حرب ترامب على إيران.. معركة النفوذ الأولى على أرض العراق!
ملهم الملائكة
١٨ فبراير ٢٠١٩
تعاظمَ الصراع الأمريكي والإيراني على النفوذ في العراق، فبلاد الرافدين مشروع أمريكي منذ عام 2003، لكنّ الشارع وكواليس السياسة تمهد اليوم البساط الأحمر لإيران. يتزامن كل هذا مع دعوات عراقية لأنهاء الوجود الأمريكي بشكل كامل
الرئيس الأميركي دونالد ترامب، زار القطعات الأمريكية في العراق فاستاءت السلطات العراقية من الزيارةصورة من: Reuters/J. Ernst
إعلان
يسود المشهد العراقي خطابٌ شيعي يطالب بعرض قضية إنهاء الوجود الأمريكي في البلد على البرلمان، للتصويت عليها من خلال ممثلي الشعب. مثل هذا المقترح لو لقي قبولاً، قد ينفخ في أشرعة رحيل الولايات المتحدة عن العراق، لاسيما أنّ القوى السياسية السنية لا تستطيع أن تدافع عن الوجود الأمريكي وهي التي ما برحت تصفه بالاحتلال، وب "ما بُني على باطل".
وليس خافياً أنّ الكرد يؤيدون الوجود الأمريكي، وقد يعرضون على الولايات المتحدة اقامة قواعد لهم في إقليم كردستان العراق، ما سيعرض موازين القوى في المنطقة إلى ارتباك ظاهر. لكن هل يمكن حقا التكهن بقرارات الرئيس ترامب المفاجئة؟
انسحاب من سوريا وترسيخ الوجود في العراق!
قبل أيام زار وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان العراق وسعى إلى "طمأنة المسؤولين في بغداد حيال مستقبل القوات الأميركية في العراق، بعد الانسحاب من سوريا وإعلان دونالد ترامب رغبته بـ"مراقبة إيران" من العراق"، حسبما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية. وهكذا فإنّ الانسحاب الأمريكي المفاجئ من الجبهة التي تحارب التنظيمات الإرهابية الإسلامية المتطرفة في سوريا، سيخلق شكوكاً لدى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في مدى جدية وجدوى تحالفهم مع الحليف الأمريكي المتقلب!
والحقيقة أنّ إعلان الرئيس الأميركي ترامب نيته البقاء في العراق بهدف "مراقبة إيران" قد اثار استياء الأحزاب الشيعية في بغداد، لاسيما أنّ كثيراً منها تدين علناً بالولاء لإيران.
وقبل أكثر من شهر طلبت الإدارة الأمريكية من رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي موقفاً واضحاً بشأن قائمة تضم سبعة وستين تنظيماً مسلحاً شيعياً تنشط في البلد، يقلد مقاتلو أربعين منها مذهبياً المرشد الإيراني علي خامنئي، ما يعني أنهم يدينون له بالولاء سياسياً. رد الفعل غير المعلن جاء من الحشد الشعبي الذي يعتبر خيمة تظلّ هذه التنظيمات، فقد أغلقت مديرية أمن الحشد (خلال الأسبوع الثاني والثالث من شهر شباط/ فبراير 2018) عشرات مقرات التنظيمات التي وصفتها بأنّها "وهمية "وسط العاصمة العراقية بغداد واعتقلت عددا من منتحلي الصفة بينهم شخص يضع رتبة لواء ركن.
الجنرال قاسم سليماني، رجل إيران القوي في العراقصورة من: Tasnim
الحشد الشعبي وظاهرة التنظيمات الوهمية!
