حرب الرسوم الجمركية: الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين هشة؟
٩ يونيو ٢٠٢٥
هدأ التوتر العالمي بشكل مؤقت عندما أعلنتالولايات المتحدة والصين الشهر الماضي هدنة جمركية لمدة 90 يوماً، مما أوقف الحرب التجارية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم والتي أثارت قلقاً كبيراً لدى الشركات والمستثمرين.
بعد مفاوضات متوترة في جنيف، اتفق الطرفان على خفض الولايات المتحدة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، بينما خفضت الصين رسومها الانتقامية على السلع الأمريكية من 125% إلى 10%. لكن التوتر عاد بعد ثلاثة أسابيع، حين أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الصين "انتهكت" اتفاق الهدنة، دون تقديم تفاصيل، وأضاف لاحقاً أن الرئيس الصيني شي جين بينغ "من الصعب جداً التوصل إلى اتفاق معه".
وسارعت الصين إلى الرد، مؤكدة أن الولايات المتحدة فرضت "إجراءات تمييزية وتقييدية" منذ محادثات جنيف، مشيرة إلى القيود الأمريكية على برمجيات تصميم الرقائق، بالإضافة إلى التحذيرات الموجهة ضد رقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها شركة هواوي، عملاق التكنولوجيا الصيني.
الخلاف على المعادن النادرة عطّل الاتفاق
أعرب صناع السياسة في أمريكا عن استيائهم من بطء الصين في السماح بتصدير المعادن الأرضية النادرة وبعض العناصر المهمة المستخدمة في التكنولوجيا المتقدمة والدفاع و الطاقة النظيفة .
وتتحكم الصين في إنتاج هذه المعادن على مستوى العالم؛ فهي توفر أكثر من ثلثي المعادن النادرة المنتجة وتسيطر على 90% من عمليات معالجتها. وفرضت بكين قيوداً على تصدير العديد من هذه المعادن الأساسية. ومن ناحية أخرى، تعتمد أمريكا بحد كبير على الصين لأن لديها قدرة ضعيفة على معالجة هذه المعادن محليًا، مما يجعلها تتأثر بشدة بقيود الصين.
لا يزال الأمر غير واضح بشأن ما تم الاتفاق عليه بخصوص المعادن النادرة في جنيف. في مقابلة مع وكالة بلومبرغ يوم الأربعاء، قال كوري كومبس، رئيس أبحاث سلسلة توريد المعادن الحيوية في شركة تريفيوم تشاينا، إن واشنطن تعتقد أن بكين تريد إلغاء شرط الموافقة على تصاريح التصدير بشكل كامل، وهو ما تنفيه الصين.
قال مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين، في تصريح لصحيفة فاينانشيال تايمز يوم الاثنين الماضي، إن الصين زادت عدد الموافقات على شحن المعادن النادرة إلى عدة شركات أمريكية في صناعة السيارات، لكنه أشار إلى أن عدداً قليلاً من الموظفين يتعاملون مع آلاف الطلبات.
وترى بيني ناس، الخبيرة في مركز الأبحاث الأمريكي "صندوق مارشال الألماني"، أن المعادن النادرة تمثل "الورقة الأقوى في يد الصين"، مشيرة في تصريح لـ DW إلى أن "أحد المحاور الرئيسية في المفاوضات سيكون متى وكيف ستُحرّر الصين تجارة هذه المواد".
لم تُبدِ بيني ناس أي استغراب من تصاعد التوترات الكلامية بين واشنطن وبكين، مشيرة إلى أن مثل هذه التقلبات الحادة، بل وحتى لحظات الانهيار الظاهري، غالباً ما تسبق التوصل إلى اتفاقات".
ومع اقتراب الثاني عشر من أغسطس/آب، موعد انتهاء الهدنة المؤقتة التي تستمر 90 يوماً، وفي ظل استمرار تبادل الاتهامات بين الجانبين بخرق الالتزامات، تبقى فرص التوصل إلى اتفاق دائم وهدنة طويلة الأمد غامضة وغير مضمونة.
ترامب يستخدم الرسوم الجمركية ليزيد من نفوذه
تسعى الولايات المتحدة، إلى جانب تأمين وصولها إلى المعادن النادرة من الصين، إلى تقليل عجزها التجاري مع بكين، الذي وصل في 2024 إلى 295 مليار دولار (259 مليار يورو) بزيادة تقارب 6% عن العام السابق، وطالبت إدارة ترامب الصين بزيادة مشترياتها من السلع الأمريكية وإزالة الحواجز غير الجمركية، مثل التحقيقات ضد احتكار الشركات الأمريكية وتصنيف بعضها كـ"كيانات غير موثوقة".
كما طالبت واشنطن بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية، ووقف التلاعب بسعر صرف اليوان الصيني بخفضه بشكل مصطنع لتعزيز الصادرات. ففي نيسان/أبريل، عقب إعلان ترامب فرض رسوم جمركية غير مسبوقة، هبط اليوان إلى أدنى مستوى له منذ 20 شهراً، مسجلاً 7.2038 مقابل الدولار، ومن المتوقع أن يستمر في الانخفاض إذا أعيد فرض الرسوم الأمريكية.
كما حث ترامب الصين على تعزيز جهودها في مكافحة الهجرة غير الشرعية، ووقف تصدير المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في تصنيع الفنتانيل، وهو أفيون صناعي يزيد من أزمة الصحة العامة في الولايات المتحدة.
المعركة القضائية في صالح الصين
قد تستفيد الصين أيضًا من الغموض المستمر بشأن رسوم ترامب غير المسبوقة، خاصة بعد أن قضت محكمة تجارية أمريكية الأسبوع الماضي بعدم قانونيتها. ورغم أن محكمة أعلى أعادت فرض هذه الرسوم مؤقتًا، هدد البيت الأبيض باللجوء إلى المحكمة العليا للفصل النهائي في القضية.
وتقول بيني ناس، الخبيرة في مركز الأبحاث الأمريكي "صندوق مارشال الألماني" لـ DW: "هناك تردد واضح في تقديم عرض شامل في ظل عدم وضوح الموقف الأمريكي".
من جهته، توقع أنطونيو ناتاس من معهد إنسياد INSEAD تمديد فترة الهدنة لأكثر من 90 يومًا، مضيفاً: "حتى ظهور مؤشرات جادة على التوصل إلى تسوية، سيبقى الحذر سيد الموقف، ويستمر مستوى عدم اليقين مرتفعاً".
الرسوم تصرف الأنظار عن التنافس التكنولوجي
ركزت إدارتا ترامب وبايدن على الحفاظ على التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة في مواجهة الصين، إلا أن المخاوف ازدادت من أن سياسات الرسوم الجمركية تستهلك الموارد وتشغل الشركات الأمريكية عن تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، مما قد يؤدي إلى تباطؤ اقتصادي يضر بالسوق الأمريكية. فقد أدت هذه الرسوم إلى ارتفاع التكاليف وضغط ميزانيات شركات التكنولوجيا، مما قلّص قدرتها على الاستثمار في البحث والتطوير في وقت حاسم.
وفي ظل تصاعد الاهتمام بالرسوم الجمركية من قبل صانعي القرار، تواجه مبادرات تعزيز الابتكار المحلي خطر التهميش، مما يثير تساؤلات حول أولويات السياسة الاقتصادية للولايات المتحدة.
في الوقت نفسه، كثّفت الصين جهودها لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية، وبفضل الدعم الحكومي الكبير طوّرت قدراتها في مجالات الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية، وإنتاج الرقائق المتقدمة، و اتصالات الجيل السادس، مما قلّص الفجوة التكنولوجية بينها وبين الولايات المتحدة.
وترى بيني ناس، الخبيرة في مركز الأبحاث الأمريكي "صندوق مارشال الألماني" أن الصين أصبحت تملك معظم المزايا التكنولوجية التي كانت الولايات المتحدة تعتقد أنها تسيطر عليها، بينما الشركات الأمريكية مشغولة بإعادة تنظيم سلاسل التوريد، ما يجعلها "تتأخر في السباق"، وتتساءل: "هل هذا أفضل استخدام لوقتهم في ظل الصراع المباشر على مستقبل التكنولوجيا؟".
أعدته للعربية ندي فاروق
تحرير: خ.س