جيل الصدمة النفسية: أيتام اليورو في شرق أوروبا
١٤ ديسمبر ٢٠١٣لحظات الوداع هي الأصعب بالنسبة لأوكسانا هيماي. فعندما كانت في الثالثة من عمرها غادر والداها للمرة الأولى جمهورية مولدوفا. و بعد ثلاث سنوات عادت والدتها يلينا لبضعة أشهر. وقبل يوم من الوداع مجددا أرسلت ابنتها إلى الجدة. وفي منتصف الطريق تحولت أوكسانا التي أصبح عمرها ست سنوات إلى الوراء عائدة إلى منزل والديها والتقت هناك والدتها التي كانتممسكة في يدها حقائب السفر.
الآن أصبح عمر أوكسانا 18 سنة، شعرها الأشقر جدلته على شكل ضفيرة، ولا تزال تشعر اليوم بالغضب الذي شعرت به عندما كانت طفلة صغيرة وتقول: "كنت صغيرة جدا لأفهم أن والدتي لم تذهب (وتتركني) لأنها كانت ترغب في الذهاب أو تحبه." ولا تزال والدة أوكسانا تعمل حتى يومنا هذا اليوم في إسرائيل حيث تعتني هناك بأطفال عائلة أخرى.
ملايين من الأوربيين الأيتام
في شرق أوروبا يكبر كثير من الأطفال في ظل غياب والديهم مثلما حدث مع أوكسانا. الصحافة الدولية وصفتهم بـ"أيتام اليورو". وتشير الدراسات إلى أن أكثر من نصف الأطفال في مولدوفا تكبر في فترات من عمرها في ظل غياب للأم أو الأب. وتقدر منظمات غير حكومية أن عدد الأطفال المتضررين من ذلك في دول الاتحاد الأوروبي يبلغ حوالي نصف مليون وحتى مليون طفل وبالتحديد في رومانيا، و بلغاريا ، و بولندا. بينما تتحدث مؤسسة كاريتاس الخيرية أن "أيتام اليورو" في أوركرانيا يصل عددهم إلى 9 ملايين طفل. .
القصص مشابهة لبعضها البعض، وتقع عادة في المناطق الريفية حيث معدل البطالة المرتفع. ولا يكفي المال الذي يكسبه الآباء لتوفير الضروريات الأساسية للأسرة، ناهيك عن الحديث عن مستقبل آمن. ويسير الوالدان نفس الطريق الذي سار فيه قبلهم كثير من أهل بلدهم. فهم يغادرون الوطن للعمل في الخارج في مواسم الحصاد أو كعمال بناء ، أوممرضات لكبار السن أو مربيات أطفال. كثيرون يتوافدون على دول الاتحاد الأوروبي - في كثير من الأحيان بشكل غير قانوني. ويتركون الأطفال ورائهم مع أحد الوالدين ، أو مع الأجداد ، أو الأصدقاء أو وحدهم .
الحديث عبر سكايب بدلا من الأحضان والعناق
وعند سؤال الخبراء حول تأثير هذا النموذج من الأسر، كأسرة أوكسانا، يجيبون بسرعة "كارثة اجتماعية." ويقول عالم النفس إيان فيلدمان "إنه لصدمة للطفل أن يفقد والديه في حين أنهما لا يزالان على قيد الحياة." وقد شارك فيلدمان في بحث عن أثر الهجرة الجماعية من مولدوفا، ويفيد بأن "أيتام اليورو" يعرفون حب الأبوين على فترات منتظمة عبر ما يحول على أرصدتهم البنكية أو عن طريق الطرود البريدية الممتلئة بملابس من ماركات عالمية ولعب الأطفال. ما ينقصهم هو القرب من والديهم. فسماع صوت الوالدين ورؤيتهم عبر برنامج سكايب لا يمكن أن تعوضهم احتضان والديهم ومعانقتهم.
" ويشير فيلدمان إلى أن أيتام اليورو يفتقدون العطف والحنان فيبحثون عنه لدى بالغين آخرين، "وللأسف يوجد أشخاص يستغلون ذلك." ولم يتلق كثير من أيتام اليورو أبدا أية نصائح تبين لهم حدود التقارب الجسدي مع هؤلاء. وتشير تقديرات إلى أن ما يصل إلى 10 في المائة من أيتام اليورو في مولدوفا تعرضوا لاعتداءات جنسية. ويشير علماء الاجتماع أيضا إلى أن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى رعاية طبية، ويعانون من سوء التغذية وغالبا ما يصابون بالاكتئاب ولديهم مشاكل في المدرسة.
الانضمام للاتحاد الأوروبي وسيلة انقاذ؟
ووقعت جمهورية مولدافا في عطلة الأسبوع الماضي اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي. والآن تأمل الدولة الصغيرة في أن تنتعش اقتصادها المريض وأن تتمكن اتفاقية التجارة الحرة والسماح بدخول بلاد الاتحاد الأوروبي بدون فيزا في المساعدة أيضا في تحسين وضع يتامى اليورو.
في رومانيا المجاورة لمولدافا يوجد خلاف بشأن الأثر الإيجابي لانضمامها للاتحاد الأوروبي. فقد أدت حرية التنقل دون قيود وتحسين فرص الوصول إلى سوق العمل إلى موجة جديدة من الهجرة، وخاصة إلى إسبانيا وإيطاليا. مع هذا فإن فيكتوريا نيديلسيوس عالمة الاجتماع والخبيرة في الهجرة لدى مؤسسة سوروس في بوخارست لا تزال على قناعة بأن عضوية الاتحاد الأوروبي قد حسنت من أوضاع أيتام اليورو. "يمكن للرومانيين التحرك بحرية في الاتحاد الأوروبي، ويزور الآباء أولادهم في كثير من الأحيان، وانخفضت تكاليف السفر، لذلك فإن الأبناء يمكنهم أيضا زيارة والديهم في الخارج." حسب ما تقول نيديلسيوس، وتضيف "بفضل حرية السفر استطاعت كثير من الأسر أن تحضر أولادها إليها في الخارج."
أحلام الأسر
ومع ذلك يمكن لأوروبا فعل المزيد من أجل صالح الأطفال. ومن بين الأمور التي يمكن أن تساعد مسألة توحيد استخدام القوانين الأوروبية في لم شمل الأسرة. ووفقا لفيكتوريا نيديلسيوس فمن الممكن منع استسلام المهاجرين أمام غابة القوانين التي تواجههم عندما يريدون جلب أطفالهم من بلد لا ينتمي إلى الاتحاد الأوروبي. "وتنسيق قوانين الأسرة لدول الاتحاد الأوروبي فيما بينها سيكون خطوة أولى. "
لكن أكبر مساعدة للأطفال في شرق أوروبا ستكون هي توفير ما يكفي من العمل للوالدين. وتأمل أوكسانا أن تبقى أمها في بلدهما غورا غالبيناي للأبد عندما تزورها في المرة القادمة. أما أوكسانا نفسها فستغادر للدراسة، ربما ستذهب للعاصمة كيشيناو، وربما للخارج. إنها تحلم بكندا وتكوين عائلة خاصة بها، تقوم هي على رعايتها. عائلة كانت أوكسانا محرومة منها.