1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"جيل زد" في المغرب ـ "ثورة رقمية" من غرف الدردشة إلى الشارع

٢ أكتوبر ٢٠٢٥

من مجموعات مجهولة على "ديسكورد" و "تيك توك" إلى حشود في 11 مدينة مغربية، حركة شبابية غامضة تطالب بالعدالة الاجتماعية وتواجه مخاوف الاختراق والتصعيد. هل تنجح في الحفاظ على سلميتها، أم ستسقط في فخ العنف والفوضى؟

المتظاهرون يهتفون ببشعارات خلال مظاهرة قادها الشباب في سوق بالرباط في 29 سبتمبر 2025، مطالبين بإصلاحات في قطاعي الصحة العامة والتعليم.
خلال الفترة القليلة الماضية، تزايد ظهور وتأثير الاحتجاجات التي يقودها جيل زد في أنحاء مُختلفة من العالمصورة من: Abdel Majid Bziouat/AFP/Getty Images

من مدغشقر إلى النيبال وإندونيسيا وبيرو وصولاً إلى المغرب، اشتعلت حركة شبابية تأمل في مستقبل أفضل لها وللأجيال التالية لها، وتطالب الحكومات بالاهتمام بالصحة والتعليم والعدالة الاجتماعية وتعديل أوجه الإنفاق الحكومي بما يخدم المواطن.

وخلال الفترة القليلة الماضية، تزايد ظهور وتأثير الاحتجاجات التي يقودها "جيل زد" في أنحاء مُختلفة من العالم، إذ أصبحت الأجيال الشابة أكثر فاعلية وصار وجودها أكثر وضوحًا في الحياة العامة، مستفيدة من المنصات الرقمية والتضامن العابر للحدود الوطنية، ويجمعها تقارب الآمال والطموحات وأيضاً المطالب.

ازداد زخم تلك الحركة في أقصي شمال غرب القارة الإفريقية، المغرب، إذ انطلقت حركة شبابية هناك بدأت من مواقع للتواصل الاجتماعي مثل تيك توك وإنستغرام وتيلغرام وتطبيق ديسكورد، تحت اسم جيل زد 212/ GenZ 212  وهي – إلى الآن – مجموعة غامضة لا يُعرف بعد أعضاؤها ولا هيكلها ولا طريقة اتخاذ القرار فيها. ومع الوقت انضم للاحتجاجات مجموعات تمثل طيفًا واسعًا من الخلفيات الاجتماعية والسياسية، ومن مختلف الأعمار.

وصلت الاحتجاجات الآن إلى نحو 11 مدينة مغربية، إذ يعترض كثير من الشباب بوجه خاص على سياسات الحكومة في الإنفاق. وتعرضت الحكومة المغربية لانتقادات شديدة لإعطائها الأولوية للأحداث الرياضية الدولية على حساب الخدمات العامة الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف، بحسب ما يقول متظاهرون، كما احتجوا على الفساد الذي يقول المتظاهرون إنه استشرى في أجهزة الدولة.

ما هي حركة جيل زد 212/GenZ 212؟

والجيل زد Gen Z هي مجموعة ديموغرافية ولدت بين منتصف التسعينيات وأوائل عام 2010، وهم يعتمدون بشكل كبير على العالم الرقمي للتعبير عن أفكارهم وآرائهم، إذ تأثرت سنوات تكوينهم بالتفاعل المستمر مع الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية ومنصات التفاعل الرقمي المختلفة. وتُميزهم هذه البيئة الرقمية الشاملة بشكل كبير عن الأجيال السابقة.

يشير المراقبون إلى أن المتظاهرين المنتمين إلى حركة جيل Z 212 في المغرب، والتي لم تُحدد معالمها بعد، قرروا أخيرًا تحويل نشاطهم الإلكتروني إلى مظاهرات شعبية قد تدفع بتغيير ملحوظ في توجهات الحكومة وهو ما يبدو أنه بدأ يتحقق بالفعل.

