جندية ألمانية مسلمة تنتقد العنصرية بعد أحداث كولونيا
ماناسي غوبالاكريشنان/ علاء جمعة٣٠ يناير ٢٠١٦
ناريمان راينكه، جندية ألمانية من أصل مغربي، قررت أن تتخذ موقفا من اعتداءات التحرش التي حدثت في كولونيا في رأس السنة. وما أعقبها من عنصرية بخصوص الأجانب. لكنها تلقت ردود فعل متباينة تماما.
إعلان
في الأيام التي أعقبت ليلة رأس السنة الميلادية، ذكرت الشرطة الألمانية أنها تلقت سلسلة من الشكاوى، تمحورت حول اعتداءات جنسية وحوادث سلب حدثت بالقرب من محطة كولونيا المركزية للقطارات. وبناء على التحقيقات والشكاوى المقدمة، تبين أن تلك الاعتداءات شارك بها حوالي 1000 رجل من أصول شمال إفريقية ضد المحتفلين برأس السنة. مدن أخرى مثل هامبورغ وشتوتغارت شهدت أيضا حوادث مماثلة، وإن كان ذلك على نطاق أضيق. الكشف عن هذه الأحداث صدم الرأي العام الألماني، كما صدرت دعوات بعدها تطالب بالحد من تدفق المهاجرين إلى البلاد.
الكتابة على الفيسبوك
ناريمان راينكه -الابنة لأبوين مغربيين والتي تعمل كجندية في الجيش الألماني- قررت أن تكتب حول الحادث على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
"الناس بدؤوا بالتعميم حول أحداث كولونيا"، تقول راينكه في حديث لـDW. ثم تضيف: "عندما بدأت الشائعات بالانتشار قالوا إن هناك بعض اللاجئين بين المجرمين، وبأن ما حصل كان نتيجة للسياسة الألمانية تجاه اللاجئين، وقالوا إن ألمانيا تحضر المجرمين إلى بيتها، ثم قالوا إن الإسلام يدعو للجريمة، وتحدثوا عن السلفية وربطوها بالإرهاب. ... يكفي هذا".
وكتبت الجندية الألمانية (36 عاما) على الفيسبوك بأنها "ألمانية ومسلمة". وذكرت أنها شعرت "بالخجل" عندما سمعت أن هنالك العديد من المغاربة من بين الرجال الذين ضايقوا النساء في كولونيا في 31 ديسمبر/ كانون الأول. وقالت أيضا "عمل والداي بكد من أجل إثبات وجودهما هنا. أنا أبكي عندما أسمع أن هؤلاء الناس الذين اعتدوا على النساء كانوا من المغرب".
راينكه شعرت أيضا "بالأسى عندما سمعت عن تعرض مأوى للاجئين للهجوم"، وقالت "بالنسبة لي فإن هذا يعد شروعا في القتل". وتابعت "الأمر السيء هنا، هو عندما يقول الناس إن جميع الألمان نازيين مثلا، وهو ما يثير حزني".
ردود فعل متباينة
رسالة راينكه على الفيسبوك أثارت الكثير من ردود الفعل. وقالت إن رؤساءها في الجيش الألماني ومنظمتها -التي تتبع لها (منظمة الجنود الألمان) والذين تطوع العديد منهم من أجل مساعدة اللاجئين- كانوا متعاونين للغاية. وتقول "لم أكن أعرف أنهم سيقاسمونني نفس المشاعر بهذا الشكل". عندما كتبت راينكه على فيسبوك كانت في عطلة، وكانت تبحث مع صديقتها التي تحضر نفسها للزواج عن فساتين الزفاف.
وتوالت التعليقات حتى أن الناس اتهموا راينكه بعدم فهم محنة النساء اللواتي تعرضن للتحرش. فكتبت: "التحرش الجنسي أمر سيء، سواء أ كان موجها ضد النساء أو الرجال أو حتى الأطفال". وتابعت "أنا لا أريد لأحد أن يتعرض لهذا الأمر".
وقالت الجندية الألمانية من أصل مغربي: "تلقيت الكثير من ردود الفعل الإيجابية، ولكن أيضا الكثير من التعليقات السلبية. كما أني تلقيت العديد من التعليقات العنصرية التي لا علاقة لها بما كتبته".
وترى راينكه أن الهجمات سيكون لها على المدى الطويل انعكاسات مؤثرة على الأجانب وأبنائهم في ألمانيا. وتذكر أن أخاها "يحب إطلاق لحيته، وكذلك زوجي، فهم يجدونها جميلة. إلا أن أخي قد يتعرض للضرب من بعض الأشخاص الذين قد يعتقدون أنه إسلامي متطرف. وقد يكون من الأفضل أن يحلق لحيته". واختتمت راينكه الحديث بقولها "رغم كل ما حدث، على ألمانيا أن لا تتوقف عن مساعدة الأشخاص المضطهدين".
تعصب وتطرف أم خوف من الآخر؟ مظاهر العنف في أوروبا
لئن عاشت الأغلبية العظمى في أوروبا من أوروبيين ومن أصول مهاجرة من مختلف الأديان والثقافات في كنف السلام والاحترام، إلا أنها لم تخل أيضا من مظاهر للعنف تحت ذرائع مختلفة: دينية وقومية وغيرها، لكنها مرفوضة من الأغلبية.
صورة من: picture-alliance/dpa/SDMG/Dettenmeyer
مظاهر التطرف والدعوة إلى العنف باسم الدين لم تقتصر على الدول العربية والإسلامية، بل أيضا دول غربية على غرار ألمانيا شهدت بدورها مظاهرات لأقلية سلفية حمل بعض عناصرها الأعلام السوداء ودعا فيها للعنف. الصورة لمظاهرة تعود إلى عام 2012 في مدينة بون الألمانية حيث تظاهر سلفيون ضد يمينيين متطرفين واعتدوا خلالها على رجال شرطة.
صورة من: picture-alliance/dpa
استخدام الدين كذريعة لارتكاب جرائم إرهابية، مثلما حدث خلال الاعتداء على مقر صحيفة شارلي إيبدو مطلع هذا العام وقتل 11 شخصا من طاقمها بدافع الانتقام لصور كاريكاتورية للرسول محمد نشرتها الصحيفة، أثار استهجان الملايين ليس في فرنسا وأوروبا فقط وإنما ايضا في العديد من الدول الإسلامية والعربية.
صورة من: Reuters/Platiau
الإرهابيون لم يستهدفوا مقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية فقط وإنما أيضا شرطيا مسلما واسمه أحمد وشرطية أخرى كانت تنظم حركة المرور وكذلك أربعة يهود، بينهم يهودي تونسي، كانوا في أحد المتاجر اليهودية بصدد التبضع لإحياء مراسم السبت. العمليات الإرهابية كانت من توقيع تنظيم "الدولة الإسلامية".
صورة من: AFP/Getty Images/K. Tribouillard
وبعد الهجمات الإرهابية التي طالت باريس واسفرت عن سقوط 18 شخصا، ها هو الإرهاب تحت ذريعة الدين يضرب العاصمة الدنماركية كوبنهاغن ويتسبب في مصرع رجل يهودي كان يحرس كنيسا يهوديا وآخر مخرجا سينمائيا، ذنبه أنه كان حاضرا في ندوة حول حرية التعبير.
صورة من: Reuters/S. Bidstrup
ولكن مساجد المسلمين بدورها تعرضت أيضا للاعتداء بالحرق وتهشيم النوافذ وحتى لهجوم بالمتفجرات. ففي فرنسا مثلا ارتفع عدد الأعمال "المعادية للإسلام" بنسبة 70 بالمائة منذ الاعتداءات التي قام بها جهاديون في باريس في كانون الثاني/ يناير، مقارنة بعام 2014، وفقا لجمعية التصدي لمعاداة الإسلام الفرنسية.
صورة من: Reuters/Y. Boudlal
حتى المقابر اليهودية لم تسلم من اعتداءات بعض المتطرفين إما بدافع العنصرية أو بدافع معاداة السامية. على أحد القبور اليهودية في مقاطعة الآلزاس الفرنسية كتب باللغة الألمانية "أرحلوا أيها اليهود" إلى جانب الصليب المعقوف، رمز النازيين الذين أبادوا ستة ملايين من يهود أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa
حتى وإن كان هؤلاء لا يمثلون إلا أقلية مطلقة داخل المجتمع الألماني، إلا أن النازيين الجدد، الذين يستلهمون أفكارهم من النازية واليمين المتطرف، يشكلون مصدر قلق في ألمانيا، خاصة وأنهم لا يتوانون عن استخدام العنف ضد الأجانب أو من كان شكله أو مظهره يوحي بأنه ليس ألمانيا. وفي الفترة الأخيرة سجل في عدد من الدول الأوروبية صعود التيارات اليمينية المتطرفة، مستغلة أعمال الإرهابيين للإسلاميين المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
ولازال القضاء الألماني ينظر في قضية خلية تسيفيكاو النازية، والتي سميت نسبة لمدينة تسيفيكاو الواقعة شرقي ألمانيا، في محاكمة تحظى باهتمام دولي الواسع. هذه الخلية متهمة بقتل عشرة أفراد، تسعة أتراك ويوناني في ألمانيا، ذنبهم الوحيد أن أشكالهم توحي بأصولهم الشرقية. في الصورة العضوة الوحيدة المتبقة من الخلية، بعدما انتحر عنصران منها، والتي ترفض الإدلاء بأي تفصيل يساعد في الكشف عن الحقيقة.
صورة من: Reuters/M. Rehle
اليمينيون المتطرفون استغلوا مخاوف البعض في ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية من عدم معرفتهم للإسلام والمسلمين وخلطهم بالتطرف الإسلامي، خاصة بعد الجرائم البشعة التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق التي سيطر عليها في العراق وسوريا، للدعوة إلى مظاهرات مناهضة للإسلام. الصورة مظاهرة مناهضة للإسلام في مدينة هانوفر، شمالي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
وبعد الانتقادات اللاذعة والرفض الشعبي الألماني الواسع للمظاهرات المناهضة للإسلام، أصبحت هذه الاحتجاجات نقتصر على بعض اليمينيين المتطرفين الذين خرجوا للتظاهر ضد قدوم اللاجئين إلى ألمانيا، معللين رفضهم بأن ثقافة هؤلاء تختلف عن ثقافتهم وأنه لا يمكنهم الاندماج في المجتمع الألماني.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
بعض المتطرفين اليمينيين أصبح يعمد بدل الاحتجاج إلى إضرام النيران في البنايات والمقرات التي من شأنها أن تأوي اللاجئين. حتى وإن لم تسفر عمليات إحراق المباني عن أي أضرار بشرية، إلا أن تكرارها في عدد من الولايات والمدن الألمانية أثار قلقا وجدلا واسعا في البلاد.