جلال الطالباني أول رئيس كردي منتخب للعراق
انتخبت الجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) في جلستها الثالثة اليوم الزعيم الكردي المخضرم جلال الطالباني رئيساً للعراق، وذلك بعد مفاوضات صعبة وطويلة أثارت حفيظة الناخبين العراقيين الذي شاركوا بفاعلية في إنجاح أول انتخابات ديمقراطية في العراق منذ خمسين عاماً. وتأتي هذه الخطوة المهمة بعد التوصل إلى اتفاق بين القوى السياسية العراقية أنهى جمود العملية السياسية العراقية الذي استمر عدة أسابيع. وبموجب هذا الاتفاق تم انتخاب نائبين له أحدهما سني وهو زعيم كتلة "عراقيون"، الرئيس المنتهية ولايته غازي عجيل الياور، والآخر شيعي وهو ووزير المالية في الحكومة الحالية عادل عبد المهدي من الائتلاف الشيعي الموحد. وكانت القوى السنية في العراق قد أبلغت القائمتين الشيعية والكردية الفائزتين في الانتخابات ألأخيرة بترشيحها كلا من غازي الياور وعدنان الباجه جي رئيس تجمع الديمقراطيين المستقلين، وعدنان الجنابي العضو في القائمة العراقية لمنصب نائب رئيس الجمهورية لتولي منصب نائب رئيس الجمهورية.
تصويت برلماني تاريخي
تعد الجلسة الرابعة للجمعية الوطنية العراقية ذات طابع تاريخي لأنها تجسد من ناحية صعوبة حل النزاعات تحت أطر ديمقراطية، ومن ناحية أخري فهي تعطي دليلاً واضحاً على صحة هذا الخيار. وفي عملية التصويت صوت 228 عضوا من أعضاء البرلمان الـ 257 الذين حضروا جلسة اليوم الأربعاء لجلال الطالباني وعبد المهدي والياور، بينما امتنع 29 عن التصويت. وفي كلمة ألقاها عقب انتخابه وعد الزعيم الكردي الشعب العراقي بأنه سيعمل على إيجاد "عراق جديد خال من الاضطهاد الطائفي والقومي والتسلط والطغيان وإقامة دولة عراقية مستقلة وموحدة على أسس من الفيدرالية وحقوق الإنسان وحق المواطنة المتساوية للجميع واحترام الهوية الإسلامية للشعب العراقي باعتبار الإسلام دين الدولة ومصدراً للتشريع مع الاحترام الكامل للأديان الأخرى".
وفي إشارة إلى الخطوط العريضة التي سترتكز عليها سياسته في الفترة الانتقالية المقبلة قال الطالباني أنه سيعمل "مع المؤسسات الدستورية الأخرى على إيجاد حكم ديمقراطي يصون الحريات وحقوق الإنسان العامة والخاصة ويسعى لإجتثاث الإرهاب الإجرامي والفساد المستشري والتلاعب بأموال الشعب.....". كما وعد بتوفير الظروف التي تؤدي في النهاية إلى رحيل القوات الأجنبية بعد "استكمال بناء القوات المسلحة القادرة على القضاء على الإرهاب وصيانة العهد الجديد ومنع التدخل الخارجي". وفي غضون ذلك توقعت مصادر كردية وشيعية قرب التوصل خلال أيام إلى اتفاق حول تشكيل حكومة جديدة برئاسة المرشح الشيعي إبراهيم الجعفري.
من هو جلال الطالباني؟
يعتبر جلال الطالباني، الملقب "مام جلال" الذي يعني "العم جلال" باللغة الكردية، أحد كبار رموز الحركة القومية الكردية. وقاد الطالباني كفاحاً استمر عقوداً طويلة من أجل حصول الشعب الكردي على حقوقه المشروعة، وهو شخصية ثابرت في نضالها منذ بدء مشاركته في العمل السياسي، ولم يتخلى عن العقيدة القومية الكردية حتى وصوله إلى قمة الهرم السياسي اليوم. وُلد الطالباني في عام 1933 في قرية كلكان ( 400 كلم شمال شرق بغداد) وأُعجب منذ شبابه بالملا مصطفي بارزاني القائد العسكري والزعيم الكردي التاريخي. ودرس الحقوق في جامعة بغداد وشارك في المظاهرات العارمة التي جرت في عام 1952 في بغداد ضد الاستعمار و"من أجل الشعب".
وبعد سقوط الملكية في العراق في عام 1959 عمل الطالباني محرراً صحافياً، ثم استدعي للخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش العراقي حيث خدم كضابط احتياط. وفيما بعد التحق بالحزب الديمقراطي الكردستاني وأصبح عضواً في لجنته المركزية وهو في سن الثامنة عشرة. وظل وفياً له حتى انضمامه إلى صفوف انشقاق أدى إلى صراع طويل داخل الزعامة الكردية حول أحقية تمثيل الشعب الكردي. وبعد قرار مصطفى البر زاني بوقف المعارك ضد قوات الحكومة العراقية وهزيمة حركة التمرد الكردية عام 1975 قام بتأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني في خطوة كرست انفصاله عن البار زاني. وبفضل الكاريزما التي تتمتع بها شخصيته وقدرته على الإيحاء والاتصال مع الجماهير اكتسب حزبه ذو التوجهات الاشتراكية شعبية في الأوساط الكردية المتعلمة. والجدير بذكره في هذا السياق هو أن الطالباني كان من ألد أعداء الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.
مخاوف من تزايد نفوذ الأكراد
لا شك أن انتخاب جلال الطالباني، كأول سياسي كردي يتولى رئاسة العراق، يمثل خطوة مهمة في المشوار الطويل من أجل الخروج من فخ الطائفية وإرساء مؤسسات ديمقراطية فاعلة في العراق. وعلى الرغم من أنه منصب رمزي إلا انه يطرح علامات استفهام كبيرة حول الدور الذي ستلعبه الأقلية الكردية التي ساندت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين في العملية السياسية العراقية في المستقبل. فجيران العراق، وخاصة تركيا وسوريا، يخشون من تزايد النفوذ السياسي للأكراد في العراق والذي يمكن أن يؤدي وفقاً لمخاوفهم إلى إقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق وهو تطور قادر على إثارة الميول الانفصالية للأقليات الكردية في كلا البلدين مما يمكن أن يُشكل تهديداً لاستقرارهما.
وقد عكس رد الفعل التركي السريع على انتخاب الطالباني هذه المخاوف، فمن ناحية هنأ وزير الخارجية التركي عبد الله جول رئيس العراق الجديد ووصفه بأنه سياسي محنك يولي أهمية لوحدة أراضي العراق. وأضاف "أتمنى أن يكون من الممكن تحديد أعضاء الحكومة الجديدة خلال وقت قصير. ستواصل تركيا بذل كل ما في وسعها لتقديم الدعم والمساعدة". من ناحية أخرى قال رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان متحدثا في أنقرة انه يتوقع أن تضمن الحكومة العراقية الجديدة عدم سيطرة الاكراد وحدهم على مدينة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق. ومن المعروف أن كركوك مركز للتوترات العرقية ويطالب كل من الأكراد والتركمان والعرب بأحقيتهم فيه. وتعتبر تركيا نفسها راعية لعدة مئات الالاف من التركمان العراقيين الذين ترتبط معهم بروابط لغوية وعرقية وثيقة.