يقول الطيب هزاز خبير الأمن السيبراني والمعلوماتي في حوار مع دويتشه فيله عربية (DW عربية) إن "هذه الحركات تم تتبع بعضها، ووُجد أنها نشأت في نهاية عام 2024 وبالتحديد في ديسمبر، وهي تستعمل تطبيقات ذكية ذات حماية عالية بما يمنع من التعرف على الشخصيات المشاركة بها ويصعب على أي جهة مهمة تحديد الأشخاص المشاركين في هذه المجموعات".

وتشير الأرقام الرسمية إلى أن "جيل زد" في المغرب يمثل حوالي 26% من السكان، وأن أعمارهم تتراوح ما بين 13 و 28 سنة. وهو جيل يتميز "بارتباط قوي بالتكنولوجيا. له طموحات عالية وقدرة على الـتأثير المجتمعي والاقتصادي" حسب توصيف المندوبية السامية للتخطيط في المغرب.

لا توجهات سياسية واضحة

ووفقاً لموقع بيبول ديسباتش فإن المعلومات الأولية تشير إلى أن أعضاء جيل Z 212 لا ينتمون إلى حزب سياسي أو أيديولوجية معينة، وأن حركتهم تشكلت داخل غرف نقاش افتراضية على منصات التواصل الاجتماعي.

وبحسب موقع "الدار" الإخباري المحلي فإن حركة "جيل زد 212" "لا تطالب بالعدالة الاجتماعية خارج إطار الثوابت الوطنية، بل تُعلن صراحةً التزامها باحترام المؤسسة الملكية، والتمسك بالوحدة الترابية للمغرب"، وهو ما اتضح جلياً في بيانات الحركة.

وفقا لدراسة أجراها معهد الاقتصاد والسلام (IEP) فإن من أهم ركائز السلام الإيجابي - وهي المواقف والمؤسسات التي تُنشئ مجتمعات سلمية وتحافظ عليها - وجود حكومة فعّالة قادرة على توفير الخدمات الأساسية والتوزيع العادل للموارد، والتدفق الحر للمعلومات ووجود رأس مال بشري كبير.

يرى خبراء ومحللون أن الاحتجاجات الحالية غير المسيسة التي يقودها الشباب، ليست فقط اضطرابات سياسية قصيرة الأجل، بل كمؤشرات على تحديات مؤسسية وهيكلية صورة من: Mosa'ab Elshamy/AP Photo/picture alliance

في ظل هذه النقاط يرى خبراء ومحللون أنه من الممكن فهم ديناميكيات الاحتجاجات الحالية غير المسيسة التي يقودها الشباب، وبالتالي يُمكن تفسير هذه الاحتجاجات ليس فقط على أنها اضطرابات سياسية قصيرة الأجل، بل كمؤشرات على تحديات مؤسسية وهيكلية فجرتها الاحتجاجات بحسب ما ذكرت دراسة  فيجين اوف هيومانيتي .

تناقل الخبرات

يشير هذا الانتشار لحركة "الجيل زد" بين عدة قارات حول العالم إلى أن هؤلاء الشباب يتابعون أنشطة بعضهم البعض عن كثب، بل ويستفيدون من خبرات زملائهم السابقة في الدول المختلفة في احتجاجاتهم الجديدة، ما جعل الأمر يتخذ بعداً عابراً للحدود بشكل متنامٍ.

يغلب على هذه المجموعات والتي تتشابه في الاستراتيجيات: القيادة اللامركزية، والتداول السريع للمحتوى الرقمي، واستخدام الرموز الثقافية وأهمها الأنيمي والذي ينطوي على معان سياسية وثقافية متعددة، وفق ما ذكرت الورقة البحثية التي نشرها موقع فيجين اوف هيومانيتي .

وكانت بداية ظهور شعارات الأنيمي في آسيا، كان أحد الرموز البارزة علمًا مستوحى من الأنمي الياباني "ون بيس"، يصور جمجمة وقبعة من القش. في سياق الأنمي، يمثل هذا العلم مجموعة من الشخصيات التي تتحدى السلطة. وقد تم تبنيه بين المتظاهرين الشباب في دول مثل إندونيسيا والفلبين ونيبال كرمز أوسع للعمل الجماعي ومقاومة الظلم المُتصور.

تسلسل القيادة ومصدر القرار

تشير دراسة بعنوان "القيادة الرقمية لجيل زد عبر وسائل التواصل الاجتماعي" إلى أن قادة جيل زد الرقميون يتميزون بالمبادرة والتأثير الكبير. ويُنظر إليهم كأفراد قادرين على حشد فريق لتحقيق الأهداف بسرعة وفعالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

غالبًا ما يوصف أسلوب قيادتهم بأنه فكاهي، وشائع على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنفتح على النقاشات عبر الإنترنت، مفضلين هذه النقاشات على التفاعلات التقليدية، إضافة إلى أن هؤلاء القادة يُظهرون المبادرة، ويتحملون المسؤولية، ويكونون مؤثرين، ويمتلكون الثقة بالنفس. أيضاً يتميز أفراد هذا الجيل بأنهم يُقدّرون التنوع بشكل كبير ولهذا فإن التواجد النسائي في الحركة التي تدور اليوم في المغرب كبير وبشكل ملحوظ.

ومن غير المعروف إلى الآن بالتحديد آلية اتخاذ القرار داخل هذه المجموعات ولا كيفية تحديد الأولويات والمطالب، خاصة في ظل المخاوف من الملاحقات الأمنية كما هو معتاد في مثل هذه الظروف، لكن أوراقاً بحثية ومقالات مختلفة تشير إلى أن هذه المجموعات تعتمد في داخلها "آلية التصويت" كمصدر رئيس لاتخاذ القرار.

من غير المعروف إلى الآن بالتحديد آلية اتخاذ القرار داخل مجموعات "جيل زد 212" ولا كيفية تحديد الأولويات والمطالبصورة من: Abdel Majid Bziouat/AFP/Getty Images

ومؤخراً، تناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي أنباء عن انقسامات حادة داخل التيار الذي يقود الحركة الاحتجاجية، فهناك -حسب قولهم- تيار يدعو لفصل المطالب الاجتماعية عن أعمال العنف ووقف الاحتجاجات وتيار آخر يدفع نحو التصعيد والاستمرار في المظاهرات، خصوصاً وأن بعض المجموعات النقاشية على منصة "ديسكورد" والتي كانت قد نادت بعدم الانجرار للعنف تم حذفها، كما تم إبعاد أعضاء مؤسسين وحذف منشوراتهم، في حين ظهر خط جديد يفتح المجال أمام الدعوة للعنف بشكل مباشر، بحسب ما ذكر مستخدمون على مواقع التواصل، لكن إلى الآن لا يمكن التحقق من صحة هذه المعلومات.

اختراقات وفيديوهات مزيفة

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر (اكس) وفيسبوك، تتصاعد مخاوف من اختراق جهات دولية لهذه المجموعات الشبابية بهدف حرفها عن مسارها السلمي بما يؤدي لتصعيد الأحداث في المغرب.

قال هزاز إن هناك العديد من الحسابات غير معروف انتماؤها تقوم بنشر بعض المحتويات عن الأحداث في المغرب في صفحات مختلفةصورة من: privat

ويشير خبراء إلى صعوبة اختراق الخوادم (السيرفرات) التي تستضيف المجموعات الشبابية المنضمة إلى الحركة الاحتجاجية بهدف التعرف على هويات منظمي الاحتجاجات، ذلك أن هذه الخوادم تحظي بتأمين متعدد الطبقات يكاد يمنع تماماً عمليات الاختراق بحسب خبراء في تقنية المعلومات.

على جانب آخر، أكد عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك معلومات غير صحيحة وفيديوهات مفبركة او مأخوذة خارج السياق بدأت تنتشر في أوساط المتظاهرين، وهو ما أصبح أمر معتاد خصوصاً في حالة الاضطرابات والقلاقل السياسية أو المجتمعية.

في هذا السياق يقول الطيب هزاز خبير الأمن الرقمي والمعلوماتية من المغرب إنه "لوحظ أن هناك العديد من الحسابات غير معروف انتماؤها تقوم بنشر بعض المحتويات عن الأحداث في المغرب في صفحات مختلفة خاصة بالجزائر أو إندونيسيا أو غيرها، والفارق الوحيد هو أن هذه الحسابات تقوم بتغيير اللغة لكن الحساب الذي ينشر هو واحد".

 

رفض لمسار العنف

وكانت وكالة المغرب العربي للأنباء أفادت أن السلطات المحلية في القليعة اضطرت مساء الأربعاء الأول من أكتوبر 2025، إلى استعمال السلاح، لصد عملية هجوم واقتحام لمركز الدرك الملكي، في محاولة من أشخاص للاستيلاء على الذخيرة والعتاد وأسلحة رجال الدرك، حيث لقي شخصان مصرعهما، متأثران بإصابتهما بأعيرة نارية أطلقها رجال الأمن، فيما أصيب آخرون أثناء مشاركتهم في هذا الهجوم.

وذكرت تقارير أمنية أن المهاجمين قد عمدوا، ضمن مجموعات من الأشخاص، إلى الانخراط في أعمال عنف وشغب من خلال رشق مركز الدرك بالحجارة واقتحامه، قبل أن تتمكن العناصر الأمنية من صدهم بعد أن استولوا على سيارة و4 دراجات نارية تابعة لمصالح الدرك الملكي، كما حاولوا الاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة وتم صدهم باستخدام الأسلحة الحية.

تطور يشير إلى تحول الأمور من تظاهرات سلمية للشباب إلى أعمال عنف يخشى متابعون أنها مدبرة، وهو مسار أكدت حركة الاحتجاج الشبابية على رفضه منذ بدء الاحتجاجات، مؤكدة على سلمية المسار الاحتجاجي.

 

وقالت حركة GenZ 212 في بيان جديد صدر الخميس 2 أكتوبر/تشرين الأول 2025 إنها تدين "أحداث التخريب والعنف والاعتداء على الممتلكات وأنّه سيتم تنظيم وقفات احتجاجية سلمية اليوم، مع اتخاذ تدابير لتفادي انحرافها إلى العنف"، وأشار البيان إلى أن "57 في المائة صوتوا مع استمرار التظاهر ما يعني أن نسبة كبيرة كانت مع توقيف التظاهر في الشارع (43 في المائة)."

ويشير الخبير المغربي الطيب هزاز إلى أن "هناك مجموعات كبيرة اخترقت هذه الحركات الاحتجاجية السلمية وتقوم حالياً بنشر فيديوهات لأحداث وتظاهرات وقعت في دول أخرى على أنها فيديوهات من المغرب، والأكثر من ذلك أنه عند الإبلاغ عن هذه الفيديوهات بأنها ليست من المغرب وخصوصاً على موقع ديسكورد لا يتم حذفها .. وهذه الفيديوهات تثير الكثير من الغضب".

ويخشى نشطاء على مواقع التواصل من حملات "شيطنة" واتهامات بالعمالة لجهات خارجية إلى منظمي الاحتجاجات وحتى بعض المشاركين فيها، الأمر الذي يرى هؤلاء أنه سيكون له عواقب وخيمة للغاية وطريقة تعامل مختلفة من جانب السلطات المغربية ما قد يزيد من اشتعال الأمور.

تحرير: ع.ج.م

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW