جمعية في لبنان تحارب الفساد من خلال مبادرات ساخرة
٣ يوليو ٢٠١٤"سكّر الدكانة" هو إسم جمعية لبنانية حديثة العهد تسعى إلى محاربة الفساد بأسلوب تطغى عليه السخريّة من الواقع اليومي للناس بسبب مظاهر الفساد الذي يسود قطاعات الدولة، حيث إنه أصبح بجديّة كارثة وطنية على كل المستويات.
شابات وشبان أعضاء في جمعية "سكّر الدكّانة" "يبيعون" في الشوارع أوراقا تبدو في الوهلة الأولى رسمية، مثل رخص قيادة وشهادات جامعية وثانوية ومعاملات خدماتية في وزارات الدولة ولوحات سيارات عمومية وخاصة، وأيضا رخص حمل سلاح. تمت صناعتها كلها بطريقة حرفية. فهي تشبه المستندات الرسمية الحقيقية، ولكن في جانب منها كتب عليها عبارة "سكّر الدكانة". بعد المساومة على السعر وهي جزء من اللعبة يتضح للزبون الذي يتسلمها مجاناً أن الأمر يتعلق بمبادرة لمواجهة الفساد.
يوضح الناشط في الجمعية جهاد نمور، لـ DW /عربية، أن طلاب وموظفين وأساتذة جامعيين يشاركون منذ شهر نيسان الماضي في هذا النشاط الذي يجد دعم بعض المتبرعين من خلال القيام بأعمال دون مقابل، أو المساعدة في تنفيذ المبادرة من خلال انشاء الصفحة الشبكية الرئيسية للجمعية (www.sakkera.com) التي تستقبل شكاوى الناس من الفساد وتتضمن إسم الإدارة الرسمية التي تم فيها طلب الرشوة مثلا والمبالغ التي تم دفعها، ولكن دون ذكر الأسماء.
يتحدث نمور عن حملات متواصلة ومتنقلة بين المناطق اللبنانية في أسواق الخضار والساحات العامة لعرض مبادرتهم، مؤكداً أنهم حتى الآن "لم يتعرّضوا إلى أي إزعاج من أي جهة أو جهاز أمني".
مشكلة بنيوية
ويؤكد زميله كريس فاضل لـ DW /عربية على "أننا لا نحاول أن نسلط الضوء على المواطن، حيث إن هناك مشكلة بنيوية. ونحن نشجّع الناس على أن يبلّغوا عن طبيعة المعاملات وقيمة المبلغ وعن الدائرة من دون ذكر إسم الموظف"، مشيراً إلى أن الهدف هو "أن نصل إلى إحصاء عدد حالات الرشاوى والذي بلغ حتى (25 حزيران 2014) أكثر من 650 حالة بقيمة في حدود 725 مليون ليرة لبنانية ".
تحدث فاضل عن "مشوار صيدا"، وقال: "البلد صار مثل الدكان. حصلنا على عربة بيع متجولة وضعنا فيها شهادات رسمية ورخص وعدادت كهرباء وغيرها وبدأنا بعرض "بضاعتنا" بعدما قمنا بالتنسيق مع الشرطة والبلدية. كنا نعرض هذه الأشياء مقابل مبلغ مالي سخيف، وبعد مساومة على السعر نسلمها مجاناً"، وأشار المتحدث الى أن بعض الطلاب المتطوعين خضعو لدورة تدريب وتوعية قبل القيام بذلك.
الفساد أمر طبيعي
ويعتبر محمد سرحان من نفس الجمعية إلى أن الفساد أصبح شيئاً طبيعياً لدى شريحة واسعة في المجتمع حيث لم يعد يعتبر ذلك أمرا خاطئا، بل مناخا سائد في كل البلد "وهذا ما يؤكده مستوى قيمة المبالغ التي تم تسجيلها في اقل من شهرين، غير أن هناك العديد من الناس الذين يعرضون رغبتهم في التعاون معنا ويبلّغون عن الرشاوى التي تُطلب منهم مقابل القيام بأعمال".
يؤكد سرحان لـ DW /عربية قائلا، "نحن لا نريد الإساءة إلى أي موظف، بل وضع حد للفساد وتصحيح الخلل". ويشرح فاضل قائلاً: "نعرف أن رواتب الموظفين غير كافية وهي أيضاً بحاجة الى التصحيح. ما نريده هو أن نغير النظرة التي تتباهى بأنها فوق القانون".
من جهته يلفت جهاد نمور الانتباه الى أن "وسائل الإتصال والتكنولوجيا كان لها دور كبير في مساعدتنا على التواصل مع الناس، وهي تسهّل عليهم الأمر للتبليغ عن حالات الفساد. لذلك نحن نعتبر أن الانجاز الأهم هو أن الناس أصبحوا يتحدثون عن هذا الموضوع".
وعن نشاط "دكانة الجميزة" أوضح نمور: "استأجرنا محلاً صغيراً ليومين. وكان هذا أول تفاعل مباشر مع الناس ومع وسائل الإعلام أيضاً. بعض الناس أتوا بالفعل كزبناء ، واعتقدوا أننا نبيع تلك المستندات حقا. نحن نرغب في أن يأتي الى الجمعية أولائك الذين يودون شراء مستندات بطريقة غير قانونية حتى يتطّلعون على أنشطتنا ويغيرون مواقفهم".
نشاط بدون طموحات سياسية
يؤكد الشبان الثلاثة لـ DW /عربية عدم طموحات سياسية لديهم من وراء هذا العمل، وهم لا يريدون التعاطي مع السياسيين، لكنهم يشيرون الى أنهم سينشطون في حملة الانتخابات النيابية المقبلة لعرض شراء أصوات الناخبين". ويشير الشبان الثلاثة الى وجود استعداد لدى هيئة التفتيش المركزي في الدولة للتعاون معهم، إضافة الى بعض الوزارات، بهدف تفعيل نشاطاتهم في مكافحة الفساد والتبليغ عن حالاته.
المواطنون منقسمون
وبينما يرأى عدد من الناس أن مثل هذه المبادرت مشجعة لمحاربة الفساد، تتسم نظرة آخرين بنوع من التشكك مشيرين إلى أن مثل هذه التحركات لا تطال إلاّ صغار الموظفين في حين يبقى "الكبار المهيمنون" دون محاسبة.
من جهتها تلاحظ الممرضة الشابة زينب الأشقر لـ DW /عربية، أن هذه الجمعية اعتمدت منهجاً جديداً من حيث الأسلوب الساخر لعرض الفساد، معتبرة أن "هذا الأسلوب ساعد في لفت أنظار المواطنين الذين دفعهم الفضول للمعرفة المزيد عن تلك الشعارات وتفادي الوقوع في مثل ذاك الفساد".
الفساد وعلاقته بواقع الناس
مقابل كل ذلك يتشكك الموظف الرسمي فريد (اسم مستعار) بشدة من مدى فعالية القيام بمثل هذه المبادرات للقضاء على الفساد. كما يؤكد على ضرورة محاسبة "الكبار" على ما جمعوا من ثروات هائلة. وأوضح في لقاء مع DW /عربية، أنه لا يستطيع التخلي عن الاستفادة مما يجنيه من الرشوة. فهي تضمن له تأمين مستلزمات عيش الأسرة والأطفال ويستخلص قائلا: " سنموت من الجوع إذا اعتمدنا على رواتبنا فقط. إن مكافحة الفساد تبدأ بإعادة هيكلة الرواتب وضبط الأسعار في الأسواق، كي يستطيع الموظف أن يعيش عيشا كريما".