جهود دنماركية لتجاوز أزمة الرسوم الكاريكاتورية مع العالم الإسلامي
بعد احتجاجات ومقاطعات تركزت في دول الخليج العربي، قدمت الصحيفة الدنماركية "جيلاندز بوستن" أخيرا إلى المسلمين في جميع أنحاء العالم اعتذارا رسميا عن رسوم كاريكاتورية مسيئة للرسول محمد. ووجه رئيس تحرير الصحيفة كارستن يوسته، في بيان نشر على موقع الصحيفة على الانترنت أمس اعتذارا رسميا للمسلمين، قائلا إن الرسوم "لم تخالف القوانين الإعلامية الدانمركية لكنها أساءت دون شك إلى ملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم، ونحن نود الاعتذار عنها." وكانت الصحيفة الدنماركية نشرت في بداية يناير/ كانون الثاني الماضي 12 رسما كاريكاتوريا يظهر في إحداها الرسول معتمرا عمامة على شكل قنبلة. وبعد ذلك بأيام، أعادت الصحيفة النرويجية "ماغازينت" نشر تلك الرسوم.
الحكومة الدانماركية تعرب عن أسفها
وعلى الصعيد السياسي، عبر رئيس الوزراء الدنماركي اندرياس فوغ راسموسن في تصريحات تلفزيونية عن ارتياحه للاعتذار الذي قدمته الصحيفة واعتبرها خطوة مهمة للتخفيف من تبعات وتدعيات الضجة التي ولدتها الرسوم الكاريكاتورية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وأعرب رئيس الوزراء الدنماركي عن أنه يُكن شخصيا احتراما للمعتقدات الدينية للأفراد. ورغم الترحيب من جانب الحكومة الدنماركية باعتذار رئيس تحريرها، إلا أن راسموسن رفض تقديم اعتذار حكومي رسمي. في غضون ذلك، أشار رئيس الوزراء إلى احترمه وتقيده بمبادئ حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام في بلاده، قائلا إن هذه المبادئ تعتبر جزء لا يتجزأ من الأسس الديموقراطية. إضافة إلى ذالك أعرب الوزير عن جهود بلاده لاحتواء الأزمة وإيجاد مخرج معقول لتلك للخلاف المثير للجدل. وعقب تنامي موجة التنديد بالرسوم الكاريكاتورية وما ترتب عنها من مقاطعة للبضائع الدنمركية، نصحت حكومة البلاد رعاياها بتجنب السفر إلى المملكة السعودية وتوخي الحيطة والحذر في الدول الإسلامية الأخرى. وتأتي هذه الخطوة بعد إصدار مجموعة من التنظيمات الإسلامية المسلحة تهديدات للدانمرك. وعلى الصعيد الاقتصادي، بدأت الشركات الدنماركية تعاني تحت وطأة المقاطعة التي تعرضت لها بضائعها في عدة دول عربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى.
استجابة واسعة للمقاطعة
وعلى الصعيد الشعبي، أثارت الرسوم الكاريكاتورية موجة من الغضب والاستياء. وبادرت عدة جمعيات إسلامية وشعبية بالتنديد بتلك الرسوم وروجت لحملة مقاطعة البضائع الدانمركية. والملاحظ أن تلك النداءات لقيت استجابة واسعة في الأوساط التجارية في معظم دول الخليج. ويذكر أن عدة مؤسسات تجارية بادرت بالفعل إلى إخلاء الأسواق من المنتجات الدنماركية. أما على المستوى الرسمي فقد قامت المملكة العربية السعودية بسحبت سفيرها من الدانمرك احتجاجا على نشر تلك الرسوم. أما وزراء خارجية باقي الدول العربية فقد اكتفوا بإدانة الحكومة الدانماركية لامتناعها عن اتخاذ إجراء بحق الصحيفة. إلى ذلك، طالب وزراء الداخلية العرب في بيان رسمي في تونس الحكومة الدنماركية باتخاذ عقوبات شديدة بحق الذين نشروا الرسوم المسيئة للرسول.
الإتحاد الأوروبي يحذر
أما موقف الاتحاد الأوروبي فقد بقي أسيرا لإشكالية يصعب الحسم فيها. فمن ناحية يدافع أصحاب القرار الأوروبيون عن مسألة احترام الأديان ومن ناحية أخرى يُجمع الأوروبيون على مبدأ عدم المساس بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي كأحد الأسس الديموقراطية الأساسية. وهذا ما أكدته النمسا التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إذ أكدت فيينا على تمسك الاتحاد بحرية الصحافة والتعبير عن الرأي واحترام المعتقد الديني في نفس الوقت. وعلى ضوء هذه التطورات، يجد الاتحاد الأوروبي نفسه ملزما باتخاذ موقف واضح من الأزمة التي تتفاقم يوما بعد يوم. وبادرت المفوضية الأوروبية من جهتها بإطلاق تحذير يتضمن إمكانية تقديمها شكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الحكومات التي تشجع مقاطعة السلع الدانمركية أو التي تتخذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد الدانمرك. فقد اعتبر رئيس مفوضية التجارة في الاتحاد بيتر ماندلسون أية مقاطعة للبضائع الدانمركية بمثابة مقاطعة للاتحاد الأوروبي وأن المقاطعة تعتبر مسألة خطيرة.
طارق أنكاي