من جانبه نفى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي أن تكون الإدارة الأمريكية قد سلمته قائمة بأسماء تنظيمات شيعية مسلحة، معتبراً أن مثل هذا الأمر شأن داخلي عراقي وليس للولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل فيه، وفي هذا السياق أعتبر الصحفي صادق الطائي الكاتب في صحيفة القدس العربي في حوار مع DW أنّ التسريب ربما جاء من فصائل كبرى من الحشد تسعى إلى تقليل عدد التنظيمات المشاركة في الحشد بعد انتهاء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية : "هناك صراعات بين القوى السياسية في العراق تجري منذ خمسة عشر عاماً، وممكن أن تلجأ بعض منها إلى تسريب معلومات إلى الإعلام كمقدمة لتصفية فصائل أخرى بسبب التنافس القائم على النفوذ وعلى السلاح وعلى المال، وفي هذه الحالة فإنّ هذا أمر ممكن، وأتوقع أن جزءاً من هذا السيناريو حقيقي بالفعل".
ولو تأمل المراقب تطورات المشهد العراقي، فسيجد أنّ الولايات المتحدة الأمريكية وبعد عام 2003 قد قامت بإنشاء جيش عراقي جديد بعد انحلال الجيش السابق، ووصل عدد الفرق المقاتلة إلى ثمانِ فرق (80 ألف عسكري) من بينها ما عُرف بالفرقة الذهبية. لكنّ هذا الجيش الذي أنفق العراق مليارات الدولارات لإقامته، إنهار في أول مواجهة مع تنظيم "داعش" عام 2014، وتشتت جنوده، واستولى التنظيم الإرهابي على أسلحته ومهماته ومعداته وآلياته ودباباته ومدافعه.
القوات الأمريكية اسقطت نظام صدام حسين عام 2003صورة من: picture-alliance/dpa
حشد شعبي تدعمه إيران بدلا من جيش تدعمه أمريكا!
وعانى البلد من فراغٍ عسكري خطير، فشكّلت الأحزاب والقوى السياسية الحاكمة بشكل سريع تنظيماً مسلحاً دعمته فتوى جهادية من المرجع الشيعي الأعلى "علي السيستاني"، وبات يطلق على هذا التنظيم "الحشد الشعبي"، وقد وصفه الصحفي صادق الطائي بأنّه" نسخة عراقية تقلّد تنظيم الحرس الثوري الإيراني (المعروف بباسداران)، والذي اقيم عام 1979 بسبب عدم ثقة الطبقة السياسية الإيرانية التي وصلت الى السلطة آنذاك بالقوات المسلحة التي كان ولاؤها محسوماً لشاه إيران".
حسم الحشد الشعبي الذي ضم عشرات المجاميع المسلحة أغلبها شيعية، المعركة بالنصر على تنظيم داعش الإرهابي في عام 2017 بتحرير مدينة الموصل التي كانت عاصمة ما عرف ب"دولة الخلافة الإسلامية"، وبات هو القوة الموجودة على الأرض، وهذا يعني أنّ المشروع الأمريكي العسكري في العراق قد تراجع أمام مشروع مسلح إيراني الولاء.
زوار إيرانيون في رحلة على الأقدام للعتبات المقدسة في كربلاء والنجفصورة من: Alef
لكن تطورات المشهد السياسي في العراق لا زالت غير واضحة، ولا زالت وزارتا الدفاع والداخلية بلا وزراء، كما يقف رئيس الحكومة عادل عبد المهدي المستقل في وضع لا يحسد عليه، حيث تتجاذبه المطالب الإيرانية المدعومة بقطاع عريض من الأحزاب الشيعية العراقية من جانب، مقابل مطالب أمريكية متشددة لكنها تفتقر إلى دعم قوى سياسية عراقية من جانب آخر. وحول هذا الوضع علّق الكاتب صادق الطائي بالقول "عندما كانت الولايات المتحدة موجودة على الأرض (في العراق) بعديدها الكبير الذي وصل إلى 150 ألف مقاتل، لم يكن الحديث عن نفوذ إيراني على الأرض قائماً، وقد فرضت الولايات المتحدة سطوتها في ذلك الوقت "ومضى إلى القول "النفوذ الايراني ولد في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية منه عام 2011 وفق المعاهد الاستراتيجية".
ويتفاقم الوضع بمساعي الإدارة الامريكية لتقوية الحصار على إيران، وقد وصف نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في كلمة أمام مؤتمر الشرق الأوسط في العاصمة البولندية وارشو (الخميس 14 شباط/ فبراير2019)، إيران بأنها التهديد الأكبر لمستقبل الشرق الأوسط، مضيفا أن الجمهورية الإسلامية هي "الراعي الأول للإرهاب في العالم".
ملهم الملائكة
العلاقات العراقية الإيرانية.. تاريخ من النفوذ والتوتر
تتجذّر العلاقات بين العراق وإيران منذ سنوات طويلة، وقد غلب عليها التوتر في مراحل عديدة، وسط سعي إيرانيّ دائم لجعل العراق الساحة الرئيسية لنفوذها الإقليميّ. في ألبوم الصور هذا نلقي الضوء على تاريخ العلاقات بين البلدين.
صورة من: leader.ir
أهمية العراق بالنسبة لإيران
ظلت إيران تاريخياً تحاول بسط نفوذها على العراق بسبب أهمية موقعه الاستراتيجي، فهو يشكّل بوّابة إيران الشرقية على العالم العربي ومنه إلى البحر المتوسط مروراً بسوريا ولبنان. وتستغل إيران الروابط التاريخية والمذهبية بين البلدين في سبيل تحقيق ذلك، خاصة بعد تحولها للمذهب الشيعي في عهد الدولة الصفوية.
صورة من: DW-Montage
المذهبية.. "أداة التدخّل الشرعي"
تتخذ إيران من المذهب الشيعي وسيلة لاعتبار تدخّلها في العراق "شرعياً". فبالإضافة إلى الوجود الشيعي الكبير في العراق، يرتبط اسم العراق ارتباطاً وثيقاً بأحداث "التاريخ الشيعي"، حيث توجد فيه مدينتنا النجف وكربلاء، المقدّسة لأتباع المذهب الشيعي، كما أن مراقد ستة من الأئمة الاثني العشر توجد فيه، ولذلك يحج إليه ملايين الناس سنوياً.
صورة من: picture-alliance/dpa
الصراع الصفوي العثماني
يشكل الصراع بين الدولة الصفوية، والتي قلبت بلاد فارس (إيران) إلى المذهب الشيعي، والدولة العثمانية، إحدى المحاولات الواضحة لحكّام بلاد فارس للسيطرة على بلاد الرافدين (العراق). فبعد أن بسط الشاه سليمان الصفوي نفوذه في إيران، سيطر على العراق، إلا أن الدولة العثمانية تمكّنت من إخراجه من يد الحكم الصفوي. واستمر التوتر بين الطرفين للسيطرة على العراق حتى سقوط الصفويين ومجيء الأفشاريين ثم القاجاريين.
صورة من: DW/Helbig
معاهدة أرضروم
بعد انتصار القاجاريين على العثمانيين في معركة أرضروم 1823، وقّع الطرفان معاهدة حملت اسم المعركة، والتي اعترفت الدولة العثمانية بموجبها بحق إيران في مدينة وميناء المحمرة "خرم شهر" وجزيرة عبدان، وكذلك الأراضي التي هي على الضفة الشرقية لشط العرب. إلا أن تلك المعاهدة لم تكن قادرة على حد الخلاف على الحدود بين الطرفين.
صورة من: iichs
الخلاف على الحدود عند شط العرب
ورغم توقيع العراق وإيران معاهدة لرسم الحدود بين الطرفين في عام 1937، تعترف فيه طهران بحق بغداد في مياه شط العرب وتنظيم الملاحة فيه، ما عدا مناطق محددة، إلا أن الشاه الإيراني قام بإلغاء المعاهدة من طرف واحد في عام 1969 مستغلاً ضعف نظام البعث الذي كان قد وصل إلى السلطة قبل عام من ذلك، وقامت إيران بحشد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية على طول خط الحدود بين العراق.
صورة من: DW-Grafik
الثورة الإيرانية وقدوم صدام.. في نفس العام
وفي عام الثورة الإيرانية 1979، تولّى صدام حسين زمام الأمور في العراق بإزاحة الرئيس أحمد حسن البكر، ليشتد العداء بين الطرفين، واللذين كانا يتبادلان التهم، طهران تتهم بغداد بإعدام الرموز الشيعية المعارضة، ومن أبرزهم محمد باقر الصدر، والعراق يتهم إيران بمحاولة تصدير الثورة الإسلامية إلى الدول المجاورة وخصوصاً تلك التي فيها شيعة. يضاف إلى ذلك الخلاف على الحدود بين البلدين عند شط العرب.
صورة من: AP
الحرب العراقية الإيرانية
شكّلت الحرب العراقية الإيرانية التي نشبت بين 1980 و 1988 أوج التصعيد والتوتر بين البلدين، وخلّفت الحرب مئات آلاف القتلى والمصابين وعشرات آلاف الأسرى.
صورة من: picture-alliance/dpa
انتفاضة عام 1991 في العراق
ورغم انتهاء الحرب بعد أن أعلن المرشد الأعلى الخميني قبول قرار مجلس الأمن الداعي لوقف القتال، إلا أن العلاقات بين البلدين لم تشهد تقارباً واضحاً، بل إنها عادت للتوتر مع اندلاع انتفاضة عام 1991 في العراق، حيث اتّهمت بغداد أن لطهران يد فيها، وهو ما أعاق تطبيع العلاقات بين البلدين.
صورة من: AP
الغزو الأمريكي للعراق – نقطة تحوّل
يشكل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 نقطة تحوّل جذرية في تاريخ العلاقات العراقية الإيرانية. حيث استأنف البلدان علاقاتهما الدبلوماسية في العام الذي تلا سقوط نظام صدام حسين، كما قام وفد عسكريّ عراقيّ - برئاسة وزير الدفاع آنذاك سعدون الدليمي- بزيارة إلى طهران وقدّم اعتذاراً لإيران عما وصفه بجرائم صدام بحق إيران، ووقّع الطرفان حينها اتفاقاً للتعاون العسكري في مجالات الدفاع ومحاربة الإرهاب.
صورة من: picture alliance/AP Photo
هيمنة إيرانية بعد الانسحاب الأمريكي
واستمرت العلاقات بالتحسن بدءاً من عهد رئيس الوزراء الأسبق إبراهيم الجعفري، وتوثقت العلاقات في عهد المالكي، إلى أن وصلت إلى هيمنة إيرانية على العراق، وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي عام 2011، قبل أن يعود جزء من قواتها بطلب من الحكومة العراقية لمحاربة تنظيم الدولة.
صورة من: Lucas Jackson/AFP/Getty Images
في عهد العبادي
رغم استمرار الضغوط الإيرانية، إلا أن رئيس الوزراء حيدر العبادي تمكّن –ولو نسبياً- من إعادة نوع من التوازن إلى علاقات العراق مع كل من أمريكا وطهران، وقد كشف العبادي أن بلاده تسعى أن تنأى بنفسها عن الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، لكن التساؤلات ماتزال تطرح نفسها حول إمكانية ذلك بالفعل، وسط التأثير الذي مازال يمارسه الطرفان في كل انتخابات تشهدها البلاد منذ سقوط صدام.
صورة من: Irna
خلاف المرجعيات
وتجدر الإشارة إلى وجود صراع حول مرجعية شيعة العراق بين الحوزتين الشيعيتين (المدرستان الرئيسيتان): حوزة النجف في العراق، وهي المقر التاريخي للحوزة من القرن الخامس، وحوزة قُمْ في إيران، وهي المقر المستحدث في أعقاب الثورة الإيرانية. بالإضافة إلى رفض الشيعة في العراق إلى جانب المرجع الأعلى للشيعة في العالم آية الله علي السيستاني لمبدأ ولاية الفقيه، وهو اساس نظام الحكم في إيران.
الكاتب: محيي الدين حسين