاتحاد، وإسهاماته في دعم الثورة السورية ومصابيها كانت كبيرة، مؤكداً على أن الراحل "كان شخصاً طيباً للغاية ومتواضعاً ومبتسماً دائماً".
شكوك حول دوافع الجريمة
وفيما ما تزال تحقيقات الأجهزة الأمنية في ألمانيا جارية، تناقلت عدة مواقع إخبارية ألمانية عدداً من التفسيرات لمقتل محمد ج.، أحد أقواها هو أن الجريمة قام بها أحد المشردين. غير أن كل من تحدثت معهم DW عربية أكدوا شكوكهم في تورط أشخاص تابعين للنظام السوري في مقتل الصيدلي الألماني السوري. كما ألمحوا جميعاً إلى خلاف وقع مع أحد مستأجري المحال التي يملكها الراحل، والذي تربطه علاقة قوية بالنظام السوري، كما كرر ذلك أكثر من مغرد على "تويتر".
كما أن شقيق الصيدلي الراحل أكد أن أخاه الأصغر لم تكن له أي عداوات أو شركاء ليختلف معهم، فيما أوضحت الناشطة السورية ميسون بيرقدار أن الكثير من صفحات "فيسبوك" وحسابات مجهولة على "تويتر" تروج لقصة مفادها أن مقتل محمد ج. جاء نتيجة خلافات مالية "وهذا أمر غير حقيقي. لكن المؤكد في هذا الأمر أن الدكتور محمد ج. كان قد حرك دعوى قضائية ضد أحد الأشخاص وكانت تتداول في المحكمة ولا نعلم كثيراً عن خلفيات هذا الأمر سوى أن مقتله تزامن مغ يوم صدور الحكم في تلك القضية".
وأكدت الناشطة السورية أن نشطاء الثورة السورية في ألمانيا يعيشون "أسوأ لحظات الخوف والقلق على حياتنا بعد هذا الحادث".
عماد حسن
محطات في الدور الألماني خلال الأزمة السورية
إلى جانب الدور الإنساني، لعبت ألمانيا أدوارا أمنية وسياسية في الأزمة السورية. وعلى مدى سبع سنوات، لم تتخلف برلين عن تسجيل حضورها في ملفات الأزمة داعية دائماً إلى وقف الحرب و"الجرائم ضد الإنسانية" في سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
منفذ اللاجئين
منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011، يبحث السوريون عن منافذ لمغادرة بلدهم نحو بلدان أكثر أمانا. وكانت ألمانيا واحدة من المنافذ التي فتحت الباب أمامهم منذ 2015، كما أتاحت لهم فرصة النفاذ من ويلات الحرب حتى صار عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية، عام 2017، يقدر بحوالي 699 ألف شخص، في ألمانيا، أي ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد، حسب ما أفاد "مكتب الإحصاء الاتحادي".
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Pförtner
"ماما ميركل" محبوبة اللاجئين السوريين
لعبت قرارات ميركل في ملف اللاجئين دورا رياديا. وكان قرارها الشهير عام 2015، بفتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين السوريين خاصة وقد وصلوا أوروبا عبر البحر المتوسط، محط أنظار العالم بأسره، إذ لم تقف عند "اتفاقية دبلن" و"فضاء شينغن" والهدنة مع دول أوروبا الشرقية. وتمسكت بشعارها "نستطيع أن ننجز ذلك"، في إشارة منها إلى تفاؤلها بالتغلب على أزمة اللاجئين. قرارات ميركل جعلتها تُنعت بـ"ماما ميركل".
صورة من: Reuters/F. Bensch
إدماج وإندماج
تعمل ألمانيا بشكل مكثف على إدماج اللاجئين في الحياة العامة. وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تعليم اللغة وتوفير دورات للاندماج ، فضلا عن دورات التأهيل للعمل لصالح اللاجئين. علاوة على ذلك، يحظى الأطفال باهتمام خاص، إذ يذهبون، بعد وصولهم بفترة بسيطة إلى ألمانيا، إلى المدارس أو إلى دور الحضانة وذلك بهدف الانفتاح على العالم الجديد والتأقلم معه.
صورة من: picture-alliance/W. Rothermel
إنقاذ وتطبيب ومليارات اليورو للدعم
قدمت ألمانيا مساعدات كثيرة للسورين خلال الحرب. فبالإضافة إلى التطبيب، رصدت عام (2017) للمساعدات الإنسانية في سوريا 720 مليون يورو. فضلا عن 2.2 مليار يورو، قدمتها لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2012، وكان وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل، قد تعهد بعشرة ملايين يورو إضافية للمساعدات المقدمة لسوريا في ظل الوضع المأساوي في الغوطة الشرقية.
صورة من: Ärzte ohne Grenzen
مساعدات إنسانية في الداخل والخارج
لا تنحصر المساعدات الإنسانية الألمانية على المحتاجين اليها في سوريا فحسب، بل تشملهم في ألمانيا أيضا، حيث تتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني لمد اللاجئين بالمعونة الضرورية، خاصة في الأيام الأولى من التحاقهم. وتعتبر موائد "تافل" من بين الجهات التي يتوجه إليها اللاجئون بهدف الحصول على الطعام.
صورة من: DW/B. Knight
حضور ألماني أنساني حتى في مخيمات اللجوء عبر العالم
تقديم ألمانيا لمساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين لا يقتصر على سوريا أو ألمانيا، وإنما يتجاوزه وصولاً الى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان، مثلا. وقد مولت الحكومة الألمانية مشاريع مهمة في المخيمات، كمشروع الكهرباء الذي استفاد منه مخيم الزعتري والذي بلغت طاقته 12.9 ميغاوات. وبالإضافة إلى توفير الكهرباء، فقد أتاحت المحطة بيئة أكثر أماناً للأطفال والبالغين في هذا المخيم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B.v. Jutrczenka
إنقاذ من الجوع والعطش
عانى الدمشقيون من ندرة المياه وانقطاعها المتواصل بسبب الحرب واستمرار المعارك، خاصة في منطقة وادي بردى، قرب دمشق. وكانت الحكومة الألمانية أول من بادر لحل هذا المشكل، إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، إن دبلوماسيين ألمانا ساعدوا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في وادي بردى، بهدف إعادة إمدادات المياه إلى دمشق.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
محاربة داعش
شارك الجيش الألماني في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم داعش في سوريا. وقد شارك في العملية ما يناهز 1200 جندي ألماني. المهمة العسكرية الألمانية في سوريا، شملت عناصر المشاة، إضافة إلى طائرات استطلاع من نوع "تورنادو" وطائرة للتزود بالوقود وسفينة حربية لدعم حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في البحر المتوسط، فضلا عن عمليات استطلاعية عبرالأقمار الصناعية.
صورة من: Getty Images/Hulton Archive/USAF
اتفاق مع تركيا ساهم في إنقاذ أرواح آلاف من طالبي اللجوء
في بدايات عام 2016، وقع الاتحاد الأوربي وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أراضي الاتحاد. هذا الاتفاق الذي تعرض لانتقادات، وتبعه توتر كبير بين الطرفين التركي والأوروبي، كانت ألمانيا من بين مناصريه. فقد اعتبرته اتفاقا ناجحا ما دام قد حقق هدفه، و"ساهم في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال"، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
صورة من: Reuters/Yves Herman
محاربة الأسلحة الكيماوية
لعبت ألمانيا دورا بارزا في محاربة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قد أعلنت دعمها للضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أهداف منتخبة في سوريا يوم 14 أبريل/ نيسان2018، كما رأتها "ضرورية وملائمة للحفاظ على فعالية الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولتحذير النظام السوري من ارتكاب انتهاكات أخرى".
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
ألمانيا وسيط محايد محتمل و"رسول سلام"
تساءل البعض عن سبب عدم مشاركة ألمانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري، فيما أعتبر آخرون إمكانية لعب ألمانيا دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع. وتشير معطيات إلى إمكانية تأثير ألمانيا في إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي أكد أن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة. مريم مرغيش.