1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وتحديات السياسة

٢٠ فبراير ٢٠٠٦

الفوز الساحق لحركة حماس في الانتخابات البرلمانية جعلها تقف أمام تحديات عديدة، لعل أهمها: إرضاء الناخبين واتخاذ مواقف بناءة في السياسة الخارجية. تحليل هيلغا باومغارتن من جامعة بيرزيت.

وفد حماس إلى تركياصورة من: AP

فوز حماس في الانتخابات البرلمانية كان له وقع الصاعقة. إذ يبلغ عدد نوابها في المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد 74 نائبا من مجموع 132، أما عدد ممثلي نواب فتح فيبلغ 45 نائبا فقط. هذا يعني أن حركة سياسية كانت حتى قبل 10 سنوات ترفض كافة أشكال المشاركة بالانتخابات قد حازت على الأغلبية المطلقة.

ما هي العوامل التي دفعت الناخبين الفلسطينيين إلى اتخاذ هذا القرار الواضح الصريح؟ وكيف يمكن تفسير التغيير في خط „حماس“ من الرفض التام للانتخابات إلى المشاركة بالعملية السياسية؟

يبدو أن قرار الناخبين قد جاء في المقام الأول مسددا ضد كل ما ارتبط في رؤيتهم بحركة فتح وبالسلطة الفلسطينية. هذا يعني في مجال السياسة الداخلية موقفا ضد المحسوبية والرشوة وانعدام فاعلية الأداء وتفاقم الهوة القائمة بين الفقراء والأغنياء، وهو يعني في إطار السياسة الخارجية أن عملية السلام كانت مجرد حبر على ورق ونتج عنها فقدان الفلسطينيين بالتدريج لأراضيهم.

كما أنها جعلت ظروفهم المعيشية تصبح في ظل الاحتلال أسوأ وأسوأ، فقد بني الجدار وتم تقطيع أجزاء البلاد ووضعت الحواجز الطرقية في كل مكان وبات السكان عرضة لأعمال عنف يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون الذين يتمتعون في أغلب الحالات بحماية الجيش الإسرائيلي.

توقعات الناخبين

السؤال الآن : ما هي الأهداف التي تتبناها „حماس“ وما الذي يتوقعه منها ناخبوها؟

أغلبية الناخبين تريد من „حماس“ تكريس فاعلية في الأداء والقضاء على الرشوة والفساد على مستويات الإدارة الفلسطينية القريبة من سمات الدولة وفي قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد.

أغلب الناخبين يريدون أن تكرس هذه التحولات إعادة خلق الأمن والنظام في الشارع الفلسطيني وعلى وجه خاص كبح جماح مجموعات فتح المسلحة العديدة ووضعها تحت قبضة مراقبة قوية. أما فيما يختص بالمستوطنين وبالجيش الإسرائيلي فتلك أمور تقع خارج نطاق صلاحية الإدارة الفلسطينية.

نظرا للعديد من التصريحات المتضاربة الصادرة عن نواب „حماس“ المنتخبين مؤخرا حول الشريعة الإسلامية ومدى تطبيقها في المجتمع الفلسطيني فقد طالب الكثيرون من الفلسطينيين من „حماس“ التزام موقف متحفظ في هذا السياق وممارسة سياسة مبنية على تكريس التسامح إزاء التعامل مع ذوي النزعات الأخرى ومع الأقليات الدينية. وهناك في الوقت الحاضر مؤشرات توحي باستعداد „حماس“ لتبني فكرة التسامح.

إنشاء دولة فلسطينية قادرة على الوجود

القيادي اسماعيل هنية وفي الخلفية الشيخ احمد ياسينصورة من: AP

في مجال السياسة الخارجية يتوقع الفلسطينيون من „حماس“ أن يكون صوتها أكثر وضوحا من فتح في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وأكثر تحديدا من النقد الموجه من كلا السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية لهذا الاحتلال في المحافل الدولية. في المقام الأول يريد الفلسطينيون حكومة تبذل قصارى جهدها على مختلف المستويات من أجل اتخاذ إجراءات محددة كفيلة بإنشاء دولة فلسطينية قادرة على الوجود.

