أعمال العنف والشغب ضد اللاجئين السوريين في تركيا، ثم الاحتجاجات المناهضة لتركيا في سوريا: ما تأثير هذه الأحداث على أي تقارب دبلوماسي مخطط له بين تركيا وسوريا. وما هو الدور الذي تلعبه روسيا في ذلك؟
إعلان
اندلعت أعمال عنف في منطقة الحدود السورية التركية، حيث لقي سبعة أشخاص في شمال سوريا، ستة منهم في منطقة عفرين، مصرعهم خلال احتجاجات مناهضة لتركيا في شمال غرب سوريا. وقال المتظاهرون في المنطقة الخاضعة للسيطرة التركية إنهم يتحركون تضامنا مع مواطنيهم السوريين في تركيا.
في إشارة منهم لما حدث في مدينة قيصري بوسط الأناضول، حيث سبق أن أشعل حشد من الغوغاء النار ودمروا متاجر وسيارات تابعة للاجئين السوريين. وهتف الحشد الغاضب: "لا نريد المزيد من السوريين".
وكان غضب الجماهير موجها أيضا ضد سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا. وهتف المتظاهرون "تراجع يا أردوغان"، مما يدل على أنهم لم يعودوا يريدون قبول سياسة الباب المفتوح التي ينتهجها أردوغان منذ فترة طويلة تجاه اللاجئين السوريين.
ويعيش في تركيا حوالي 3.5 مليون شخص من سوريا. وانتقد أردوغان نفسه أعمال الشغب في قيصري ووصفها بأنها "غير مقبولة". وبحسب تقارير إعلامية، تم اعتقال حوالي 470 شخصا هناك.
تقارب دبلوماسي
هذه الاحتجاجات وأعمال العنف التي اندلعت قد تؤدي إلى إحباط التقارب المخطط له بين الحكومتين التركية والسورية. ومؤخرا فقط أعلن حكام البلدين بشكل أو بآخر عن رغبتهم في إعادة إحياء العلاقات بين البلدين بعد سنوات من القطيعة.
وكانت أنقرة قد جمدت العلاقات بالفعل مع بداية الصراع في سوريا الذي اندلع عقب مظاهرات عارمة ضد النظام السوري في عام 2011. وخلال الصراع، دعم أردوغان في المقام الأول الجماعات الجهادية التي تقاتل ضد النظام السوري.
"أحداث قيصري".. أزمة داخلية ومؤامرة خارجية؟
18:56
كما ساءت العلاقة بين الدولتين بسبب سيطرة تركيا على أجزاء من شمال غرب سوريا في عام 2018، حيث تقاتل هناك ضد قوات كردية تصفها أنقرة بأنها إرهابية.
ولكن يبدو أن رياحا جديدة تهب الآن. فقد صرح الرئيس التركي أردوغان في 28 حزيران/يونيو إنه لا توجد عقبات أمام استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا. وقبل فترة وجيزة، أشار الرئيس السوري بشار الأسد أيضا إلى رغبته في إعادة إحياء العلاقات مع تركيا.
مصالح أردوغان
لكلا البلدين مصلحة في ذلك على ما يبدو، حيث تتعرض الحكومة في أنقرة لضغوط هائلة بسبب اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا. وقد تدهور المزاج العام ضدهم بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
لذلك يريد الرئيس التركي منع قدوم المزيد من السوريين إلى تركيا، كما يقول أندريه بانك، خبير شؤون سوريا وتركيا في المعهد الألماني للدراسات العالمية ودراسات المناطق (GIGA) في هامبورغ. ويقول: إن أردوغان "يريد أيضا ضمان مغادرة أكبر عدد ممكن من السوريين تركيا". وإذا تمكن من إبرام اتفاق لإعادتهم إلى وطنهم، فسيكون ذلك بمثابة نجاح سياسي داخلي كبير لأردوغان.
كما تضع تركيا أنظارها أيضا على شمال شرق سوريا. هناك يقاتل الجيش التركي ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية منذ سنوات. والتي تعتبر مرتبطة بشكل وثيق بحزب العمال الكردستاني، الذي ينشط في تركيا والمدرج على قائمة المنظمات الإرهابية في تركيا وفي الاتحاد الأوروبي أيضا.
ويعتبر ميشائيل باور، رئيس مكتب مؤسسة كونراد أديناور في لبنان، التي تراقب أيضا التطورات في سوريا من هناك، أن التطورات في الشمال الشرقي لسوريا قد تكون الدافع الفعلي للمفاوضات بين سوريا وتركيا التي قد تبدأ قريبا.
ويوضح باور أن " قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية الكردية، المتواجدة في المنطقة والموجهة ضد الأسد، أعلنت مؤخراً عن رغبتها في إجراء انتخابات محلية في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد".
وقد تم رفض هذا المشروع بشكل خاص في تركيا. و"بسبب الضغوط الدولية، تم تأجيل هذه الانتخابات حتى أغسطس/آب".
أهداف النظام السوري
وفي المقابل، يسعى النظام السوري أيضا إلى تحقيق أهداف محددة من خلال التقارب. ويرى أندريه بانك، أن الأسد يريد في الأساس مواصلة عملية التطبيع مع الدول العربية.
هذا التطبيع الذي بدأ في مايو/أيار 2023 على أبعد تقدير، عندما أُعيدت سوريا إلى جامعة الدول العربية كعضو نشط. كما يبدو أنه يريد مواصلة هذا المسار مع جيرانه غير العرب.
كما يريد النظام أيضا استعادة منطقة إدلب في شمال غرب البلاد، والتي تسيطر عليها حاليا الميليشيا الإسلاموية المتطرفة هيئة تحرير الشام. وبما أن تركيا تسيطر على الجزء الشمالي من إدلب، فقد يكون التعاون بين الدولتين خيارا.
وينطبق هذا أيضا على المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشمال الشرقي. حيث يسعى نظام الأسد لتوسيع تواجده هناك مرة أخرى، كما يقول الخبير بانك: "إن التوصل إلى اتفاق مع تركيا سيكون مفيدا للغاية بالنسبة لهذا المسعى".
وساطة موسكو
والسؤال الآن بعد أعمال الشغب التي وقعت خلال الأيام الماضية في كلا البلدين، ما هي عواقبها على التقارب السوري التركي المخطط له؟ فمن ناحية، من المرجح أن تكون هناك معارضة لذلك، بسبب الأجواء السائدة، حيث أعربت أجزاء من سكان كلا البلدين على الأقل عن كراهية متبادلة قوية.
ولكن بالمقابل قد تسرع أعمال الشغب خطط التقارب هذه لأن التعاون يمكن أن ينزع فتيل مطالب المتظاهرين ودوافعهم، ويمكن للجانبين "بيع" ذلك محليا على أنه نجاح.
وتحاول روسيا حاليا توسيع نفوذها في كل مكان تقريبا في المنطقة. "نحن في الاتحاد الأوروبي يجب أن ندرك أن موسكو ستسعى دون قيد أو شرط إلى تحقيق مصالحها الخاصة في سوريا والمنطقة"، كما يقول الخبير ميشائيل باور، محذرا من أن ذلك قد يحدث "خصوصا على حساب أوروبا".
أعده للعربية: ف.ي
سوريا.. خمسة عقود في قبضة عائلة الأسد
تحكم عائلة الأسد سوريا منذ أكثر من 5 عقود بقبضة من حديد، إذ يستمر الرئيس السوري بشار الأسد على نهج أبيه حافظ الذي تولى الحكم بانقلاب عسكري. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا في عهد عائلة الأسد.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق".
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق. م.ع.ح/ع.ج.م