1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

إدراج الشريعة.. خطة من جيش السودان لتفجير الحراك من الداخل؟

إسماعيل عزام
٩ مايو ٢٠١٩

ما هي الأهداف الحقيقية للعسكر في السودان من الدعوة إلى التنصيص على الشريعة في هذا الظرف من تاريخ البلاد؟ هل هناك رغبة في الاستفادة من إرث النميري والبشير في استغلالهما للدين؟ وهل يتعلّم الشعب السوداني من دروس الماضي؟

Bildkombo Sudan Gaafar Nimeiry / Omar al-Bashir / Abdel Fattah al Burhan
تركيب صور يجمع جعفر النميري وعمر البشير وعبد الفتاح البرهان

بعد التهديد بالعصيان المدني، إلى أين تسير الأمور في السودان؟

11:29

This browser does not support the video element.

يظهر العسكر في السودان متمسكاً بالشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، في بدايات النقاش السوداني حول شكل الدولة القادمة بعد إسقاط عمر البشير، إذ لا ترغب المؤسسة العسكرية، التي حكمت البلاد لعقود، أن تفرّط في أحد ثوابت الحكم، بمبرّر ظاهره احترام مرجعية الشعب السوداني، وباطن قد يتماهى مع استغلال السلطة للدين لأجل شرعنة وجودها، كما فعل عمر البشير، وقبله جعفر النميري.

ففي أحدث جدل بين المجلس العسكري الانتقالي في السودان وقوى ائتلاف الحرية والتغيير، طالب الأول بإدراج الشريعة والأعراف المحلية في مسودة وثيقة دستورية اقترحها الائتلاف، فيما رد الثاني أن الأمر يتعلّق بـ"مزايدات وإثارة قضايا غير ذات صلة".

"هذا التفاف على النقاش، المجلس الانتقالي يحاول إفشال إعلان ائتلاف الحرية والتغيير" يقول غالب طيفور، الإعلامي السوداني، لـDW عربية، مشيراً إلى أن المجلس "يحاول خلق بلبلة كي يوهم للشعب أن الائتلاف يضم أحزاباً يسارية متطرفة خارجة عن الإجماع". غير أن المحاولة لن تنجح وفق قول المتحدث: "الشعب السوداني واعٍ بالأمر، فهو يدرك أن النقاش الحالي يخصّ وثيقة دستورية مؤقتة، وهدف المتظاهرين حالياً أن يحدث انتقال سلمي للسلطة من حكومة عسكرية إلى أخرى مدنية".

ويتفق عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بالمغرب، في حديث لـDW عربية، مع هذه الفكرة، لكن بتعبير آخر: "المجلس العسكري يحاول الاستنجاد بحصان الدين لتجاوز المعارضة، هو يريد أن يخدم الشريعة ظاهراً حتى تخدمه باطناً".

وبالعودة إلى الدستور السوداني الحالي، الذي صدر عام 2005، يوجد تنصيص واضح على كون "الشريعة الإسلامية والإجماع مصدراً للتشريعات''، مع مراعاة لخصوصية جنوب السودان (الذي انفصل لاحقا)ً. وقبله كان دستور 1998 ينصّ على الأمر ذاته بصيغة أكثر تشددا بذكر أن "الشريعة الإسلامية وإجماع الأمة استفتاءً ودستوراً وعرفاً هي مصادر التشريع، ولا يجوز التشريع تجاوزاً لتلك الأصول"، كما يشير الدستور ذاته، إلى مفاهيم إسلامية أخرى كالجهاد والزكاة.

الشريعة لشرعنة الحكم

وبعيداً عن جذور أصول الشريعة في السودان، ففترة جعفر النميري شكّلت المرحلة الأكبر في تطبيق الشريعة في السودان الحديث، إذ أصدر النميري عام 1983 ما عُرف عند منتقديها بـ"قوانين سبتمبر" التي أضحى النميري بموجبها إماماً للمسلمين. وقد ألغت هذه القوانين المنظومة القانونية القديمة وحلّت محلها حدود الشريعة، فضلاً عن التنصيص على قانون صندوق الزكاة التي أضحت إلزامية منذ عام 1984 إلى جانب الضرائب المعروفة، علماً أن النميري، كان في بدايات حكمه متحالفاً مع نخبة يسارية، بل إن انقلابه عام 1969 جاء بدعم من الحزب الشيوعي والقوميين العرب.

"إذا كان من عنوان لاستغلال الدين في السياسية، هو عنوان النظام السياسي السوداني، خاصة نظام النميري وما تلاه" يقول العلام، محيلاً على ما فعله النميري عندما جعل من السودان "تجسيداً كاريكاتورياً في تطبيق عشوائي للشريعة عبر تحويل البلاد إلى ساحة دماء لقطع الأيادي، ليس حباً في الشريعة ولكن لإدامة حكمه".