هذا لا يعني على الإطلاق رفضهم لعملية السلام بل هدفهم هنا توجيه رسالة واضحة إلى العالم تحيطه فيها بغياب عملية السلام في غضون السنوات الماضية وتعلمه بأن أسباب غياب العملية لا يعود في الدرجة الأولى إلى الفلسطينيين أنفسهم بل إلى دولة إسرائيل في حد ذاتها التي تحتل المناطق الفلسطينية منذ عام 1967 وقامت منذ ذلك من خلال سياستها الاستيطانية بسلب أجزاء كبيرة من الأراضي ولم تلتزم في أغلب الحالات بالمعاهدات التي تم إبرامها.

إبادة إسرائيل ومبدأ التعايش

هل سيكون بوسع „حماس“ تلبية هذه المطالب وما هو بالتحديد موقفها في هذا السياق؟ جاء في ميثاق „حماس“ الذي صدر 1988 أي في العام الأول من ظهور الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال بأن الهدف هو تحرير فلسطين وإنشاء دولة إسلامية في فلسطين بتعريفها التاريخي أي ليس فقط في المناطق التي احتلت عام 1967 بل في منطقة تواجد دولة إسرائيل أيضا. وقد أرادت „حماس“ الكفاح من أجل تحقيق هذا الهدف بكلا الطرق السياسية والعسكرية. جاء واضحا بأن خصم „حماس“ هي دولة إسرائيل في حد ذاتها، هذا وإن تضمنت عدة مواقع من الميثاق هجوما لا على إسرائيل بل على الصهيونية واليهود بصورة عامة.

في بعض فقرات الميثاق استشهد بالقرآن وفي فقرات أخرى تم على نحو بليد اقتباس صيغ وعبارات قذف أوروبية نابعة من روح معاداة السامية. يتضمن الميثاق في نفس الوقت تبنيا واضحا لمبدأ التعايش مع رعايا الأديان الأخرى واحترامها. هذا وقد رفضت „حماس“ عملية أوسلو منذ البداية رفضا تاما، وكانت حجة قيادة „حماس“ في هذا السياق أن تلك العملية تخلت عن مطالب مركزية مرتبطة بالانتماء القومي الفلسطيني وبأنها كرست تنازلات واسعة النطاق تجاه دولة إسرائيل دون إحراز أية مكاسب مقابل ذلك لصالح الفلسطينيين. كما ترى القيادة بأن حتى الهدف الذي صوت عليه بالإجماع من منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بشأن إنشاء دولة فلسطينية في المناطق المحتلة عام 1967 قد أصبح عديم المفعول ضمنيا.

عمليات انتحارية

خالد مشعل سيزور قريبا موسكوصورة من: Montage DW/picture-alliance/dpa

وقد شنت „حماس“ كفاحها ضد اتفاقيات أوسلو وضد تواصل حالة الاحتلال رغم أوسلو لا بالطرق السياسية وحدها. إذ شنت „حماس“ هذا الكفاح بعد المذبحة التي وقعت في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل على يد مستوطن إسرائيلي (يومها لقي 29 مصليا فلسطينيا مصرعهم) على وجه خاص من خلال استخدام أشكال العنف المروعة وبالقيام بأعداد كبيرة من العمليات الانتحارية. وقامت بتلك العمليات لا في المناطق المحتلة نفسها بل داخل إسرائيل وبصورة متزايدة ضد أشخاص مدنيين إسرائيليين.

نلاحظ وجود مرحلتين في هذا الصدد هما :

المرحلة الأولى منذ عام 1994 أي مباشرة بعد وقوع مذبحة الخليل إلى عام 1997 بعد أن أمر الشيخ ياسين بعد الإفراج عنه من معتقله الإسرائيلي بوقف كافة العمليات الانتحارية.

المرحلة الثانية منذ مارس (آذار) 2001 أي بعد انقضاء قرابة ستة شهور على انطلاق الانتفاضة التي تسببت في مقتل العديد من الناس لاسيما في صفوف المدنيين الفلسطينيين (استخدم الجيش الإسرائيلي منذ بداية الانتفاضة الثانية في سبتمبر/ أيلول 2000 أبشع أنواع العنف ضد الثوار الفلسطينيين خاصة من خلال تكليف القناصة بتسديد طلقاتهم استهدافا للمتظاهرين مباشرة) حتى مايو(أيار) 2001 عندما وافقت „حماس“ على قرار فلسطيني بوقف إطلاق النار.

يبدو أن خلافا حادا كان قد نشب داخل صفوف حركة „حماس“ حول العمليات الانتحارية، وقد حسم هذا الخلاف في النهاية لصالح المجموعة التي رفضت العمليات الانتحارية منذ البداية واعتبرتها أعمالا غير مشروعة كما أنها عبرت عن إرادتها بعدم استعدادها لتقبل تواصل المساس بالمعايير السائدة في القانون الدولي.

منذ بداية 2005 تلتزم „حماس“ باتفاق مبرم بينها وبين السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تم بناء عليه إجراء انتخابات الرئاسة في يناير / كانون الثاني 2005 ومجموعة من الانتخابات المحلية في الفترة الواقعة بين ديسمبر/ كانون الأول 2004 وديسمبر/ كانون الأول 2005 وكذلك الانتخابات البرلمانية التي عقدت في أواخر يناير / كانون الثاني 2006.

موقف الغرب من فوز "حماس"

بعد الفوز الساحق الذي أحرزته „حماس“ اتخذت إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواقف ثابتة فحواها رفض التفاوض مع „حماس“ باعتبارها في الرؤية العامة للغرب منظمة إرهابية ما لم تكف عن استخدام العنف وتعترف بحق إسرائيل في الوجود وتوافق على الاتفاقيات المبرمة حتى الآن في إطار عملية أوسلو للسلام.

يبدو أن لا حل هناك للدوامة القائمة لدى „حماس“ بين هذه الضغوط الخارجية الحادة وبين التزامات هذه المنظمة في الداخل، خاصة وأنها تشعر بأنها الآن ملتزمة حيال ناخبيها وهم:

إما مؤيدون متطرفون يدينون للحركة بولاء مطلق ويرفضون اتخاذ موقف تصالحي ضد إسرائيل إلى أن ينتهي احتلالها للضفة الغربية في أضعف تقدير وإما ذلك العدد الكبير من الناخبين الجدد أو الذين انتخبوا „حماس“ بدافع الاحتجاج وهم يدعمون „حماس“ لكونهم يتوقعون منها إعداد خط جديد حيال إسرائيل على أن يكون هذا الخط مهيأ لإحراز النجاح بمعني أن يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإنشاء دولة فلسطينية وتكريس السلام.

لهذا فإن „حماس“ تسعى منذ فوزها في الانتخابات إلى إعادة تحديد موقعها في إطار السياسة الخارجية. فقد تبنى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي ل“حماس“ والذي ينتقل دوريا بين قطر ودمشق تبنيا واضحا مفهوم الالتزام بكافة المعاهدات الدولية المبرمة من قبل السلطة الفلسطينية ابتداء من أوسلو وانتهاء بخريطة الطريق، وقد قام مشعل بذلك بناء على قاعدة "الرؤية الواقعية الجديدة".

"حماس" والعنف

كما أن إسماعيل هنية من غزة الذي تصدر القائمة الانتخابية ل“حماس“ طالب المجموعة الدولية بمتابعة تقديم العون لفلسطين مقررا مقابل ذلك إنشاء إدارة تتسم بفاعلية الأداء واستخدام كل المساعدات المالية الممنوحة للسلطة على نحو شفاف ومرتبط مباشرة بتنفيذ مشاريع محددة.

ابو مازن مع رئيس الوزراء السابق ابو قريعصورة من: AP

وناشد هنية في نفس الوقت المستثمرين الفلسطينيين والعرب من القطاع الخاص متابعة بل تكثيف استثماراتهم في فلسطين على قاعدة الوعد الذي قدمته „حماس“ والمتضمن توفير تعاون إيجابي بين القطاعين العام والخاص فيها. لكنه لم يصدر عن „حماس“ حتى الآن بيان يتضمن تخليا عن العنف على نحو غير قابل للتأويل أو اعترافا معلنا صريحا منها بإسرائيل.

صحيح أن „حماس“ طالبت على وجه واضح بإنشاء دولة فلسطينية في المناطق التي تم احتلالها عام 1967 مما يعني بما لا شك فيه اعترافا ضمنيا بإسرائيل. كما أن „حماس“ تبنت بوضوح مفهوم العملية السياسية كخيار لحل النزاع القائم مع إسرائيل وإن شددت بالإضافة إلى ذلك على الحق في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي المستديم.

وبدلا من أن تعترف „حماس“ بإسرائيل على نحو ثابت غير قابل للتأويل وتعمد إلى نبذ كافة أشكال العنف بما فيها حق المقاومة الذي نص القانون الدولي على مشروعيته بالنسبة لكل مجتمع يرزح تحت الاحتلال، فإنها تستخدم من أرضية دينية مصطلح "الهدنة" أي وقف إطلاق النار. في هذا السياق أعرب عدد من المسؤولين في “حماس“ عن استعدادهم لإبرام اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأجل مع إسرائيل.

رد ناطق باسم „حماس“ على مطالب المجموعة الرباعية في لندن المتضمنة إنذارا له، فلاحظ بأن الفلسطينيين كانوا يأملون ويتمنون في أضعف الاحتمالات أن يوجه الرباعي نقدا للاحتلال الإسرائيلي وللعنف النابع منه بل أن يتضمن حتى مطلبا صريحا واضحا لإسرائيل بالعمل أخيرا على إنهاء هذا الاحتلال الذي يتعرض له الفلسطينيون وذلك تمشيا مع العديد من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي منذ عام 1967. هذا ويتضح على وجه عام بأن الضغوط الحادة الموجهة من الخارج تنعكس سلبيا على الساحة الداخلية وتؤدي إلى تصلب الجبهات.

مؤشرات إيجابية

أما كيف سيكون بمقدور „حماس“ التحرر من هذه الدوامة المتعلقة بسياستها الخارجية وعما إذا كان النجاح سيرافقها في هذا الصدد، فتلك مسألة ما زالت معلقة. لكن المؤشرات التي ظهرت في غضون الأيام الماضية تدل في أغلبها على الاستعداد للجوء إلى حلول الوسط.

من محتويات مثل هذه الحلول تشكيل حكومة فلسطينية يشارك بها عدد كبير من الشخصيات المستقلة والخبراء التكنوقراطيين والسعي من ناحية أخرى إلى الابتعاد على المستوى الدولي عن إصدار البيانات المعلنة المتزامنة مع خطر ظهور خطوط مواجهة جديدة إن لم نقل حتى ممارسة سياسة تؤدي إلى طريق مسدود.

تأمل „حماس“ أن يتاح لها الوقت اللازم لكي يتسنى لها إقناع مؤيديها بضرورة تحولها من حركة مقاومة راديكالية إلى حزب سياسي يرغب في تكريس استقلال فلسطين. وهذا يتطلب قدرا كبيرا من البراعة الدبلوماسية لا سيما لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

لكن ذلك يتطلب على وجه خاص من قيادة „حماس“ نفسها إبداء قدر كبير من الشجاعة والاستعداد لاتخاذ قرارات تاريخية. ما زال السؤال هنا مفتوحا عما إذا كانت „حماس“ على استعداد أو عما إذا كانت قادرة على القيام بتلك المهمة.

بقلم هيلغا باومغارتن

ترجمة عارف حجاج

حقوق الطبع قنطرة 2006

هيلغا باومغارتن أستاذة علم السياسة في جامعة بير زيت ولها العديد من المؤلفات عن القضية الفلسطينية.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW