حجم "ذا لاين" يتقلص .. هل انهار مشروع ولي عهد السعودية؟
٢٦ سبتمبر ٢٠٢٥
يتصدرمشروع نيوم السعودي العملاق، الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، عناوين الصحف، إذ ينصبّ التركيز حاليا في السعودية على إعادة هيكلة المشروع. وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، يسعى إلى تحقيق فكرة إنشاء منطقة اقتصادية عملاقة في الصحراء بموارد مالية هائلة، اعتمادا على صندوق الثروة السيادية (PIF)، لكن صندوق الاستثمارات العامة أوقف الأسبوع الماضي العمل على مشاريع مهمة.
وبحسب صحيفة ميركور الألمانية، كان من المفترض أن يكون مشروع نيوم الضخم في المملكة العربية السعودية، منطقة سكنية مستقبلية في قلب الصحراء، بحجم بلجيكا تقريبا. جزء منه: مدينة "ذا لاين" العملاقة، بطول 170 كيلومترا وعرض 200 متر، حيث ستُشيد ناطحات سحاب بارتفاع 500 متر، لكن يبدو أن هذه المخططات قد تلاشت.
في عام 2017، كشف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن خطط طموحة حسب تقرير صحيفة بليك السويسرية، إذ كان من المفترض أن يُنجز كل شيء بحلول عام 2030. كان الهدف من مشروعي نيوم و"ذا لاين" تنويع دخل البلاد وتقليل اعتمادها على إنتاج النفط، لكن بات واضحا الآن أن هذه الرؤية غير ممكنة بالشكل المخطط له.
لكن هذه الواجهة بدأت تتداعى منذ فترة، ففي ربيع عام 2024، أُعلن أن مدينة "ذا لاين"، ستتقلص إلى 2.4 كيلومتر فقط. وعلمت صحيفة "بليك" السويسرية من مصادر مطلعة أنه في 16 أيلول/ سبتمبر، أوقف صندوق الاستثمارات العامة السعودي العمل على مشروعي "ذا لاين" و"مقنا"، المنتجع السياحي الفاخر المُخطط له على البحر الأحمر، حتى إشعار آخر.
يتولى غايلز بندلتون، الرئيس التنفيذي السابق للعمليات في "ذا لاين"، إدارة مشروع "تروينا"، منتجع التزلج المُخطط له في جبال السعودية، وهو جزء من مشروع نيوم، منذ آب/ أغسطس. ويُقال أيضا إن الرئيس التنفيذي السابق لشركة "ذا لاين"، دينيس هيكي، قد انتقل إلى مشروع "تروينا"، مما يؤكد بشكل غير مباشر توقف البناء.
"ذا لاين" تحت الضغط
كان من المنتظر أن يستوعب المشروع تسعة ملايين شخص، وأن يضمن نظام قطارات حديث النقل نحوه. وقد تم تأجيل الخطط والتكاليف الأصلية لعدة سنوات وزادت بمليارات الدولارات. والآن، من المقرر أن يصبح هذا المشروع الفخم أصغر حجما، بطول لا يتجاوز 2.4 كيلومتر فقط، حسب صحيفة تاغس أنتسايغر السويسرية.
ويوضح تقرير الصحيفة ذاتها، أنه في حزيران/ يونيو 2024، أفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن ولي العهد السعودي، اضطر إلى تقليص خططه بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع التكاليف. وأوضح مستشار حكومي في ذلك الوقت، باستمرار بعض المشاريع كما كان مخطط لها، بينما سيتأخر البعض الآخر أو تُخفّض ميزانيتها.
نقل مشاريع للدولة وتخفيض عدد الموظفين
وفقا لصحيفة "بليك"، أفاد المحلل رالف لينغلر، مُدير قناة "Gigaprojects" الذي زار نيوم عدة مرات، بأن مشاريع نيوم المتبقية ستُنقل إلى مؤسسات الدولة مستقبلا، إذ ستُنقل ملكية تروينا إلى وزارة الرياضة، وستُنقل ملكية جزيرة سندالة الفاخرة إلى شركة البحر الأحمر العالمية، وستُنقل ملكية مدينة أوكساغون الصناعية واللوجستية إلى أرامكو. ووفقا لتقارير من منصة "سيمافور" الإخبارية، سيتم أيضا نقل حوالي 1000 موظف من موظفي نيوم إلى الرياض، وسيتم تسريح المئات.
كما يُظهر أحدث تقرير سنوي لصندوق الاستثمارات العامة (PIF) انخفاضا في قيمة المشاريع العملاقة التي تشمل نيوم، بنحو 8 مليارات دولار. ووفقا للمحلل لينغلر، تصل الخسارة الفعلية في القيمة إلى 44 مليار دولار، ويقول المتحدث "يبدو أن محمد بن سلمان راهن وخسر".
فقدان ثقة؟
يرى رالف لينغلر أن "السعودية فقدت الثقة في نيوم، وهي الآن تُفكّك المشروع بأكمله". وصار واضحا أن المشاريع المستمرة ستُنقل إلى مؤسسات حكومية قائمة قادرة على تنفيذها بكفاءة أكبر.
سمع لينغلر بنفسه من مصدر مُطّلع على تفاصيل مشروع نيوم أن "تروينا" أصبحت الآن تابعة لوزارة الرياضة، وأن جزيرة "سندالة" الفاخرة ستُصبح ملكا لشركة التطوير السياحي الحكومية "ريد سي غلوبال"، وأن المدينة الصناعية واللوجستية المُخطط لها "أوكساغون" ستُصبح الآن تحت سيطرة شركة النفط الحكومية "أرامكو".
يؤكد تقرير نشرته "فاينانشيال تايمز" على الأقل أن "سندالة" ستُصبح ملكًا لشركة "ريد سي غلوبال". لأن مشروع محمد بن سلمان العملاق، الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار، يخضع لإعادة هيكلة. افتُتح مشروع سندالة جزئيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ولكنه لم يُفتح للعامة بعد.
تأثيرات مستقبلية ضخمة
اعتبر لينغلر أن محمد بن سلمان قد جازف من خلال هذا المشروع، إذ أبرز أحدث تقرير سنوي لصندوق الاستثمارات العامة السعودي (PIF) عن شطب حوالي 8 مليارات دولار من قيمة المشاريع العملاقة، بما في ذلك نيوم.
ومع ذلك، بلغت قيمة حيازات المشاريع العملاقة 64 مليار دولار خلال عام 2023، و56 مليار دولار عام 2024، وما تزال هناك 36 مليار دولار مُستثمرة في عام 2024. وبالتالي، فإن قيمة الشطب الفعلية تُقارب 44 مليار دولار.
ستكون للتأخيرات والخلافات وتجاوزات الميزانية في نيوم تداعيات بعيدة المدى حسب التقارير الإعلامية، إذ كان من المفترض أن تُقام دورة الألعاب الآسيوية الشتوية لعام 2029 في "تروينا". يقول لينغلر: "بما أن "تروينا" لن تُنجز في الموعد المحدد دون زيادة هائلة في الميزانية، فإن المنظمين يبحثون بالفعل عن مكان بديل".
توجد مشكلة مماثلة في "ذا لاين"، ويشمل ذلك ملعبا من المقرر أن يستضيف مباريات كأس العالم لكرة القدم 2034. ومن المرجح أن يُفاجئ تجميد البناء الفيفا. ووفقا للينغلر، تبحث المملكة العربية السعودية حاليا عن مدينة بديلة لاستضافة كأس العالم، كإجراء احترازي.
لم تُعلّق منظمة نيوم على آخر التطورات لوسائل الإعلام المستقلة، ويخلص لينغلر، وفقا لصحيفة "بليك" إلى أن "ذا لاين" بشكله المخطط له أصلا قد انتهى، وستخضع بعض المشاريع الأخرى لتعديلات هائلة". سيظل مشروع نيوم المشروع الأساسي لتنويع وتحديث الاقتصاد السعودي، ولكن ربما على نطاق أكثر تواضعا في نظره.
م.ب