حسن الترابي، المفكر الإسلامي وحليف عمر البشير في انقلاب 1989صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly

لكن خطة النميري لم تدم طويلاً بنهاية حكمه عام 1985، بانحياز وزير الدفاع سوار الذهاب لانتفاضة الشعب ضد النميري، غير أن الانقلاب الذي مكّن عمر البشير من الصعود عام 1989 بتحالف مع الإسلاميين، أعاد السودان إلى نهج الشريعة، إذ وضع البشيرهيئة علماء السودان تحت تصرفه، وصدرت في عهده مجموعة من القوانين التي ضيّقت على الحريات بمبرّرات الشريعة، كما عليه الحال مع القانون الجنائي لعام 1991 أو قانون النظام العام في الخرطوم لعام 1996، إذ تدخل هذا الأخير في أزياء النساء بشكل صارم ومنع الاختلاط في وسائل النقل وأقرّ عقوبة الجلد في عدة قضايا.

"شرع نظام البشير في تطبيق الشريعة بتأصيلات دينية هندسها حليفه آنذاك حسن الترابي، لكن المثير أن هذا الأخير وعدة قادة إسلاميين دخلوا السجن في عهد البشير، بحجج انتهاك الشريعة الإسلامية، وهو ما يؤكد أن النظام استغل منطق المزايدة بالإسلام ضد الإسلاميين بعدما استغلوه ضد خصومهم" يوّضح العلام.

لكن يظهر أن هناك وعياً من الجماهير السودانية حالياً باستيعاب درس الماضي، خاصة وأن قوى ائتلاف الحرية والتغيير تضمّ أطيافاً إسلامية لم تتوقف في مطالبها الأخيرة عند ما يتعلّق بالهوية الدينية للدولة. وفي هذا السياق، يشير غالب طيفور، إلى أن الثورة قامت لأسباب متعددة، منها "الرغبة في إنشاء دولة مدنية، ليس فقط ضد العسكر، بل كذلك ضد استغلال الدين كمطية لتحقيق أهداف أخرى". ويلفت المتحدث أن هناك وعياً بين الجماهير السودانية بـ"أهمية الدولة المدنية لأنها تحقق الديمقراطية الحقيقية ولا تتعارض مع الدين".

هل يتأثر الحراك سلباً؟

غير أن النقاش الإيديولوجي، وإن تم تأجيله، فهو حقيقة في كل الدول الإسلامية التي ترغب بانتقال ديمقراطي، وقد أثبتت التجارب أن هذه النقاشات شكّلت أكثر من مرة عامل انقسام في هذه المجتمعات، وهناك تخوّف أن يتحوّل المتظاهرين من التركيز على رحيل تامٍ لنظام عمر البشير إلى الدخول في خلافات تفجر الحراك من الداخل.

بدأ الحراك باحتجاج على ارتفاع أسعار الخبز قبل أن يتحول إلى ثورة أسقطت نظام البشير صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly

ويشير عبد الرحيم العلام، أن توقف السودانيين عند مدنية أو دينية الدولة، يحتمل نتيجتين، الأولى إيجابية بحيث "يبني المجتمع السوداني تصوّره للدولة الجديدة في لحظة الحراك، بدل تأجيل ذلك إلى ما بعد الثورة، بما أن التأجيل يتضمن خطر وقوع شرخ بين القوى السودانية في المرحلة القادمة". أما النتيجة الثانية المحتملة لهذا النقاش، فهي سلبية تماماً، لأن "الحراك السوداني مجموعة إيديولوجيات وتيارات بين الإسلاميين والحداثيين والحقوقيين واليسارييين، يجتمعون كلهم على رفض عمر البشير، لكنهم يختلفون إلى حدّ التناقض حول ما يريدونه".

وعلاقة بمستقبل السودان، يتوقف غالب طيفور عند طبيعة الشعب السوداني "المحب للإسلام بفطرته" كي يخلص إلى أنه "غالباً ما سيتم التوفيق بين العلمانية وبين إسلامية الدولة، بحيث يبقى التنصيص على روح الإسلام في الدستور دون أن يمنع ذلك إنشاء دولة مدنية كما عليه الحال في دول ديمقراطية عديدة". لكن التخوّف الأكبر لا يأتي من داخل السودان، حسب رأي المتحدث، بل من خارجها وتحديداً من "الثالوث السعودي-الإماراتي-المصري، الذي يدعم استمرار العسكر بخلفية دينية لأجل قطع الطريق أمام كلّ محاولات الإصلاح".

إلّا أن العلام يملك توقعاً آخر: "أظن أن السودان متجهة نحو التيار الحداثي، لأن الشعب عانى هناك لعقود من التضييق باسم الدين". ويوّضح الأستاذ الجامعي، أكثر: "قد يتكرّر ما وقع في ليبيا بعد الثورة في السودان، عندما صعد الليبراليون، فالقاعدة تقول إنه كلما جرت انتخابات في تجارب محافظة، يفوز الحداثيون. وكلما جرت انتخابات في تجارب شُوّهت فيها العلمانية كتونس وتركيا، يفوز الإسلاميون".

الكاتب: إسماعيل عزام

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW